الرئيسية / مشروعات / مشروعنا حضاري أولا وأخيرا: دعه يعمل.. دعه يمر!

مشروعنا حضاري أولا وأخيرا: دعه يعمل.. دعه يمر!


الانسان العراقي في مقدمة الاشياء !
لا اعتقد أبدا ، أن أي عراقي يعشق العراق ، مهما كان لونه ، أو جنسه ، أو عرقه ، أو دينه ، أو مذهبه .. لا يحلم بالعراق المتقدم ، وقد انطلق ليغدو وطنا للجميع ، فلا يحق لأي عراقي ، أن يحتكر الوطن باسمه .. ولا يحلم بالعراق كي يغدو ” جنائن معلقة ” ليس في بابل وحدها ، بل في كل أصقاع العراق .. ولا يحلم بمجتمع عراقي متضامن ، متكافل ، متسامح ، وقد غدا كل عراقي يرتبط بجملة من القيم والمدركات والتقاليد العراقية التي عرفها القدماء في حياتهم ، والتي افتقدت في نصف قرن مضى بكل ما شهده المجتمع العراقي من انسحاقات .. ولا يحلم بإنسان عراقي يعرف كيف يتصّرف وكيف ينتج .. وكيف يستهلك .. وكيف يبني .. إنسان ، لا تهمه مصالحه الشخصية بقدر ما تهمه مصالح كل العراقيين .. ولا يحلم بامرأة عراقية أصيلة ، كتلك التي ربّت أجيالا من العمالقة عبر أزمان ، وقد جابهت كل التحديات .. امرأة تدرك كم هي مسؤوليتها على أي شبر من تراب العراق .. امرأة عراقية تدرك ما يحتاجه العراق لمائة سنة قادمة .. امرأة تتدرب على أصول تربية أجيال جديدة بعد سنوات العذاب .. امرأة تحسن ترويض الرجل العراقي الذي يعد في بعض مناطق العراق ماركة مسجلة في التفكير المضاد ليس للمرأة حسب ، بل حتى لأقرب المقربات إليه .. رجل عراقي تّربى على قيم ذكورية في مجتمع شبه مغلق ، لا يدرك أي معنى لانفتاح المجتمع .. وسرعان ما تذهب به الظنون بعيدا .. إذ لا يفهم أي شراكة في التربية ، أو الدراسة ، أو العمل ، أو التوظف ، أو الإنتاج .. إلا سلبا ! رجل لا يدرك من مجتمعه إلا السلبيات ، ولا يفقه من مجتمعات الآخرين ، إلا رؤية ضيقة يصفها مباشرة بالانحلال والإباحية ! رجل عراقي قد تجده مزدوج الشخصية بين الذي يعلنه ، ويتقول به ، أو يستعرض العضلات من اجله .. وبين ما يمكن أن يقوم به فعلا .. رجل لا يعرف إلا كيف يفرض إرادته على زوجته ، أو أخواته ، أو بناته ، أو حتى أمه .. وكثيرا ما يحرمهن من حقوقهن لحجج واهية كي يأكل عليهن الأخضر واليابس .. وان التقيت به ، فهو صاحب كلام معسول مزركش بالآيات الكريمة ، وسبحته بطوله ولحيته متهدلة ، أو خفيفة حسب الموظة الجديدة ! أو تجده ، وقد أقام أسوارا حول بيته خوفا على عرضه أو شرفه .. ولكنه لا يتورع في يخوض بأعراض الناس ويجردهم من كل ما يعتزون به !

حضاري قبل ان يكون سياسيا !
مشروعنا حضاري من اجل العراق قبل أن يكون سياسيا ، إذ أن السياسة لم ولن تنفع العراقيين ، فهي ميدان حقيقي للمنازلات ، والنزاعات ، والصراعات والقتل وكل الموبقات بسبب سعي كل سياسي عراقي من اجل منافع ، أو مصالح ، أو أهواء ، أو نزوعات .. السياسيون العراقيون ، قلما تجد من بينهم من هو نقي وملتزم ونظيف وغير مراوغ وتهمه مصالح العراق قبل مصلحته هو نفسه .. السياسي العراقي منذ أن وجد على ارض العراق الجديد ، وهو لا يعرف إلا السعي للجاه والألقاب والأزياء والمرتبات وحفلات العشاء واقتناء القصور والسيارات وعقد الصفقات وكيف يزيد من ثرواته التي لم يكن من أصحابها قبل العام 2003 ! وإذا انتقلت إلى الساسة المعارضين ، وما أكثرهم ، فان همهم الوحيد السلطة ، ثم السلطة ، ثم السلطة .. فالسلطة عند العراقيين هي الهدف ، وهي الغاية ، وهي الوسيلة .. هكذا معا ، وخصوصا عند من عرفها وامتهنها لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن . إن ( السلطة ) عند العراقيين جميعهم ، هي ضرورة وأساسية عندهم ، وتشغل حيزا كبيرا في تفكيرهم .. هي مطلب حقيقي، وهي رغبة عارمة تسري حتى في دمائهم ، ويبدو أنهم قد ورثوها في جيناتهم ! إنهم يريدون التسلط .. إنهم يريدون احتكار الإرادة .. إنهم يريدون أن ينفخوا أنفسهم ، ويستعرضوها ليس في المجالس ، أو الشوارع كما كان سابقا ، وليس كما عرفوها في ساحات العرضات والميادين وسوح الوغى .. بل أصبحت اليوم معروضة على شاشات الفضائيات وفي صور المواقع والصحف والمجلات ..
مشروعنا حضاري .. كونه لا يعرف مثل هذه التقاليد البليدة التي تنخر في جسم العراقيين ، منذ ان عرفوا التنّمر ورفع الكتفين في مشيتهم ، وأطالوا شواربهم ، وامتهنوا المؤسسات ، وضربوا القانون عرض الحائط ، واعتمدوا على الدولة في كل جزئيات حياتهم .. بل وغدت الدولة بالنسبة لهم عدوا لدودا من دون أن يدركوا أسباب العداء لها .. الدولة بالنسبة للمجتمع العراقي لم تكن دولة متحضرة تتعامل مع المجتمع ، كونها خادمة له، ومعلمة له ، ومرشدة له ، وهادية له سواء السبيل .. كونها ضمّت خليط عجيب غريب لكل من هبّ ودبّ من العراقيين المصنفين سياسيا وحزبيا وسلطويا ومخابراتيا ، من دون فرز اجتماعي ولا أي تقييم معرفي .. لقد ضّمت إلى مسؤوليها أعداد كبرى من الأغبياء وضعاف النفوس .. هؤلاء جنوا على الدولة .. هؤلاء أساءوا إليها والى المجتمع .. الدولة بدل أن ترعى المجتمع .. اضطهدته وسامته سوء العذابات .. الدولة امتهنت الناس وخيرة أبناء الناس لمصالح النظام الحاكم .. الدولة خلطت بين المفاهيم ، فضاعت على الناس هيبة الدولة مع نزعة الوطن .. مع قوة النظام ، ومع أجهزة الحكومة ، ومع الشعب ! اليوم ، كل الناس تريد من الدولة أن تقدّم لهم والدولة عاجزة ، كونها لا تستطيع أن تقوم بكل الأعباء لوحدها من دون أن يساعدها كل العراقيين ..

