الرئيسية / مقالات / المسألة الاقليمية وخطورة الحزام الشمالي !

المسألة الاقليمية وخطورة الحزام الشمالي !

بقدر ما تعاني دول الشرق الاوسط من معضلات داخلية ومن رهانات خارجية يدركها اغلب القادة وتقع تحت وطأتها الشعوب .. الا ان المسألة الاقليمية لم يحسب لها أي حساب كما يجب خصوصا وهي الاخطر على مصائرنا ، فمشكلاتنا الداخلية يمكن ان يتم التفاهم عليها ، والرهانات الخارجية تبقى طارئة وتعيش في اطار الزمان لا المكان .. اما المسألة الاقليمية فهي التي تتحرك في الزمان والمكان والمجال معا .. واذا كانت المسائل الاقليمية في العالم قد عاشت حروبا طاحنة واستطاعت ان تستقر لمعرفة كل طرف بحجم الاخر والوعي بالمصير من خلال المصالح المشتركة ، فان اسوأ ما يعانية الشرق الاوسط يتمثل بصراعات قديمة متجذرة ، وانعدام ثقة ، ودور اسرائيل ، واختلاف سياسات ، واطماع حكومات ودول .. ناهيكم عن تباين في التوجهات القومية والايديولوجية والسياسية وقد دخلتها اليوم الاختلافات الدينية والطائفية والمذهبية .. وحّلت انقسامات شنيعة تتمثلها احزاب وتكتلات وجماعات منها ما هو معلن ومنها ما هو خفي عن الاعين .
الكل يدرك ان في الشرق الاوسط ثلاث قوى متنافسة تلعب ادوارها منذ مؤتمر الصلح بفرساي عام 1919 ، هي : تركيا وايران ومجموعة الدول العربية ( وكان ابرزها العراق ) المتاخم للدولتين الاقليميتين بأطول حدود ، وقد اطلق مصطلح ” الحزام الشمالي” على هذه الدول الاقليمية التي نجحت على مدى ثلاثين سنة ، اي حتى 1949 في حسم مشكلات تاريخية في ما بينها ، ولكن برزت للوجود اسرائيل في الاقليم بعيد الحرب العالمية الثانية ، فاختلت المعادلة .. وكادت ان تستقر المنطقة استراتيجيا بعد عقد ميثاق بغداد (1955) واختفت مشكلات الاقليم بالتفاهم على استراتيجية اقليمية معينة ، ولكن انحرف الشرق الاوسط برمته في طريق آخر اثر الانقلابات العسكرية التي توالت في اهم البلدان العربية ، ونضوج التيارات القومية ليس عند اكبر شعوب المنطقة ، بل بدأت اصغر القوميات تطالب بحقوقها المشروعة في ظل حكومات لم تجد في تفكيرها الا قومياتها فقط .. ، ولما كان العرب في صراع تاريخي مع اسرائيل ، كانت كل من تركيا وايران في تحالف قوي مع اسرائيل منذ نصف قرن .. ومع انقسامات العرب سياسيا واعلاميا ، كانت خيبتهم التاريخية في ازالة الكيان الصهيوني ، فتراكمت مشكلات اضافية لم يستطع احد ان يضع حلول جذرية لها لا في الستينيات ولا في السبعينيات من القرن العشرين .
ان تغيير المعادلة الاقليمية جاء هذه المرة من ايران في العام 1979 عندما سقط الشاه الذي اراد ان يجعل من نفسه شرطيا للخليج ودولة تمتلك ترسانه اسلحة قوية ، وبدأت الاتجاهات الاقليمية تتبلور على نحو جديد وخطير قاد الى التصادم الاقليمي ضمن اجندة دولية ، وكانت الحرب العراقية الايرانية التي تعد من اقسى الحروب الاقليمية التي شهدها العالم ابان الثمانينيات .. وقد اندلعت واستعرت ثم وضعت اوزارها من دون ان تسأل دول الاقليم نفسها وخصوصا دول الحزام الشمالي : لماذا الصراع الاقليمي ؟ ولمصلحة من ؟
وبدل ان يبقى العرب كتلة جيوستراتيجية قوية في الاقليم بدأ اشنع انقسام من الناحية الاستراتيجية بغزو الكويت عام 1990 ، مما مّهد لأن يصبح الاقليم كله مخترقا دوليا .. وانسحق العراق منذ العام 1991 وغدا صاحب اكبر سجل من المشاكل ليس الاقليمية فحسب ، بل الدولية ايضا .. وبقيت الولايات المتحدة تطمح ان يكون لها دورها من خلال ما اسمته بـ ” الاحتواء المزدوج ” لكل من ايران والعراق ، الا انها لم تفلح ، فبدأت بسياسات جديدة عقب احداث 11 سبتمبر 2001 . لقد بقي الرهان قويا ازاء دول الحزام الشمالي في اقليم الشرق الاوسط ، اذ يعلم الجميع ان تفكك اي دولة من دول هذا الحزام ، معناه تهديد للمصالح الدولية بشكل سافر .
لقد بقي الوعي بالاقليم مغيبا ليس لدى الشعوب في الشرق الاوسط كله ، بل لدى الحكومات وحتى العديد من الزعماء والقادة .. وسقط العراق عام 2003 بيد امريكا وحلفائها من دون ان يدرك كل الشرق الاوسط حجم العراق ودوره الاقليمي في قلب المجال الحيوي للشرق الاوسط .. لقد نجحت ايران في ان تكون اللاعب الاقليمي باختراقاتها المتعددة لاسباب متنوعة كان في مقدمتها ـ كما اعتقد ـ دور العرب المتفكك وقوتها النافذة في اكثر من مكان في الاقليم وسكوت تركيا .. وقد زادت من قوتها السياسية والاعلامية والمخابراتية بعد احتلال العراق عام 2003 . اما تركيا فقد بقيت تلتزم الصمت وتعد العّدة السياسية والعسكرية معا كي تحقق حصتها من النفوذ الاقليمي ، علما بأن تحالفا خفيا يجمع تركيا مع ايران يقول بعدم السماح للاكراد في اي نقطة من الشرق الاوسط ان يؤسسوا لهم كيانا سياسيا منفردا ,, وانهم ينظرون بالريبة والشك لما تحقق للاكراد في العراق . وكما كان العرب آخر من يهتم بالشأن الاقليمي ، فان الاكراد وقوميات أخرى بدا وكأنهم قد استخفّوا بالشأن الاقليمي في ظل الحماية الاجنبية . انه جرس خطر يقرع للتنبيه ، وهو لا يكف عن الرنين على امتداد نصف قرن مضى .
السؤال : ما العمل ؟
ان التمزق السياسي والقومي والطائفي الذي يعاني منه كل من العراق ولبنان وما تعانيه دول عربية اخرى ناهيكم عن حجم الارهاب الذي يجتاحها فضلا عن غيبوية الوعي بهذا الحزام الشمالي .. ان من المهم ان يتم التفاهم على اسس ومبادئ اقليمية مشتركة ، ثم فتح صفحة جديدة من العلاقات المبنية على عدم التدخل الاقليمي ، وان من الاهمية بمكان معرفة ما الذي تريده الولايات المتحدة ؟ وما موقفها الحقيقي من المشكلات الاقليمية المستجدة اليوم ؟ ان ثمة مشكلات قادمة لنا في الطريق لاسباب اقليمية ، فهل وعينا الدرس ؟ انني اشك في ذلك !

www.sayyaraljamil.com

البيان الاماراتية ، 7 نوفمبر 2007

شاهد أيضاً

زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا

 الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …