الرئيسية / افكار / مجتمعاتٌ قابضة على الجَمرِ: التحوّلات والبدائل

مجتمعاتٌ قابضة على الجَمرِ: التحوّلات والبدائل

مقدمة : لماذا صرخة النقد الثقيل ؟
كل يوم يمضي تزداد افواج القابضين على الجمر في مجتمعاتنا على امتداد الشرق الاوسط .. وتزداد الفجوة بين الدولة والمجتمع .. كل يوم يرحل عند المغيب، والهوة تزداد بين الثقافة والحياة . ان جيلا صعبا عاش كل متناقضات اكثر من ثلاثين سنة مضت بكل مآسيها وسوء تكويناتها تنتج اليوم ثمارها المتعفنة ! من أسوأ الحقائق ان تجد الاختلافات الاجتماعية والسياسية تتحّول الى احقاد وكراهية تنتشر بين ابناء مجتمع واحد ، وقد وصلت الى درجة اللاعودة .. ان ما يحزن حقا اكتشافك من يقاسمك الارض والحياة ينقلب عليك وينسى كل ما قدمته له على امتداد الزمن .. من اسوأ ما يعتمده بعض الكتّاب والاعلاميين في الشرق الاوسط انه يدرك حقائق ويقف على مآس وكوارث وجرائم وحالات لا يمكن تخيلها ، ولكنه يخرجها اخراجا من نوع آخر ، ويعّتم عليها تعتيما او يتجاهلها عن عمد وسبق اصرار!
انه بالرغم من كل الانجازات الايجابية التي تحّلت بها الاجيال الثلاثة التي مضت ، فان حياة مجتمعاتنا اليوم باتت مفلسة على اشد ما يكون الافلاس التاريخي ويا للاسف الشديد . وسيتهمني كالعادة بعض المنتقدين الاننقائيين انني احلل المثالب من دون ذكر المنجزات ( العظيمة ) ، وانني لا ازرع روح الامل في الافئدة والعقول .. انهم ـ سامحهم الله ـ لا يدركون كم كانت قيمة الحياة في مجتمعاتنا قبل خمسين سنة وما آلت اليه عند نهاية القرن العشرين ! انهم لا يدركون ان ليس هناك اي اصلاح حقيقي ولا أي تحديث اساسي ولا اية تحولات أخرى تجري من دون تحليل مواطن الخلل ومن دون تحديد المشكلات ونقد الاحوال .. ولا يمكن البتة ان نلبس الاقنعة ونتجاهل الحقائق المرة لاسباب واهية . واعذروني ان قلت ان مجتمعاتنا وقعت اسيرة انظمة تاريخية وسياسية وايديولوجية كبلتها ولم تطلق طاقاتها وابداعاتها .. ولم تمارس في بيئاتنا ايى تجارب اصلاحية وتحديثية حقيقية تجعل عالمنا يعتمد على نفسه في منتجاته وغذائه وعلومه ومعارف وتكنولوجياته ..

الغاطس من التاريخ
الشرق الاوسط كتلة جغرافية واضحة نتناقل المفاهيم عنها رضينا ام لن نرضى .. من يقرأ تاريخه سيكتشف ان الغاطس منه كبير جدا لا يمكن السيطرة عليه ابدا .. ان مآسي الماضي لا يمكن وصفها ابدا .. لقد ابقوه غاطسا كي يبقى المتسلطون يقبضون على ما هو ممتد منه .. اما الناس ، فهم وقود محرقة التاريخ ومن يحيا منهم يقبض على الجمر بيديه من دون ان يحرر نفسه .. والانسان لا يتحرر ان لم يتحرر تاريخه ، ويخرج على العالم بعد ان بقي غاطسا ازمانا طويلة ! ان مشكلتنا الحقيقية ، فكرية وذهنية .. وقد صبّ الوعي الجمعي في قوالب صلدة لا يمكنها ان تتحرك ابدا فيها ، فكيف لها ان تتحرر منها ؟ ان الخوف يأكل النفوس ، فالانسان تربى على الخوف من كل ما يحيطه او لا يحيطه ومنذ صغره .. انه يخشى الاقدار ويخشى الايام ، ويخشى السلطات ، ويخشى المجهول ، ويخشى الاخر ، ويخشى الكلمة ، ويخشى الرهبة نفسها .. ومتى ما شعر بالمسؤولية وامتلاك القوة والمال والسلطة تحّول الى ذئب كاسر ومتوحش قاهر ومسؤول جائر ومتسلط عاهر .. انه يمّثل ادواره بكل حذاقة ومهارة لكي يشعرك بأنه يمتلك قدرا كبيرا من المسؤولية ازاء الناس والعكس يثبت انه عدو يظهر ويختفي عند الحاجة .. لا تهمه المصلحة العامة بقدر ما تهمه مصالحه الشخصية او الفئوية او القبلية او العائلية او الجهوية .. الا من رحم ربك من اناس متفانين ليل نهار في خدمة الحياة والناس وقد غادروا قعر التناقضات .

صورة اخرى عند القرن الواحد والعشرين :
مجتمعاتنا في الشرق الاوسط مختلة الموازين كونها تظهر عكس ما تبطن ، واذا كانت في الماضي لها علاقاتها من التلاؤم والتعايش بلا كراهية واحقاد ، فانها اليوم قد افتقدت الثقة بين مكوناتها ، وهي تواجه نفسها باختلاطها ومعرفة كل مجتمع بغيره .. ومجتمعاتنا مختلطة في مكوناتها ومتنوعة بين طبقاتها ، ومتوارثة طبائعها القبلية والريفية والمدينية او تعيش تبايناتها الدينية والمذهبية والطائفية والعرقية والاجتماعية .. فهي غير منسجمة اصلا ، ولكنها متلاقية في المصالح والارض .. انها اليوم على مفترق طرق صعبة ، وخصوصا بروز طوائفها مجسدة في احزاب سياسية ، وتبلور اقلياتها في تنظيمات لمواجهة الاكثرية .. ان هذا القرن الجديد سيكون مرحلة مسائلة طويلة قد تصل الى درجة العنف وقد تبرد الى درجة الصفر ! وبين هذا وذاك تمتلئ المؤسسات الرسمية والسلطوية والتشريعية والتنفيذية والمنظمات العربية بشكل خاص .. باعداد لا تحصى من السّذج والجهلاء او المتعصبين السفهاء الذين لا يدركون طبيعة الامور ولا يميزون بين الظواهر ولم يقرأوا التاريخ وليس لهم اي نصيب حتى من الثقافة العامة . هذه ” مأساة ” لا يدركها الا من امتلك افقا واسعا من التصور وخزينا معتبرا من المعلومات .. وله خبرة وتجارب حية مع عوالم ومجتمعات ودول ومؤسسات اخرى في هذا العالم .

المكونات القومية في الشرق الاوسط
ان المكونات الاساسية للشرق الاوسط تتمثل بالعرب والايرانيين والاتراك ، وثمة اقليات سكانية مشاركة اخرى بدءا بالاقباط والاكراد والارمن والتركمان واليهود والكلدان الآثوريين والسريان والدروز والنصيرية والصابئة واليزيدية وغيرهم على الجانب الاخر من عالمنا العربي : مغربنا العربي بكل اكثريته العربية واقلياته الامازيغية وجالياته الاندلسية والتركية والاسبانيولية والافريقية .. الخ وان اغلب الاقليات تحمل لغة وثقافة الاكثرية بحكم امتداد التاريخ .
في الشرق الاوسط ، ساد القدماء ابان العصور الكلاسيكية ممن غدوا اليوم اقليات ، ثم ساد الفرس طويلا ، ثم ساد العرب في العصور الوسطى .. ثم ساد الاتراك في العصر الحديث وكان الصراع محتدما بين الفرس الايرانيين والاتراك العثمانيين في النفوذ على الشرق الاوسط على امتداد اربعة قرون .. وفي القرن العشرين انحسرت القوى الثلاث انحسارا تاريخيا ببقاء ايران التاريخية ، وولادة تركيا الكمالية الحديثة ، وانبثاق كيانات عربية سياسية لا حصر لها ، ولكن بقيت آثار ومواريث العثمانيين هي السائدة في منظومتنا العربية ، وقد اخفق العرب في ان يكونوا اسياد الشرق الاوسط كرة اخرى نتيجة ضعفهم وتمزقهم واستعادة انفاسهم وتأخرهم عن العالم ، وبداية انطلاق مشروعهم كسيحا ازاء مشروع مضاد ممثلا بالمشروع الصهيوني ، اذ تبلور الصراع العربي الصهيوني على امتداد القرن العشرين من دون اية نتائج تاريخية سوى القبض على الجمر .. ولم يتخلص العرب من بقايا وترسبات الماضي الصعب حتى يومنا هذا .. واعتقد انه ستحدث بعض التحولات في القرن الحادي والعشرين ، ولكن باتجاهات مختلفة عن تلك التي سادت عندهم في القرن العشرين .

المكونات الجديدة
ثمة من يسعى اليوم لامتلاك زمام الشرق الاوسط في بدايات هذا القرن ، خصوصا وان تفككا واضحا ظهر اليوم في البنى الاجتماعية لمختلف المجتمعات ومكوناتها في كل اجزاء الاقليم وما يجاوره .. هناك سعي ايراني واضح له ايديولوجيته وفلسفته واعلامياته في الحياة ، في حين خبا الدور التركي الذي رضي عن قناعة كبيرة ودائمة بمبادئ اتاتورك الستة المعروفة وهو يتطلع الى ان يكون جزءا من اوروبا .. العرب كما يبدو في حالة تمزق وتشظي كبيرين لا يسمح لهم استعادة ادوارهم القديمة التي كانت قد صنعتها ايديولوجيتهم القومية وكانوا وما زالوا غير موحدين على مبادئ اساسية .. ولكن نلحظ بروز دور اسرائيل في القوة السياسية والعلمية لتمارس دورها في القرن الجديد بعد مائة سنة من الاستحواذ والتأسيس ! وتشير الدلائل ايضا الى ادوار اخرى لقوميات اخرى صغرى في الشرق الاوسط بالصورة التي تريدها الولايات المتحدة الامريكية وبالريشة التي رسمتها ، ولكنها ادوار اكبر من حجمها وسط ثلاث قوى اجتماعية كبرى وسيبقى الادوار ستبقى معزولة بسبب عقم الجغرافية الاقليمية .. ناهيكم عن ثورة الاقليات السكانية بوجه القوى السكانية الكبيرة .. وهي تحاول ان تجد لها مكانا او جغرافية او انتماء او اية نظائر خاصة بها فالانتماء يخلق نظائره.

التعددية بديلا عن الاحادية
ان الزمن سيختزل اليوم كثيرا عما كان عليه اوضاع مجتمعاتنا في القرن العشرين ، ويغدو هذا القرن الجديد وقد انكمش في زمنه ، ولكنه يبدو فيه التحرك اقوى في الصراع بين مكوناته الجديدة .. ان ما سيحدث من مواجهات واختلاطات وتحديات وصراعات تخلقها التناقضات الاجتماعية الجديدة ستكون متنوعة منها بين طبقتين اثنتين بانسحاق الطبقة الوسطى ومواجهة الطبقة المسحوقة للطبقة الطفيلية التي تزخر بالقوة والمال والسلطة والاعلام .. وثمة تناقضات من نوع آخر تجسدها صراعات خفية بين اهل المدن واهل الارياف مع ذوبان البدو من دون رجعة بتأثير عوامل القرن العشرين .. ولكن الاخطر هو الذي يمثله تحدي الاقليات الاجتماعية للاكثريات القوية وسيكون الصراع بعد مواجهات على الارض وعلى جغرافية الناس .. ان ناقوس الخطر بدأ يدّق دقّا عنيفا في كل بقعة من منطقة الشرق الاوسط بعد ان انتشر ما يسمى بـ ” التعددية ” كتفكير ينتقل الى الوعي به وسينتهى بالادراك المتبادل اياه ، فتغدو ” التعددية ” بديلا اساسيا لـ ” الاحادية ” التي سيطرت على تفكيرنا زمنا طويلا ، ولم تزل مغروسة في الاعماق واللاوعي . ان ثلاثين سنة قادمة كافية لتحولات بطيئة جدا في مجتمعات الشرق الاوسط التي تبتعد في فجوة تاريخية كبرى بينها وبين العالم .. وبالرغم من كل الصدمات والتصدعات ونتائج الفشل المريرة ، الا ان الادمغة لم تزل يابسة وجامدة لا تتحرك .. هنا اقول بأنها لا تتحرك الا بعد عقود من الزمن !

غيبوبة الوعي العربي
مفجع هو الزمن الذي قضيناه نحن العرب ـ مثلا ـ في القرن العشرين بكل صفحاته واوراقه وملفاته .. بكل مشكلاته وتناقضاته .. بكل احتداماته وازماته .. بكل انكساراته وهزائمه .. وهذا يدعونا للتساؤل عن اسرار التفكك العربي ازاء القوى الاقليمية الاخرى . لقد كانت الهزائم التاريخية كبيرة في تأثيراتها , وكبيرة ايضا في حجم مكوثها فينا . ان العرب مقارنة بغيرهم ، لم يعرفوا كيف يتصرفوا ازاء انفسهم اولا ، وازاء جيرانهم ثانيا ، وازاء اسرائيل ثالثا .. وغاب عنهم الوعي زمنا طويلا مع هجمة التحديات الخارجية التي جعلتهم ينقسمون وهم ينشدون الوحدة ، وجعلتهم ينهزمون وهم يتغنون بالنصر .. وجعلتهم في قلب تناقضات العنف بانقلاباتهم العسكرية رهانات الحرب الباردة ، ثم مرحلة الحروب الداخلية والاقليمية والاهلية وصولا الى ادخالهم قفص الارهاب العالمي .. لقد غدت ثوابتهم وعقائدهم متشظية سياسيا بين المرجعيات هنا وهناك .. لدى هذا المذهب وتلك الطائفة .. لدى هذه الجماعة وذاك الحزب .. وبالرغم من كل مشكلات تركيا وايران الداخلية ، فهي لا تقارن بالمشكلات العربية مطلقا .. ولا استطيع في مثل هذه العجالة ان اعدد لكم محللا العوامل التي جعلت العرب ومن معهم في نهاية القائمة اليوم ، بل من المؤلم ان يتصدروا قائمة الارهاب العالمي من دون اي ادوات ووسائل عمل حقيقية وتكنولوجيا معلوماتية واعلامية .. ومن دون اي نخب مثقفة ولوبيات نخبوية وجماعية في الداخل والخارج تخلق شيئا جديدا يستقطب تعاطف العالم واهتمامه وتبديل نظرته .

مواجهة العالم وخلق البدائل
ان اهم ما يطرح من اسئلة اليوم : متى يشعر الانسان ويحس المجتمع ان ما يؤمن به اليوم من معتقدات سياسية ، وما يمارسه من سياسات ، وما يحمله من افكار ، وما يرفعه من شعارات ينبغي عليه تغييرها بالكامل ، وان يحاول ان يجد البديل بنفسه بعيدا عن كل ما غرس في اعماقه ابان القرن العشرين ؟! متى يتوافق او يتلاءم الجميع من اجل اهداف وطنية ضمن مشروعات حضارية واساليب ديمقراطية حقيقية بين كل المكونات وخصوصا بين الاكثرية والاقليات . انني اعتقد ان الاغلبية تشعر بعمق الجرح الذي تركه رحيل القرن العشرين عن المجتمعات العربية التي تركته غير مأسوف عليه ، ولكن لتواجه أعتى جبروت في التاريخ .. صحيح ان لها القدرة على مواجهته ، ولكنها من ابعد ما تكون عن المواجهة ، خصوصا وان كل الصفات السيئة قد الصقت بها ، وبالاخّص اثر 11 سبتمبر 2001 ! وعليه ، فان مصير الشرق الاوسط هو اليوم على كف عفريت ، اذ غدا في رعاية دولية وهو يعيش اليوم في ظل استقطاب امريكي واضح المعالم .
كم نحتاج من زمن لتصويب الدورة التاريخية حسب نظرية تداول الاجيال ؟ هل بامكان ايران ان تبقى على نفسها وهي تعيش ايديولوجية دينية عمرها اليوم قرابة ثلاثين سنة ؟ هل باستطاعة اسرائيل ان تمتلك دفة الشرق الاوسط ان احكمت الطوق على كل خصومها ؟ هل باستطاعة اسرائيل الاذعان لارادة السلام التي ركع لها العرب ؟ لقد كنت ارى الناس ملتزمة بافكار وشعارات لا تحيد عنها سواء كان ذلك عن ايمان راسخ او ديماغوجية مصطنعة .. وباتت اليوم ، وقد تبدلت تبديلا . وهذه ـ كما اعتقد ـ سّنة الحياة المعاصرة التي بتنا نتعايش معها في هذا العصر الجديد.

