الرئيسية / افكار / المومياوات تسحق مجتمعاتنا.. ليفهم الأغبياء أن التطرف لن يمنح الشعوب الحرية

المومياوات تسحق مجتمعاتنا.. ليفهم الأغبياء أن التطرف لن يمنح الشعوب الحرية


1/ حصوننا ستتفجر من دواخلها
دعوني أكتب اليوم بصدد ما كنت قد قلته مرارا وتكرارا منذ عام 1002 ومرورا بالعام 3002 وحتى يومنا هذا.. أعيد وأكرر بأن الإرهاب سيزحف على كل مجتمعاتنا ليأكلها أكلا، بعد أن يسحقها ويعبث بمكوناتها المتآلفة وعناصرها المشتركة.. مجتمعاتنا التي كانت متماسكة وقوية بوجه كل التحديات الخارجية عبر مئات السنين.. تجد اليوم نفسها وهى مهددة الحصون من دواخلها.. بفعل تفاقم الأحقاد الدينية والكراهية الطائفية والصراعات العرقية والانقسامات المذهبية.. لقد كان كل من لبنان والجزائر والعراق قد فتكت بهم المومياوات المعلنة أو المخفية، وقد دفعت مجتمعاتنا جمعاء أثمانا باهظة في بيئات عدة من عالمنا العربي جغرافيا على طرفي المشرق والمغرب العربيين وما بينهما وادي النيل.. لكي تعصف الموجة الدموية بمصر هذه المرة.. إن كل الكلام سينتهي وكل العواطف ستخمد وكل المواساة ستذوى.. ولكننا بأمس الحاجة اليوم إلى معالجات حقيقية. نحن بأمس الحاجة إلى مفاهيم جديدة وأفكار جديدة وإصلاحات جديدة ورؤى علمية جديدة.. بل نحن بأمس الحاجة إلى سياسات جديدة.. وكنت ولم أزل أدعو في مقالاتي ودراساتي مجتمعاتنا إلى الوعي بحجم التحدي الذي يجتاحنا في مثل هذا الزمن الكسيح الذي يزداد ضلالة وظلاما وقتامة، وبدل أن تتطور سلوكيات الناس في مجتمعاتنا، فإنها تنهار بشكل مريع وخصوصا بعد مرور خمسين سنة من التواريخ المفجعة التي ألمت بمجتمعاتنا كافة التي شهدت تداعيات الحرب الباردة عليها قبل خمسين سنة، واليوم تشهد تأثيرات الاستقطابات وانتشار الفوضى الخلاقة التي تنتشر في عالمنا كما تنتشر النار في الهشيم. نحن على أعتاب زمن صعب جدا يزدحم بالصراعات والحروب الداخلية، إن لم نجد وسائل الردع الكافية قبل فوات الأوان ومن قبل دولنا ومجتمعاتنا معا.

2/ الارهاب سيزحف على كل مجتمعاتنا
إن الإرهاب سيزحف على كل بلداننا العربية، إن لم نعمل جميعا على استئصاله، علما بأنه ليس من السهولة أبدا التعامل معه، فهو منظم وخفي ومخطط له وتدعمه دول وأجهزة وسياسات.. إن هذا الوباء الخطير له أهداف محددة ومعروفة.. علينا أولا أن ندرك السؤال القائل؛ ومحاولة الإجابة عنه: لماذا يُستهدف مجتمع معين أو دين معين أو بلد معين؟ وعلينا أيضا أن نجد بعض الوقت كي نحلل عبارات وأفكارا ونصوصا اعتراضية يثيرها أناس لا أستطيع وصفهم إلا بالأصنام والمومياوات التي تبقى على امتداد الزمن ميتة وشاخصة بكل تجاويفها الفارغة والإنسان إزاءها يولد ويحيا ويموت ليجدد الحياة من بعده.. ولكنها وجدت ضالتها كي تنفذ أبشع الجرائم بحق الأبرياء.. دعونا نتعمق أكثر لمعالجة المشكلة:

3/ تحليل الفوضى الخلاقة لهذا الزمن
أولا: المستقبل هو الثمن
إن المشكلة لا تنحصر بأفراد قلائل لهم مطالبهم المعينة كي يسلكوا هذا المسلك الإجرامي، ولكن إجرامهم هو تمرير لأيديولوجية معينة قد يباركها البعض، أو يغض الطرف عنها الطرف الآخر.. مادامت تتحدث باسم الدين وتقتل باسم الدين وتتحدى باسم الدين.. إن هؤلاء يجدون لهم أرضية صالحة للنمو والتكاثر، لأن هناك مناخا دينيا مسيطرا، ولأن هناك أحقادا تنمو بين أبناء المجتمع.. ولأن هناك ثورة إعلامية من الميديا الطاغية التي تدخل كل البيوت، بل تتحرك حتى في غرف النوم، وهى تتبنى مؤدلجات سياسية ودينية تذيعها مومياوات تأخذ لها صفة القداسة وبمباركة معظم النظم السياسية العربية والإقليمية.. فكيف يمكن لمثل هذه المشكلة أن تبقى في سبات؟.

ثانيا: من دفع الثمن الأعظم؟
لقد ازدادت حدة الصراع بين الإسلاميين من طرف وغيرهم من أطراف أخرى بفعل زيادة التيارات والأحزاب والجماعات الدينية إثر العام 1979 عند السنة والشيعة بفعل الثورة الشيعية أولا، وبفعل الصحوة الدينية لدى السنة ثانيا .. ولقد اصطدم الواقع مع نفسه لأول مرة عام 2003 لينتج هذا الوباء في الجزائر أولا وفى العراق ثانيا، وقد دفع الجزائريون والعراقيون ثمنا قاسيا على امتداد السنوات الأخيرة، وأقدّر أن الوباء سيزحف بثقله المخيف إلى مصر وهى في القلب كي ينتشر إلى أصقاع وخطوط متباينة ولم يجد أي حرب في مواجهته، ولا أي سياسة تقوم باستئصاله بذكاء لا بطيش!

ثالثا: إنهم أعداء الحريات والمؤسسات
ومن قال إنهم لا يفجرون ولا يقتلون لمجرد كراهية وأحقاد؟ ومن قال إنهم لا يريدون السلطة ولا يناورون على مال أو جاه أو سلطان؟ إنهم لا يؤمنون بالحرية أبدا، وكل واحد منهم يبتغى السلطة، فيتخذ من الدين وسيلة للانقضاض على المجتمع.. إنهم أدوات حقيقية للفوضى الخلاقة التي ابتدعها الأعداء الجدد الذين كانوا ومازالوا يخططون لتهشيم مجتمعاتنا، وتفكيك بلداننا.. مستخدمين هذه الطوابير المتخلفة التي لا تعرف معاني الحياة ولا تدرك مباهج الحريات الإنسانية.. إنها لا تفكر في الدنيا إلا بالنوم والأكل والنكاح وكيفية الوصول إلى الجنة، حيث كل ما وعدوا به.. إنهم يختصرون الحياة والدين في أنبوب لا مخرج منه! إنهم أعداء كل البشرية وكل الحريات وكل الأفكار الجديدة.. إنهم لا يؤمنون بالتغيير ويسعون إلى أن يبقى المجتمع كسيحا ومعطل الإرادة وعالة على الدولة التي يريدونها لهم وحدهم.. إنهم لا يفكرون أبدا بواقعهم، فكيف يفكرون بمستقبلهم؟.. إنهم لا يعارضون واقعهم، بل يمقتون وجودهم، ويعتبرونه زائفا، فهم غير متجانسين مع غيرهم أبدا، ولا يمكنهم أن يعترفوا أبدا لا بالتعددية ولا بالتنوع، ولا بالآخر.

رابعا: المواطنون ليسوا أغناما فى زريبة قذرة
إذا كانت الأحزاب الدينية والجماعات العقائدية والمتضمنة مؤدلجات لا واقعية، لا حصر لها تقيد أعضاءها بروابط وتكبلهم بقيود ليس باستطاعتهم أن ينفكوا عنها طوال حياتهم، إذ إنهم سيكونون «مجموعة أغنام في زريبة قذرة» – على حد قول ريمون أرون – فإن نقيضهم من كل الذين يخالفونهم هم في ساحة التقدم والحريات، ولهم جملة مبادئ تتغير مع الزمن وتطلق نفسها مجددة ذاتها وروحها بين حين وآخر.. ولا أدرى لماذا ولدت اليوم مثل هذه الأفكار الجامدة عند جيل كان يفترض به أن يكون منطلقا نحو الأمام ويتعامل مع لغة العصر ومضامينه بامتياز.

خامسا: العملية الإرهابية لم يوفرها إلا المتطرفون
ليفهم الأغبياء أن المتطرفين لم يمنحوا الشعب «الحرية» ولا يعطوه الانطلاق ولا الانفتاح على العالم، فهم يريدون قتل كل مخالفيهم ليس في العقيدة وحدها، بل حتى في الفكر. فكيف يا ترى لو حكموا العالم، وأصبحت السلطة بأيديهم؟ ماذا سيفعلون بالمجتمعات لو وقعت فريسة بأيديهم ؟ ما الذي سيحّل بالناس ، وهم ينفرون خفافا وثقالا من بشاعتهم ؟ علينا أن ننتبه إلى ما يفعلونه اليوم ، وهم بلا سلطة سياسية . ماذا لو توفرت أمامهم سلطة سياسية فضلا عن سلطتهم البشعة في المجتمع ؟

4/ هل من علاج حقيقى؟
لم نتقبل كل الأساليب التي اتبعت إلى حد اليوم من قبل الحكومات العربية للحد من ظاهرة الإرهاب.. ولم نجد أي علاجات حقيقية وواقية من قبل كل السلطات التي تهتم بشئونها المؤسساتية قبل المجتمع.. إن العلاج الحقيقي يكمن بالتربية والإعلام والسياسات الداخلية. إن رؤية المجتمعات العربية ينبغي أن تتغير تغييرا جذريا، بحيث تنفض عنها بعض القناعات كي تستجيب للحياة المعاصرة ومبادئها، وأهم تلك المبادئ: الحريات وحقوق الإنسان والمواطنة والتمدن وعدم إغراق الدين بالسياسة.. وحظر التعامل الديني بالسياسة، بل إن الفجيعة تكمن في الكم الهائل من شذاذ الآفاق الذي يتمتعون بأفاك دجال ، أو بمستبد دموي ، أو طاغية جلاد.. فكيف يمكن للعرب أن يمارسوا تجاربهم وحرياتهم؟

5/ وأخيرا: مجتمعاتنا فى مأزق تاريخى!
صدق من قال إن العرب في مأزق تاريخي لا يحسدون عليه، فالمسألة ليست من صنع الحداثيين أو الليبراليين أو الاشتراكيين أو القوميين.. إلخ، إنهم جميعا لم يقتلوا أبناء المجتمع مسلمين أم مسيحيين تقتيلا، بل يفعلها اليوم الإسلاميون ويا للأسف الشديد.. إن المسيحيين العرب مدعوون أيضا لضبط النفس والبقاء على الأرض فهم من أبنائها، ولا يمكن أن يهجر الأبناء ترابهم. إن مهمتنا اليوم تتمثل بزرع وعى جديد لدى الجيل الجديد ضد المومياوات البشعة، كي يدرك القيم الدينية الصحيحة والمسالمة، ويدرك القيم المدنية وحقيقة الإنسان وروعة التعامل والسلوكيات الحضارية وسمو الأخلاق.. وأن يدرك أن أي مشروع للقتل والتطهير الديني أو العرقي هو جريمة كبرى. فهل سننجح في مهمتنا التاريخية؟ هذا ما نأمل تحقيقه.

نشرت في مجلة روز اليوسف المصرية ، العدد 4309 – السبت الموافق – 8 يناير 2011
ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

مطلوب لائحة اخلاق عربية

تعيش مجتمعاتنا العربية في حالة يرثى لها، لما أصابها من تفكك سياسي جعلها تتمزق اجتماعيا، …