اجندة حضارية من اجل التغيير
مشروعنا حضاري من اجل خلاص العراق والعراقيين من قيم ربما نعتز بها اجتماعيا ، ولكن لا يمكن تسويقها سياسيا .. قيم ربما تكون مساحتها محلية ، أو ضمن إطار الوحدة الاجتماعية الضيقة ، ولكنها غدت تجتاح كل حياتنا العراقية .. فان كانت هناك قيم عشائرية في مكان وتفعل فعلها ، فكيف اضمن أماكن أخرى حيوية تتجذر فيها القيم الأسرية والعائلية ؟ هنا ستتباين القوة والنفوذ ، وستضرب العدالة في الصميم ! إذا كانت هناك ثمة قيما دينية ، أو مذهبية معينة ، فكيف اضمن وجود مثل هذه القيم في مناطق أخرى ؟ الا تجدون معي ، أن احد ابرز أسباب الإخفاقات التي لازمتنا نحن العراقيين إحياء تلك القيم وتوظيفها سياسيا أو إداريا .. وإذا كان العراقيون قد نفروا خفافا وثقالا من المشكلة القومية ، فكيف يتم تسويقها في اماكن عراقية معينة إزاء إفراغها من أماكن أخرى .. ؟؟ والكل يدرك إدراكا حقيقيا ، أن الصراع العرقي في العراق لا يمكن أن يؤسس لمشروع حضاري يقوم على التمييز بين العراقيين .. وهذا ما اعتمد اساسا من قبل العراقيين الجدد ، ويا للأسف الشديد .
مشروعنا الحضاري منفتح على كل العراقيين ، وليس له إلا ( الهوية العراقية) عنوانا ومضمونا .. ولا يميز إلا على أساس الكفاءة والقيم الإنسانية .. مع احترام أي عراقي للعراقي الآخر في دينه ومرجعيته الشخصية ، عرقه لغته ومرجعيته الاجتماعية ، طائفته وطقوسه المذهبية.. وان تكون الدولة فوق الجميع من دون أية انحيازات ، وبلا أية أجندة تقيّدها أبدا . على كل عراقي وعراقية احترام كل العراقيين ومشاعرهم بعيدا عن إثارة أية نزعات وحساسيات تشعل كل الوجود العراقي ..
مشروعنا الحضاري عراقي من اجل بناء العراق الذي نحلم به جميعا .. عراق الإنسان قبل أي شيء آخر .. عراق يهتم بمستقبله قبل أن يتنطع بماضيه .. عراق لا ينكر مفاخره وأمجاده الحضارية للإنسانية جمعاء ، ولكن شريطة أن يختط نهجا حضاريا جديدا في الحياة . عراق يهتم بتربية الأطفال العراقيين قبل أي شيء آخر .. ويغرس فيهم قيم هذا ” المشروع ” ، لا أية قيم أخرى تتقدمه .. عراق يسود فيه القانون ويبتعد رويدا رويدا عن شريعة الغاب وعن كل ما تنفثه من روح الكراهية والأحقاد والثارات .. عراق تتبدى فيه النزاهة في كل من الدولة والمجتمع ، وتنكشف فيه كل الموبقات والسرقات والاختلاسات والرشاوى .. عراق يساهم الجميع في بنائه وإعادة الخدمات إليه ، ويقوم على أسس قوية من البناء الوطني الذي لا يعرف التفرقة ولا الانحيازات ولا التهميشات ولا الإلغاء ولا التزويرات .. خصوصا ، إذا علمنا ، أن العراق يصّنف في مقدمة البلدان التي تغزوها التزويرات وعمليات الغش !

واخيرا .:. دعه يعمل .. دعه يمر
مشروعنا الحضاري يحاول جاهدا أن ينهي العلاقة بين المجتمع وما يسود الأذهان فيه من الخرافات والبدع ، ومحاولة إعادة بناء مجتمع مدني يفكر في حقائق الأشياء ، وبمنطق العقلاء لا السفهاء .. وبفرص الديمقراطية لا بفرض الأمر الاحادي الواقع .. مجتمع مدني تتحقق فيه أفضل العلاقات في كل الوحدات الاجتماعية .. مجتمع مدني ، يراقب عن كثب كل ما يحصل من خروقات للعراق والعراقيين .. مجتمع مدني ، ينبغي على كل العراقيين العمل من اجله طواعية من دون مقابل من اجل العراق والعراقيين .. وهذا ما يستلزم عمله على كل أعضاء البرلمان العراقي الذين ينبغي العمل ليل نهار لتشريع قوانين من اجل مستقبل العراق . على كل العراقيين أن يكون منظارهم للأشياء حضاريا وليس بسياسي .. عليهم أن يدعموا كل من يقدم خدمات حقيقية للبلاد من دون خلق أية عراقيل ضده .. عليهم أن ينسوا صفحات الماضي الصعب ، ويبقوها حية في ذاكرتهم التاريخية فقط من دون أن تشغلهم عن بناء العراق الحضاري مستقبلا .. وبالتالي تقسمهم وتضعفهم . عليهم أن يدعوا كل من يعمل ويفني نفسه يمر .. بشرط أن يوقفوا كل الذين لا يستحقون مواقعهم عن العمل . فهل ستثمر جهودهم مع تداول الأيام ؟ وهل سيخرج العراق من عنق التاريخ الصعب قريبا ؟ هل سنشهد تحقيق أحلامنا بالعراق الذي نعشق ونهيم .. هذا ما ستجيب عنه السنوات القادمة .

نشرت في الصباح ، 2 ابريل / نيسان 2009
وتنشر على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

انهيار ( أمّة ) : مُسببّات النُكوصُ ومُمْكنات التَقدّم.. الحلقة الاولى

مقدمة من المشكلات التي تعاني منها الثقافة السياسية في منظومتنا العربية وعالمنا الاسلامي تكمن في …