المثقف اللا منتمي : الالتزام المفقود
قبل اكثر من خمسين سنة ، كان ” الالتزام ” احد اهم المبادئ التي يتمتع بها المثقف الحقيقي في الانتماء الى المجتمع ، كما كان يتصّور حتى وان آمن بنظرية تقدمية ماركسية او ليبرالية .. وكم دفع المثقفون الاوائل عربا كانوا ام اتراكا ام فرسا ام اكرادا ام اقباطا ام غيرهم اثمانا باهضة من حياتهم ، فسجن بعضهم واغتيل آخرون واضطهد البعض ونفي آخرون .. بل وصلت حالة البعض الى حد الانتحار ، فانتحر من لم يستطع تحمل ابسط المتغّيرات .. اليوم ، لا تجد ذلك المثقف الملتزم او السياسي الصلد .. لن تجد الثوابت راسخة رسوخ الجبال ولم يعد النضال من اجلها حتى الموت .. لن تجد المواقف معلنة وصريحة على رؤوس الاشهاد .. لن تجد الشجاعة في مقول القول او الجرأة في الخطاب الا عند النادر من المثقفين والمثقفات اليوم. اصبحت حياتنا ( العربية ) خصوصا بلا ضوابط ، فكل من هب ودب دعا نفسه بمثقف ! وكل من كان ضعيف النفس دعا نفسه بدكتور حامل شهادة دكتوراه وهو لا يحملها ! لن تجد النزاهة ونظافة اليد وحسن السيرة والاهلية والحفاظ على المال العام .. نعم ، قد تجد بدايات مشجعة لحياة مجتمع مدني ، ولكنها اسيرة كل ما يطوقها في المجتمع او من يتسلط عليها من الدولة ، فيجعلها كسيحة لا تقوى على الحياة .. وهكذا بالنسبة للاحزاب السياسية التي لا تستطيع تطوير اساليبها ، او بالنسبة للمنظمات الاقليمية التي لا تستطيع ان تفعل شيئا بالرغم من انفاقاتها الباهضة .. الخ

البدائل متى تتحقق مشروعاتها ؟
انني اتساءل عن بدائل يعد كل بديل مشروعا كاملا تحتاجه مجتمعاتنا ودولنا حاجة ماسة .. وعليه ، كم يا ترى يلزمنا من بدائل حقيقية عن كل ما تركه القرن الماضي من ترسبّات وبقايا ؟ كم تنفعنا هنا حرية الفكر والتعبير ؟ كم هي ملزمة الحريات الشخصية واحترام الرأي الاخر ؟ كم هو مطلوب من قوانين جديدة للحياة السياسية وضوابط واعراف للحياة الاجتماعية ؟ كم مطلوب من تجديد حقيقي في الثقافة العربية وثقافات مجتمعاتنا في الشرق الاوسط باسره ؟ كم هو نافع ان تكون لدينا بدائل أخرى عن مواريث الحقد والكراهية ؟ كم مطالب اي انسان في مجتمعاتنا ان يحمل نفسا طيبا ، وطبعا كريما ، مع تواضعه وتبسّطه امام الاخرين .. مع توفّر مصداقيته وامانته وحسن تعامله مع الاخرين ؟ كم مطلوب من مجتمعاتنا ان تجعل من اديانها كنوز فضائل واخلاق ومصالح مرسلة وتجليات روحية سامية للنفس والمشاعر .. بدل جعلها ايديولوجيات سياسية تتلوث بالانقسامات الطائفية والمذهبية على ارض الواقع ؟ كم هو مطلوب من دولنا وحكامنا ومسؤولينا ان يتخلصوا من تبخترهم وكبريائهم ونفختهم الكاذبة ويندمجوا مع الناس ؟ كم هو مطلوب من اي انسان ان لا يعلو برأسه فوق مستوى نبات العشب, وان يكون خّيرا ومعطاء ومساعدا ومبتسما وسريع البديهة وحاضر النكتة ؟ وهذا لا يحصل الا من خلال تربية جديدة تزرع عنده المحبة لا الكراهية ، وتعلمه الانفتاح لا الانغلاق . كم هو مطلوب من الناس العاملين ان يكونوا اوفياء لمؤسساتهم ولا يهمهم الا جودة الانتاج وكذا هو طبع المخلصين الحقيقيين للاوطان .. ؟؟ كم نحن بحاجة الى المثقفين المبدعين ، والمجتهدين والاكفاء لا الادعياء والاغبياء والمثرثرين والمستعرضين ؟ كم نحن بحاجة الى رجال اعمال امناء ، ورجال اعلام وصحافة منصفين ، ورجال استثمارات ماهرين ، ورجال قضاء عادلين .. ؟ كم نحن بأمسّ الحاجة الى اكاديميين معرفيين لا ادعياء مقنعّين ؟ كم نحن بحاجة الى اناس حقيقيين : حكاما ديمقراطيين ، ومخططين استراتيجيين ، ووزراء متفانين ، وساسة حاذقين ، واداريين قياديين ، ومحاسبين قانونيين ، ونقابيين مدافعين ، ومشرّعين متميزين ، وعسكريين مهنيين ، ومعلمين تربويين ، واطباء مختصين ، ومهندسين محدثين ، ومعماريين مبدعين .. ؟ كم نحن بأمس الحاجة الى علماء وادباء وفنانين قديرين ومفكرين مصلحين ، وفقهاء كبار مرجعيين بدلا من ملالي ورجال دين ؟ كم نحن بحاجة الى كوادر من المهنيين والحرفيين والعمال الماهرين والفلاحين المنتجين ؟ كم نحن بحاجة ماسة الى مدربين ومخترعين وطيارين وملاحين ولاعبين رياضيين .. ؟ وغيرهم كثير .

واخيرا : ضرورة التحولات
ان مائة سنة مّرت على مجتمعاتنا ودولنا تسرع في تخريج كوادر كبرى لا تعتني بنوعياتهم بل بالكم الكبير الذي اختلط فيه الاخضر بسعر اليابس .. ولم يكن الانسان المناسب في مكانه المناسب .. فضاعت ازماننا عبثا ، وفشلت خططنا جملة وبدأنا نعيش فوضى قيمية ، واستهلاكية قاتلة .. وكانت مجتمعاتنا ولم تزل تعيش حياة صاخبة يأكل القوي فيها الضعيف .. وتنتشر فيها الرشوة والمحسوبيات والعلاقات غير النظيفة .. فمتى تتخلص مجتمعاتنا من تأخرّها وانعزالياتها ؟ متى تعي مسؤولياتها التاريخية ؟ متى تجري تحولات جذرية في دولنا وتشريعاتها كلها ؟ متى تتحول الحياة في الشرق الاوسط نحو الافضل ؟ متى يتخلص المثقف الحقيقي من شقاء الوعي وهو يعيش مأساة مجتمعاته وتراجعها المخيف ؟ متى تتوازن الحياة وتتخلص من تناقضاتها المرعبة ؟ متى تتخلّص مجتمعاتنا من الفقر والجوع والمرض ؟ متى تعيش حياة كريمة صالحة وعادلة منتجة ؟ متى يتجّذر الحوار الحضاري بين مجتمعاتنا حول مختلف القضايا الشائكة والاختلافات المعقدّة ؟ ومن يسأل ( من القراء الكرام )عن اي مشروعات للتطور والتقدم والبناء ، فعليه مراجعة ما كّنا قد نشرناه سابقا على امتداد سنوات مضت .. اقول عندما تتوازن الحياة في مجتمعاتنا ، سيقبض الناس على الزهر ويخرجوا به الى العالم بعد ان قبضوا على الجمر طويلا ! فهل ستعيد الاجيال القادمة مثل هذا الكلام بعد خمسين سنة من اليوم ؟ هل ستغدو افضل حالا من اليوم ؟ ام يبكون ( امجادهم التليدة ) في القرن العشرين ؟

www.sayyaraljamil.com

ايلاف 6 يونيو 2008

شاهد أيضاً

مطلوب لائحة اخلاق عربية

تعيش مجتمعاتنا العربية في حالة يرثى لها، لما أصابها من تفكك سياسي جعلها تتمزق اجتماعيا، …