الرئيسية / الشأن العراقي / هل سيسلك العراق طريقا جديدا ؟

هل سيسلك العراق طريقا جديدا ؟


العراقي بين متفاءل ومتشائم
ثمة من يتفاءل بما يحدث من متغيرات في العراق اليوم ، ويصل تفاؤله إلى حدود السذاجة ، وثمة من يتشاءم من أوضاع العراق وما يفعله به السياسيون أو بالأحرى النخبة السياسية التي تشتغل ضمن ما أسموه بـ ” العملية السياسية ” ، ويصل تشاؤمه إلى حد الجنون ! صحيح ، ربما تكون سنة 2009 علامة فارقة في تغيير العراق ، ولكن ليس بالصورة التي يمكن توقعها عند كل من الاثنين ! فما دام هناك نخبة سياسية محددة تتوزع الأدوار ، فان عملية التغيير ليست سهلة على وجه الإطلاق ، إلا إن حدث حادث من نوع ما وقلب الموازين رأسا على عقب .. إن قراءتي لواقع العراق السياسي الذي تشكّله منافسات شديدة القوة بين مختلف القوى المعروفة من اجل السلطة .. ربما هي طبيعية اليوم ، ولكنها لا أخلاقية أبدا ، بحيث نشهد العراق قبل الانتخابات العامة وكأنه أصبح سوق هرج للمساومات بين القوى التي تسعى للبقاء في الحكم بأي وسيلة كانت . صحيح أن هناك من المتفائلين بالعراق لأربع سنوات قادمة ، ولكن هناك من المتشائمين الذين لم يعد يطيقوا ذكر العراق ومستقبله . وان النتائج معروفة مقدّما نتيجة قراءة ما يجري على الخارطة السياسية .

السلطة والشعب بين الذروة والوادي
كثيرا ما أشبه كل العراقيين منذ زمن طويل أنهم في جوف واد عميق جدا ، وان حكامهم يعيشون في قفص عالي على القمة ، لكنه قفص مغلق ! إن من حق أي مواطن عراقي أن يعمل من اجل بلاده ليقدم خدماته إليها .. ولكن أن تبقى العملية منحصرة داخل قفص لا يستطيع أي احد الاقتراب منه ، كونه عش دبابير هائجة او انها مجموعة خلايا يأكل بعضها بعضا .. ومن الأعراف التي يألفها كل العالم أن من يفشل في سياسته ، لابد أن يخجل ويشعر بأخطائه ويعترف بها لينعزل ، ويفسح المجال أمام غيره ليلعب دوره ! ومع كل هذا وذاك يقبل الأمر ما دام الشعب هو الذي سيحدد مصير من يريده ممثلا في مجلس النواب ، ولكن أن ينتقل هذا من قائمة ذاك لينتمي إلى تحالف جديد ، وان الاول له فضل عليه بإدخاله معه مجلس النواب ، علما بأن الانتماء ليس لعبة سياسية ، بل قضية مبدئية .. فلا يمكن لأي عاقل أن يفهم كيف يلتقي الشيوعي مع الإسلامي ؟ ولا القومي مع الطائفي ؟ ولا العلماني مع الدعوي ؟ ولا الديمقراطي مع المجلسي ؟ ولا .. ولا ان مثل هذه ” الحالة ” ليس لها إلا تفسير واحد هو السعي المحموم للسلطة والمناصب والمصالح الخاصة بأي ثمن كان !

هل نحن امام مبادئ ام شعارات ؟
إن مجلس النواب هو الذي يمثل كل القوى السياسية التي تطرح نفسها اليوم على ( الشعب ) ، وان كانت هناك قوى سياسية أخرى ، فسوف تنسحق بين الأرجل .. هؤلاء الذين مثلّوا الشعب العراقي أسوأ تمثيل ( باستثناء ثلة بسيطة من الشرفاء ) عرفناهم من تصرفاتهم وتوجهاتهم وارتباطاتهم .. إنهم يمثّلون أحزابهم وقواهم ولا يمثلون الشعب العراقي أبدا .. إنهم لم ينجزوا أبدا قانونا للانتخابات كي تبقى القوى الحاكمة مستحوذة على كل العراق .. إنهم لم يعّدلوا دستور البلاد ، لأنهم يتبادلون المصالح في ما بينهم على حساب مستقبل البلاد ومصيرها .. إنهم لا يعنيهم أي قانون للأحزاب ، كونهم رضوا واقتنعوا بأن حكم العراق أصبح مسجلا لهم إلى الأبد ! إنهم ما زالوا يتحدثون باسم (المكونات) التي بعثرت كل العراق وهتكت وحدة المجتمع العراقي ، ولكن باستطاعتهم أن يغيروا شعاراتهم ليصبح وبسهولة بالغة ( الإسلامي الأعلى ) إلى ( الوطني الأعلى ) ! أهكذا ، يتلونون كما تتلون البضاعة في السوق ؟ أين المبادئ ومضامينها ؟ هل أن الإعلانات والشعارات باستطاعتها تغيير ما تحتويه المضامين ؟ هل أصبحتم علمانيون في يوم وليلة بمثل هذه السرعة ؟ ومن يقول أنكم أصبحتم كذلك وكل أنظمتكم الداخلية تشير إلى غير ذلك ؟
لقد أثبتت الأحزاب العراقية كلها فشلها الذريع في قيادة العراق نحو شاطئ الأمان ، وسيكون المخاض صعبا إن بقي ممثلو هذه الأحزاب لا يعبرون إلا عن أهداف أحزابهم من دون أي مشروع وطني موحّد يعمل على إنقاذ العراق من انسحاقاته .. ومن دون الإتيان بنواب عراقيين تهمهم مصلحة العراق لا أي مصالح أخرى ..

السلطة التشريعية : كيف نريدها ؟
نريدها سلطة تشريعية تسرع بإصدار قوانين تخص عصب الحياة العراقية وخدمة الناس .. لقد شهدنا كم كان جلسات مجلس النواب عقيمة وساذجة وبليدة وفوضوية .. ولم تزل هناك قوانين لا يريدون تشريعها كونها تقلب الطاولة على رؤوس هذه النخبة الحاكمة التي لا تعرف الانسجام ، بل تعرف كيف تأكل بعضها بعضا وعند الشدائد تنسى ما حصل لتصبح جوقة واحدة من اجل السلطة !
قوانين ينتظرها الناس .. الانتخابات.. الأحزاب .. التقاعد .. الخدمة العسكرية .. إصلاح التعليم .. النفط .. المواد الخاصة بالأقاليم .. إصلاح الدستور .. الخ ماذا تنتظر ؟ ونحن على أبواب الانتخابات لقد انشغل البرلمان العراقي بقضايا هامشية عند البعض ، ولكنها مفصلية كما يتصورها البعض الآخر .. وضاعت على مدى أربع سنوات أزمان مهمة جدا كان لابد للعراق خلالها أن يتقدم خطوات إلى الأمام . إنني اعترف ، والحق يقال ، بأن جهودا قد بذلت من قبل رجال عراقيين لوأد الحرب الأهلية والتخفيف من حدة الصراعات التي خلقتها القوى السياسية والاليغارية التي كانت ولم تزل تسّيرها إرادات خارجية .. ولكن تبقى الانجازات بغير مستوى الطموح .. أما مسألة الاحتلال ، فلا اعتقد أن كل القوى والأحزاب السياسية الراهنة قد طالبت الولايات المتحدة برحيل قواتها عن التراب العراقي ، بل ثمة من طالب ويطالب حتى الآن بإبقائها من اجل استتباب الأمن !

هل تعلم العراقيون شيئا ؟
اعتقد أن أربع سنوات مرت على العراقيين قد علمتهم أشياء عدة .. علمتهم بشاعة الطائفية والى إن السفينة ستغرق كلها من جراء احتداماته وصراعاته الأهلية .. تعلموا أن انقساماتهم التي يذيعها الجدد باسم ( المكونات ) لم تنفعهم أبدا ، فهم قادرون على البقاء ما دام العراق موحدا ، فان تفكك العراق ماتوا وذهبوا هباء أدراج الرياح .. وتعلموا أن الأحزاب الدينية أو الطائفية ( مهما اتخذت لها من أسماء جميلة ) فهي وبال على العراق والعراقيين .. وتعلموا ان المحاصصات والتوافقيات هي غير الديمقراطية الحقيقية التي لا يمكن أن تطبقها أحزاب دينية أو طائفية أو قومية أو قوى عسكرية مليشياوية .. الديمقراطية الحقيقية لا يمكنها أن تقوم الا من خلال أحزاب سياسية حقيقية ليبرالية أو راديكالية ، إصلاحية او تحديثية يضمها جميعا مشروع وطني يؤمن بمبادئه العراقية كل العراقيين .. لقد تعلم العراقيون إن أسوأ الانتخابات هي انتخابات القوائم لا انتخابات الأشخاص بأسمائهم .. ولعل من ساعد في هجمان بيت العراق هي الانتخابات السابقة التي قامت على أساس القوائم ، فهل سيعيدون الكرة ثانية ؟ طبيعي من مصلحتهم ان تنتخب القوائم ويختبئ من ورائها كل القوى الساعية للسلطة بأي ثمن كان ! لقد تعلم العراقيون ان الكثير من القوى السياسية مرتبطة بأجهزة دول مجاورة ، بل وان سياسات مجاورة تطبق في العراق لأهداف مجهولة لا تصب ابدا في صالح العراق والعراقيين ! لقد تعلم العراقيون بأن الفساد بالرغم من محاربته ، لكنه لم يزل يعشش عاليا عند اغلب المسؤولين في الدولة ، وكنت أتمنى ان يحاسب كل مسؤول فاسد أو مختلس أو حرامي حتى بعد هروبه من خلال محاكم تحكم عليه غيابا ! لقد تعلم العراقيون أن العراق كان ولم يزل ساحة ( وسيبقى لا سمح الله ) لتصفية حسابات خارجية وداخلية .. ويدفع ثمنها ابناء الشعب العراقي من دمائهم وأعمارهم وبهذلتهم !

رجل المستقبل : كيف نريده ؟
نعم لقد تعلم العراقيون الكثير .. ولكن من سينتخبوا هذه المرة ؟ من سيأملون به خيرا كي يمثل مصالحهم ويحقق أهدافهم ؟ من يوحدهم وينتشلهم من تمزقاتهم ؟ من سيختط له طريقا وطنيا ويعتمد على كل الأطياف العراقية ؟ من سيعيد للعراق لحمته وسداه ؟ من سيصالح العراقيين جميعا ؟ من سيكون فوق كل الميول والاتجاهات والانتماءات والمذاهب والطوائف والأعراق ؟ من سيحدد طبيعة العلاقات بين الجيران على أسس جديدة ؟ من سيجادل الاميركان في ما كان وما حصل من اجل كسب استحقاقات العراق الوطنية ؟ من سيعيد العراقيين إلى ديارهم بعد أن هجروا وتبعثروا وذاقوا الامرين ؟ من سيرى العراق فوق مصالحه ليعمل ليل نهار من اجل وحدته وعدم قسمته وانفصال أجزائه ؟ من سيحقق العدالة وينتشل القضاء من عجزه وضعفه ؟ من سيعمل على تقوية الأمن والشرطة ويستحدث نظاما عسكريا للجيش العراقي ؟ من سيقف شوكة بعين كل من لا يريد تسليح الجيش العراقي ؟ من سيعمل المستحيل من اجل تأمين الماء النقي والكهرباء الوطنية الدائمة والسكن ورخاء السوق لكل العراقيين ؟ من سيعمل جهده وكل طاقته كي يفكك المليشيات والقوى الاوليغارية والمرتزقة من ارض العراق كي يعيد للعراق هيبته وللدولة مكانتها ؟ من سيعمل على أن يكون النفط عراقيا للعراقيين بلا خصخصة ويعمل على إرجاع الصناعة النفطية العراقية لتكون احسم مما كانت ؟ من سيعمل على أن يحّصل على حصص العراق المائية كاملة من مصادرها ، ويؤمن مصادر جديدة للموارد المائية والصرف ؟ من سيعيد للثقافة العراقية مكانتها ، ويهتم بها وبكل مبدعيها في ارض الله الواسعة ؟

وأخيرا وليس آخرا :
من سيعيد الطمأنينة إلى كل العراقيين ويزرع فيهم المحبة ويجعلهم أصحاب وعي جديد ويعمل على بناء تربية جديدة للأجيال ؟ إنني استطيع ببساطة أن اقدّر من سيكون رئيسا للوزراء في المرحلة القادمة .. ومن سيكون رئيس الجمهورية ؟ بل واستطيع أن اقدر عدد المقاعد التي سيحظى بها كل تكتل وتحالف .. ولكن خشيتنا أن يدخل العراق نفقا من الصراعات ، ويبقى شعبه يقدم أثمانا باهظة .. دعوني أوضح توقعاتي في هذا الباب للمرحلة القادمة .

للمقال صلة
ينشر يوم 4 اكتوبر 2009 على موقع الدكتور سيار الجميل
Sayyarjamil1@hotmail.com

شاهد أيضاً

نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …