الرئيسية / افكار / وثيقة الاسكندرية من اجل الاصلاح…هل تكون بداية تاريخ جديد للعرب ام سيطويها النسيان ؟

وثيقة الاسكندرية من اجل الاصلاح…هل تكون بداية تاريخ جديد للعرب ام سيطويها النسيان ؟

مقدمة :
عقد في مكتبة الاسكندرية العريقة مؤتمرا موّسعا على مدى ثلاثة ايام في الفترة‏12‏ ـ‏14‏ مارس‏2004 . واعتقد انه المؤتمر الاول الذي كان باستطاعة العرب ان يكونوا عقلاء فيه بعيدا عن الشعارات والمخاطبات الانشائية اذ تميز بنوعيته عالية المستوى وشارك في اعماله نحو 170 مفكرا ومثقفا عربيا ظهروا وهم يمثلون ألوان الطيف السياسي والفكري والايديولوجي ولكن ينحو معظمهم نحو الاستقلالية عن السياسات الحكومية وتعليمات الاجهزة البيروقراطية والمخابراتية الحاكمة وسكت في اروقته اولئك الذين يزايدون ولا يتفكرون ويتوهمون ولا يتحققون .. وأجد ان العرب ينجحون اذا ما توفّرت عندهم عللا وتحديات اساسية فضلا عن مناخ ملائم وأرضية مشتركة خصوصا وان هذه النخبة التي تمثل صفوة المجتمعات العربية المعاصرة ‚ ان جاز التعبير‚ وكانت قادرة على البحث عن اجابة واضحة للاسئلة الصعبة التي طرحتها عليهم المشاريع الغربية . والواقع ان نخبة المؤتمرين من المفكرين والمثقفين قد تلاحمت في حوارات معمقة حول أربعة محاور تمّثل اربعة انواع من الاصلاحات هي : السياسي المؤسس ، والاقتصادي ، والاجتماعي ، والثقافي ..
قيمة الوثيقة من اجل المستقبل
وقد توّصل المؤتمرون النخبويون من ابناء مجتمع عربي لا ابناء سلطات ودوائر مخابرات .. الى اصدار وثيقة انطلقت من بهو مكتبة الاسكندرية . وأجد تلك ” الوثيقة ” قد عبرت بدرجة واخرى عن وضوح في حياتنا المعاصرة مثلّتها جملة من آراء ومواقف صريحة باتجاه ضرورات الاصلاحات الديمقراطية الشاملة وحتمية اجرائها الآن قبل الغد وبأيدي العرب أنفسهم لا بأيدي الآخرين . لقد تابعت شؤون المؤتمر بكل جلساته وانني قد سعدت لأول مرة عندما ارى أول بادرة عربية من اجل التغيير .. كما تابعت ردود الفعل العربية على مدى هذين الاسبوعين ، فالذي لاحظته في الحقيقة لهو امر محزن جدا فهذا المؤتمر الظاهرة لم يلق من الاهتمام ما تلقاه احداث ومواقف أخرى تافهة .. ويبدو ان هذه الامة قد غرقت حتى أذنيها بالتخلف وبلادة التفكير عندما يقال بأنه مؤتمر يجمع الليبراليين العرب ولا صوت فيه للقوميين والراديكاليين .. علما بأن معظم ما تضمنته وثيقة الاسكندرية قد مثلته الحكمة الحسنة في معالجة الاوضاع العربية السيئة التي طالما نادى العقلاء بالاصلاحات من دون اي استجابة .. ولكن عندما طالبت امريكا بالاصلاحات ولم يستجب العرب بادرت الى تقديم مشروع الشرق الاوسط الكبير فوجد العرب انهم امام مأزق حقيقي لا يمكن اختراقه الا من خلال تقديم معالجات داخلية .. وعليه ، فان مؤتمر الاسكندرية يأتي تلبية لحاجات ماسة تتطلبها هذه المرحلة الصعبة ، وحرص المؤتمرون ان يعقدوا مؤتمرهم ويخرجوا بتوصياتهم التي اسموها بوثيقة الاسكندرية قبل انعقاد القمة العربية في تونس نهاية مارس 2004 . المشكلة تكمن في تفعيل ما صدر في ردهات مكتبة الاسكندرية قبل ان يهملها العرب لأنها لا تدغدغ عواطفهم ولا تطلق خيالهم ، ولا ترضي ايديولوجياتهم ولا تفرح رجالات السلطة .. بل تدعو الى تغيير اوضاع عدة نحو الافضل وخصوصا بعدم احتكار السلطة او التشبّع بها او احتكارها او توريثها ! لقد كانت جامعة الدول العربية قد قدّمت هي الاخرى وثيقة لاصلاحها والبيت العربي ولكن شتّان بين الوثيقتين فوثيقة الاسكندرية تمثّلها الحكمة والمنطق وترى في تغيير الواقع امرا ملزما من جميع النواحي في حين تضمنت وثيقة الجامعة مقترحات غير عملية ابدا ولا يمكن تطبيقها ابدا .
المناداة بماذا ؟
تمثل وثيقة الاسكندرية واحدة من أهم ادوات الاصلاحية الحديثة ، اذ تمثل معالجة اساسية ( لا جذرية ) لمواجهة استحقاقات التغيير والتطوير والتحديث .. وقد غدت تلك ” الاستحقاقات ” بمثابة مطالب عربية اساسية واسعة النطاق في مواجهة حالات الاحتقان التي تخنق الجميع ! وانطلاقا من هذا المحور ، فأن السؤال الذي يطرح دوما بصعوبة متناهية : هل تستجيب النظم العربية المأزومة والمحاصرة بالضغوط الاجنبية‚ للمطالب ليس الشعبية بل النخبوية الواردة في الوثيقة‚ أم انها ستعاند وتكابر إلى ان تعود الضغوط الأميركية والأوروبية تدق الرؤوس دقا لا يرحم ولا تُبقي على رأس كبير أو صغير إلا وسحقته ، وليس الخوف من مبادرتها التي اسماها الكتبة العرب بـ ” المعلبة ” – كما ارى – بل الخوف من تدخلاتها العسكرية بلا استئذان واملاءاتها المشروطة ! لقد طالب مؤتمر قضايا الإصلاح العربي بإطلاق الحريات العامة وحرية الصحافة وبإلغاء اعتقال الصحفيين في قضايا الرأي وبإلغاء القوانين الاستثنائية والطوارئ المعمول بها في الدول العربية. وأصدر المؤتمر وثيقة في ختام أعماله بمكتبة الاسكندرية أكد فيها أن الإصلاح يجب أن ينبع من داخل المجتمعات العربية ويأخذ في الاعتبار أحوال كل قطر عربي علي حدة دون إغفال القواسم المشتركة بين الدول العربية‏. وهنا يمكنني القول بأن هذا المؤتمر لم يكن الاول في مطالبته بهذه المستلزمات ، الا انه تمّيز عن غيره من المؤتمرات بعدم ترديده للشعارات المستهلكة اولا ، ثم انه طالب بعقلانية الاعتبارات الخاصة لكل بلد عربي ثانيا .
ما الذي تضمنته وثيقة مؤتمر الاصلاح العربي ؟
لعل من اهم ما تضمنته هذه ” الوثيقة ” العربية الرائعة : ادانة للارهاب بكل اشكاله‏، ومواجهة النواتج الخطيرة لانواع التعصب الديني‏ من خلال تجسيد قيم التسامح والتفاعل الخلاق بين الثقافات والحضارات‏ ..
اولا : الاصلاح السياسي :
ان المجتمعات العربية تملك من النضج والخبرة التاريخية في الاسهام الحضاري الانساني‏ مع ضرورة الانفتاح علي العالم والتفاعل مع تجاربه الحديثة طبقا لاولويات محددة‏ في الإصلاح السياسي‏ وجميع الخطوات المباشرة‏,‏ وغير المباشرة التي يقع عبء القيام بها علي عاتق كل من الحكومات والمجتمع المدني ومؤسسات القطاع الخاص في طريق بناء نظم ديموقراطية‏.‏ وبالامكان رسم خطوات ملموسة‏, في اطار من الشراكة بين الحكومات والمجتمع المدني وتتمثل بالاصلاح الدستوري والتشريعي‏ الذي ينشده المجتمع‏ وان تتوافق مع المواثيق الدولية لحقوق الانسان ويعني ذلك ان تعكس نصوص الدستور المتغيرات والتطورات التي وقعت بالفعل‏,‏ الأمر الذي يفرض ضرورة تصحيح الاوضاع الدستورية في البلاد العربية بتعديل المواد التي تتعارض مع المتطلبات الديمقراطية الحقيقية‏,‏ او وضع دساتير عصرية لتلك الدول التي لم تشهد هذه المرحلة بعد‏,‏ مع ازالة الفجوة بين نصوص الدساتير واهداف المجتمع في التطور الديمقراطي بما يضمن‏‏‏ الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية فصلا واضحا صريحا‏ ،‏ وتجديد اشكال الحكم بما يضمن تداول السلطة بالطرق السلمية دوريا‏,‏ طبقا لظروف كل بلد‏,‏ فالدولة الحديثة دولة مؤسسات ونصوص وليست نيات حسنة‏ ، ثم‏ اقامة انتخابات دورية حرة تصون الممارسة الديمقراطية‏,‏ وتضمن عدم احتكار السلطة‏,‏ وتضع سقفا زمنيا لتولي الحكم‏.‏ ثم إلغاء مبدأ الحبس او الاعتقال بسبب الرأي في كل الاقطار العربية‏,‏ واطلاق سراح سجناء الرأي الذين لم يقدموا الي المحاكمة او تصدر ضدهم احكام قضائية‏.‏ أما ما يخص اصلاح المؤسسات والهياكل السياسية‏ من تنفيذية وتشريعية وقضائية وصحافة واعلام ومؤسسات المجتمع المدني‏ ، فلابد من مراجعة هذه المؤسسات لضمان ادائها الديمقراطي السليم‏.‏ ومن هنا‏ تم التأكيد على ضرورة الغاء القوانين الاستثنائية وقوانين الطوارئ المعمول بها والغاء المحاكم الاستثنائية ايا كانت اشكالها ومسمياتها‏ وتكفي القوانين العادية لمواجهة كل الجرائم فذلك مطلب اساسي للاصلاح التشريعي الديموقراطي ولا ينفصل عن ذلك مراعاة الخروج باطار تشريعي فعال لضمان التعامل مع الارهاب‏,‏ وبلورة ضمانات تكفل عدم الاعتداء علي الحريات العامة والحقوق السياسية‏.‏ ولابد من اطلاق حريات تشكيل الاحزاب السياسية في اطار الدستور والقانون‏ وعرض برامجها بشكل متكافئ‏ تحت مظلة الحريات المنصوص عليها في المواثيق الدولية‏.‏ ناهيكم عن تصديق جميع الدول على منظومة المواثيق الدولية والعربية‏.‏ فضلا عن تحرير الصحافة ووسائل الإعلام من التأثيرات والهيمنة الحكومية باعتبارها دعامة قوية للشفافية‏.‏ ويكون ذلك بتطوير أساليب الإعلام والتحرير في القوانين المنظمة لإصدار الصحف وإنشاء الإذاعات والقنوات التليفزيونية‏ كي تعتمد علي الاستقلال في الملكية والإدارة‏,‏ والشفافية في التمويل‏,‏ وتحقق قدرة الإعلاميين علي تنظيم مهنتهم وممارستها دون تدخل السلطة‏.‏ ثم إطلاق حرية تشكيل مؤسسات المجتمع المدني‏,‏ وذلك بتعديل القوانين المقيدة لحرية تكوين الجمعيات والنقابات والاتحادات التطوعية‏ لضمان حريتها في التمويل والحركة‏.‏ ولابد من تشجيع قياسات الرأي العام وتحريرها من العوائق‏,‏ والعمل علي تأسيس الهيئات والمراكز البحثية لاستطلاع الرأي العام العربي دوريا ‏.‏

‏‏ ثانيا‏:‏ الإصلاح الاقتصادي
يشمل جميع التشريعات والسياسات والإجراءات التي تسهم في تحرير الاقتصاد الوطني‏ ‏ والتسيير الكفء له وفقا لآليات السوق‏ ‏ بما يمكنه من الانتعاش والازدهار‏ وبما يسهل تكامله مع الاقتصاديات الإقليمية‏ واندماجه في الاقتصاد العالمي‏.‏ ‏ويهدف ذلك الى‏ معالجة انخفاض معدلات النمو في الدخل القومي وتدهور نصيب الفرد مقارنا بالمؤشرات الدولية‏.‏‏ ومعالجة تراجع نصيب الدول العربية في التجارة الدولية‏ ومعالجة تركز الصادرات في منتجات أولية مع هامشية نصيب المنتجات ذات القيمة المضافة العالية في الصادرات العربية‏.‏ وكيفية معالجة تراجع نصيب المنطقة من تدفقات رءوس الأموال الأجنبية‏ والاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة‏.‏ ودرء الإخفاق في توليد فرص عمل كافية للداخلين الجدد في سوق العمل .‏ ثم الحد من‏ تزايد حدة الفقر في اغلب البلدان العربية‏ .‏ ان المنهج الذي ركّز على برامج التثبيت والخصخصة والتحرير الاقتصادي لم يهتم اهتماما بمعالجة البطالة وتوفير الخدمات الاجتماعية الأساسية‏ في عالم عربي يتضخم ديمغرافيا بشكل مذهل ومادته اغلبها من الشباب التي تتطلب جودة في التعليم والخدمات والبرامج .. ولابد من الاخذ بالمقترحات الآتية‏:‏
‏ الاعلان خطط واضحة وبرامج زمنية محددة للإصلاح المؤسسي والهيكلي‏ ، فضلا عن التصدي الحاسم للمشكلات المعوقة للاستثمار وإزالتها أمام الاستثمار العربي والأجنبي‏. وهناك‏ تشجيع برامج الخصخصة حتى في القطاع المصرفي‏, وفقا للضوابط القانونية وتقليص الاستثمارات الحكومية‏‏ ما عدا المجالات الاستراتيجية والسلع ذات النفع العام‏ .. ولابد من إلغاء الحقوق الاحتكارية الحكومية لتشجيع القطاع الخاص وجذب المزيد من الاستثمارات‏ من اجل إسهام القطاع الخاص في إيجاد فرص للتشغيل‏.‏

‏ لابد ليضا من‏ تطوير برامج تمويل المشروعات الصغيرة لعلاج مشكلة البطالة مع إعطاء الفرصة كاملة للإناث في الحصول علي التمويل‏.‏ ووضع معايير للارتقاء بنوعية المنتجات الوطنية وتأسيس مجالس قومية لدعم القدرة التنافسية مع القيام بإجراء تقويم مستمر يتم نشره‏.‏ وإرساء قواعد جيدة للنشاط الاقتصادي مع تأكيد الشفافية والمحاسبة وتنفيذ أحكام القضاء‏.‏ ولابد من‏ تمكين المرأة للاسهام في قوة العمل الوطنية‏ بخبراتها ومؤهلاتها ‏.‏‏ ولابد من مراجعة السياسات الاقتصادية المتبعة من منظور تحقيق التشغيل الكامل لما يقدر بنحو‏5‏ ملايين من الداخلين الجدد لأسواق العمل العربية سنويا‏ ورفع معدلات النمو الاقتصادي الحقيقي بما لا يقل عن‏6%‏ إلي‏7%‏ سنويا في المتوسط في السنوات العشر المقبلة . ولابد من معالجة الفقر بأبعاده المتعددة من التهميش الاجتماعي والسياسي وضعف المشاركة وقلة فرص الارتقاء‏.‏ وضرورة اصدار تشريعات تلزم الجهات المصدرة للبيانات والمعلومات الاقتصادية . ومن الاهمية بمكان تطوير القطاعات المالية العربية بشكل عام‏,‏ وأجهزتها المصرفية بشكل خاص‏,‏ وتشجيع إقامة كيانات مصرفية كبيرة‏,‏ وتحديث أسواق المال العربية والعمل علي ربطها معا‏.‏ مع‏ تطوير الأبنية الأساسية لتكنولوجيا المعلومات والربط بينها عربيا ‏.‏‏ مع تفعيل الاتفاقات العربية بوضع أهداف قابلة للتحقيق مع تحديد بعض القطاعات ذات الأولوية بوصفها صاحبة الفرصة الكبيرة في نجاح التعاون الاقتصادي مثل‏:‏ النقل والمواصلات والكهرباء والطاقة وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات‏.‏ ومن الاجدر وضع إطار ملزم لتحرير التجارة في الخدمات بين الدول العربية‏‏ وتنظيم سوق العمل العربية عن طريق صياغة واعتماد اتفاقية متعددة الأطراف لتنظيم انتقال العمالة العربية بهدف تنظيم الانتقال لمدد زمنية محددة‏‏ وتوصيف ظروف العمل في أثناء الإقامة في دول الاستقبال‏ وتحديد مسئولية الدول المرسلة في التحقق من مهارات وقدرات قوة العمل التي ترسلها‏.‏ ويترافق ذلك مع‏ تأسيس آلية فاعلة لتسوية المنازعات الاقتصادية بين المستثمرين‏.‏‏ والمطالبة بمعاملة الاستثمار العربي بما يعامل به الاستثمار الوطني في كل البلدان العربية‏.‏ ومطالبة الدول المتقدمة بفتح أسواقها للصادرات العربية‏,‏ وتحديدا الصادرات من السلع الزراعية‏.‏ ولابد من‏ تأسيس إدارة متخصصة وكفوؤة في إطار الجامعة العربية لمتابعة قضايا التجارة الدولية‏ وتمكين الدول العربية من الانخراط الفعال في منظمة التجارة العالمية‏ وتنسيق المواقف العربية‏ والدفاع عن مصالحها‏,‏ وتدريب الكوادر العربية وتأهيلها للتفاوض في قضايا تحرير التجارة والزراعة ونفاذ المنتجات الصناعية إلي الأسواق والتعامل‏.‏ فضلا عن إنشاء مؤسسة يمولها ويديرها القطاع الخاص في العالم العربي لتدريب القيادات العليا في الإدارة لإعداد أجيال جديدة قادرة علي تنفيذ برامج الإصلاح وتطويرها‏.‏ وهناك تشجيع الابتكار والعمل علي جذب الاستثمارات اللازمة للبحث والتطوير وإقامة المشروعات في القطاعات الخدمية والإنتاجية ذات القيمة المضافة العالية‏ وتوفير الحماية الكافية لحقوق الملكية الفكرية‏.‏ ومن الاهمية بمكان‏ مراعاة الحفاظ علي البيئة في جميع الأنشطة الاقتصادية‏.‏ وأكد المؤتمرون أن مؤسسات المجتمع المدني العربي‏,‏ ومؤسسات القطاع الخاص إذا مكنت من أداء دورها برفع القيود عنها‏,‏ قادرة علي الإسهام في الإصلاح الاقتصادي‏,‏ ويطلب المجتمعون في مكتبة الإسكندرية‏,‏ سعيا إلي تنفيذ هذه المقترحات‏,‏ الاتفاق مع جامعة الدول العربية بتبني سلسلة من المؤتمرات العامة والندوات المتخصصة‏,‏ لمناقشة هذه الموضوعات بالعمق الذي يتناسب وأهميتها ودقتها‏,‏ ومن أهم هذه الموضوعات ما يلي‏:‏
‏1‏ ـ القطاعات المالية العربية والقيود علي الاستثمار‏.2‏ ـ النظام الجمركي الموحد والتجارة البينية‏.3‏ ـ القدرة التنافسية العربية والمعايير القياسية‏,‏ وإنشاء مجالس قومية للقدرة التنافسية العربية وتوحيد المعايير القياسية‏.4‏ ـ الحضانات التكنولوجية‏.5‏ ـ إدارة الموارد العامة في الوطن العربي‏.6‏ ـ الحكم الجيد للنشاط الاقتصادي‏.7‏ ـ الإعلام الاقتصادي والارتقاء به‏.‏
ثالثا‏:‏ الإصلاح الاجتماعي العربي
ويقتضي ذلك العمل علي تحقيق الأهداف التالية‏:‏
‏ لابد من تطوير نمط العلاقات الأسرية العربية بما يخدم بناء الفرد المتميز المستقل القادر علي ممارسة حرياته وخياراته بمسئولية‏,‏ ويتطلب ذلك إعادة النظر في بعض القيم التي لا تزال تؤثر بالسلب في الحياة العربية كقيم الخضوع والطاعة علي سبيل المثل‏,‏ وإحلال قيم الاستقلالية والحوار والتفاعل الإيجابي محلها‏ ( وتمنيت على الاخوة المؤتمرين ان يعالجوا هذا المنحى معالجة تفصيلية نظرا لخطورته على الواقع ودوره في التراجع عن كل المتغيرات في القرن العشرين ) ! ويقوم الإعلام بدور أساسي في بناء الثقافة العامة للفرد ، الأمر الذي يستلزم تأكيد دوره في إعادة بناء القيم المساندة للتطوير والتحديث‏,‏ كقيم المساواة والتسامح والقبول بالآخر وحتي الاختلاف‏,‏ جنبا إلي جنب مع قيم الدقة والإتقان والالتزام وغيرها من القيم الإيجابية التي تساعد المجتمع العربي في التحول إلي مجتمع جديد فعال‏.‏ فضلا عن توجيه المجتمعات العربية نحو اكتساب ونشر وإنتاج المعرفة والمعلوماتية‏,‏ وفي هذا الإطار فلابد من التركيز علي خمسة توجهات‏,‏ تتكامل وتترابط فيما بينها لتحقيق مجتمع المعرفة وهي‏:‏ ‏ تأكيد التنمية الإنسانية وأولوية تطوير التعليم‏ ، وتحقيق التطوير التكنولوجي وتوفير بنيته الأساسية‏.‏ ‏وتطوير استراتيجيات البحث العلمي‏.‏ ودعم العمل الحر‏,‏ والمبادرة الخلاقة في مجالات الابتكار والإبداع‏.‏ توفير المناخ المساند لمجتمع المعرفة‏,‏ سياسيا وثقافيا واقتصاديا‏.‏
وضمانا لتحقيق ذلك‏ ، أوصى المؤتمرون بوضع معايير عربية لمخرجات التعليم في جميع مراحله بما يتوافق والمعايير العالمية‏ ، وإنشاء هيئات للجودة والاعتماد والرقابة علي التعليم في كل دولة عربية‏,‏ مستقلة عن الوزارات المعنية‏.‏ ثم استمرار تحمل الدولة مسئوليتها في تمويل ودعم مؤسسات التعليم مع ضمان الاستقلال الاكاديمي لها‏,‏ سواء كانت مؤسسات حكومية أو خاصة‏,‏ مع فتح الأبواب لمشاركة المجتمع في تمويل التعليم الجامعي في إطار لا يهدف للربح‏.‏ ودعم البحث العلمي‏,‏ وزيادة موارده المالية والبشرية‏,‏ وربطه بمؤسسات الانتاج والتطوير‏,‏ وإزالة جميع المعوقات البيروقراطية التي تعرقل حرية البحث وانتاج المعرفة‏.‏ التوجه نحو اللامركزية في إدارة المؤسسات التعليمية‏,‏ مع المرونة اللازمة لتنوع برامجها‏.‏ اضافة الى المواءمة بين مخرجات نظم التعليم واحتياجات سوق العمل المتغيرة والنمو الاقتصادي وبناء القدرة التنافسية‏.‏ ودعوة المجتمع المدني للمشاركة في تمويل التعليم‏ والاسهام في إدارته ورقابته في المجتمعات العربية‏.‏ وكفالة حق ممارسة الطلاب لحقوقهم السياسية‏,‏ بما في ذلك المظاهرات السلمية المنظمة‏,‏ وحرية التعبير عن الرأي بجميع أشكاله‏,‏ والأخذ بنظام الانتخاب الديمقراطي في الاتحادات الطلابية‏.‏ ولابد من القضاء علي الأمية في فترة زمنية لا تزيد علي عشر سنوات‏,‏ خصوصا بين الإناث العربيات ‏.‏ واكد المؤتمرون على الاهتمام باللغة العربية وتطوير مناهجها‏,‏ والاتفاق علي أسس التقويم المقارن بين الدول العربية في السنوات الدراسية الأولي‏.‏ وأيضا : العمل علي تحقيق الاستقرار الاجتماعي في المجتمعات العربية‏,‏ الأمر الذي يتطلب صياغة سياسات فعالة‏,‏ تضمن عدالة توزيع الثروة وعوائد الانتاج في مجالاته المختلفة‏.‏ ان الحاجة تتطلب صياغة عقد اجتماعي جديد بين الدولة والمواطن في المجتمع العربي‏,‏ هذا العقد من شأنه ان يحدد علي وجه قاطع حقوق الدولة والتزاماتها إزاء المواطن‏,‏ كما يحدد بشكل حاسم حقوق المواطن العربي وكيفية الحفاظ عليها‏.‏

‏‏ رابعا‏:‏ الإصلاح الثقافي‏:‏
يضع المشاركون في المؤتمر المشكلات والتحديات الثقافية القومية والقطرية في اعتبارهم‏,‏ وذلك من منظور يؤكد مجموعة من الأولويات الثقافية التي لا يمكن اغفالها‏.‏ وفي مقدمتها‏:‏ العمل علي ترسيخ أسس التفكير العقلاني والعلمي بتشجيع مؤسسات البحث العلمي وتوفير التمويل اللازم لها‏,‏ وإطلاق حريات المجتمع المدني في تنميتها‏,‏ وفي الوقت نفسه‏,‏ القضاء علي منابع التطرف الديني التي لا تزال رواسبها موجودة في المناهج الدراسية وخطب المساجد ووسائل الإعلام الرسمي وغير الرسمي‏.‏ وتشجيع الاستمرار في تجديد الخطاب الديني سعيا الي تجسيد الطابع الحضاري التنويري للدين بما يقتضيه ذلك من إطلاق الحريات الفكرية‏,‏ وفتح أبواب الاجتهاد علي مصراعيها في قضايا المجتمع للعلماء والباحثين‏.‏ ولابد من المضي قدما في تحرير ثقافة المرأة وتطويرها بما يحقق مساواتها العادلة بالرجل في العلم والعمل‏,‏ تأكيدا لفاعلية المشاركة الاجتماعية بمعانيها الكاملة‏.‏ ويتطلب كل ذلك تهيئة المناخ الثقافي لتحقيق التطوير الديمقراطي وتداول السلطة سلميا‏ من خلال العمل علي مواجهة الرواسب والعادات الجامدة والآثار المتراكمة لأوضاع وأساليب سياسية فاسدة من شأنها أن تحول دون فاعلية المشاركة السياسية‏,‏ وشأن هذه المواجهة تغيير النظرة السياسية والاجتماعية الي المرأة‏,‏ وتأكيد اسهامها الثقافي وانجازها العلمي‏,‏ ودورها اللازم في عملية التنمية‏,‏ انطلاقا من أن التنمية الثقافية هي أساس أي تنمية‏,‏ والخطوة الأولي لأي إصلاح جذري لا يمكن نجاحها إلا باشاعة ثقافة الديمقراطية في مناهج التعليم والإعلام‏.‏ ولابد من تجديد الخطاب الثقافي وتخليصه من الرواسب المعوقة لتقبل الاختلاف والحوار مع المغايرين‏,‏ وذلك جنبا الي جنب مع تجديد ما يتصل بهذا الخطاب من أنواع خطابات الإعلام والسياسة والطوائف الاجتماعية‏.‏ ومن الاهمية بمكان إصلاح المؤسسات الثقافية العربية وتفعيلها عن طريق دعمها ماديا ومعنويا بما يعينها علي التفكير المستقل‏,‏ وتوسيع دوائر خططها‏,‏ والتنسيق بين هذه المؤسسات وغيرها من المؤسسات والهيئات الأخري المؤثرة في العمل الثقافي‏.‏ ثم العمل علي إلغاء أشكال الرقابة علي النشاط الفكري والثقافي بما يدعم حرية الفكر‏,‏ ويحرك عملية الابداع‏,‏ بعيدا عن وصاية أي جهة أو فئة باسم الدين أو التقاليد أو الخصوصية أو السياسة‏.‏ ودعم العمل الثقافي علي المستوي القومي‏ ، وتجسيد مبدأ الاعتماد المتبادل في اقتصاديات الثقافة‏. والحفاظ علي اللغة العربية وتحديث آليات تكيفها مع التقنيات الرقمية الجديدة في عصر المعلومات‏.‏ وان من ابرز المتطلبات : تشجيع التفاعل الثقافي مع العالم كله بما يؤكد ثقافة التنوع البشري الخلاق‏,‏ والإسهام الفاعل في المنظمات العالمية بما لا يتناقض وخصوصيتنا الحضارية التي تؤكدها الأبعاد الانسانية لميراثنا الثقافي الأصيل‏.‏ والتأكيد العلم بوصفه مكونا أساسيا من مكونات الثقافة‏,‏ وبوصفه مسارا راسخا للنظرة المستقبلية التي تؤسس في الوعي الثقافي العام ضرورة مجتمع المعرفة الذي هو السبيل الأمثل للتقدم في كل مجال‏.‏ ومن الاهمية توثيق الواقع الثقافي العربي في بيانات وإحصاءات سنوية‏,‏ ترصد آليات الانتاج وأشكال المتابعة‏,‏ وكذلك تنسيق الجهود في تنظيم أنشطة النقابات العربية والمهنية العاملة في ميادين الثقافة‏,‏ ونشر نتائجها‏.‏ تنشيط التبادل الثقافي القومي عن طريق الاجراءات التالية‏:‏
إعفاء الانتاج الثقافي العربي من القيود الرقابية والعوائق الجمركية‏.‏‏ وتنمية مشروعات النشر الإلكتروني المتبادل للصحف والمجلات والكتب للتغلب علي مشكلات التوزيع وعرقلة تدفق المطبوعات العربية‏.‏‏ وتنشيط مؤسسات الترجمة الحكومية والأهلية‏,‏ وتنسيق اختياراتها في مسارين متزامنين‏:‏ أولهما الترجمة من العربية لكل اللغات الحية‏,‏ وثانيهما من اللغات الحية الي اللغة العربية‏.‏‏ وحاجة الاجيال الى تشجيع الإبداع والانجازات الفكرية الخلاقة علي المستويين القطري والقومي‏.‏ ( لقد تمنيت على الاخوة المؤتمرين استخدام مصطلح العربي والعروبي بدل استخدام القومي ، فالنزعة العربية الاصيلة هي غير الفكرة القومية الشوفينية التي اتعبت الفكر السياسي العربي على امتداد القرن العشرين ).
خامسا‏:‏ آليات المتابعة مع المجتمع المدني‏:‏
إن إبراز المؤتمر لجوانب الإصلاح العربي المطلوبة يقتضي بالضرورة وضع مجموعة مترابطة من آليات التنفيذ‏,‏ تتيح متابعة ما تم التوصل اليه من مقترحات وتوصيات‏.‏ وفي هذا الصدد‏,‏ لابد من التركيز علي دور المجتمع المدني العربي في الإصلاح‏,‏ خصوصا في جميع مجالات التنمية المستدامة‏,‏ بما يتطلب اتخاذ الاجراءات التالية‏:‏
‏ تأسيس منتدي الإصلاح العربي في مكتبة الاسكندرية‏,‏ ليكون فضاء مفتوحا للمبادرات والحوارات الفكرية والمشاريع العربية‏,‏ ويتم ذلك من خلال عقد ندوات وحوارات مشتركة‏,‏ عربية وعالمية‏,‏ حول موضوعات التنمية بشكل عام‏,‏ وإبراز دور الشباب والمرأة في التنمية بوجه خاص‏,‏ يضاف الي ذلك تنفيذ مشروعات التعاون في مجالات التنمية المختلفة‏,‏ ويتصل بعمل هذا المنتدي تأسيس مرصد اجتماعي عربي‏,‏ لمتابعة نشاط المجتمع المدني العربي‏,‏ ورصد وتقييم مشاريع الإصلاح السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية‏.‏ ولابد من اختيار مؤسسات المجتمع المدني في كل قطر عربي عددا من نماذج الجمعيات غير الحكومية الناجحة في مجال التنمية وحقوق الإنسان‏ وذلك لعرض نشاطاتها وبيان مردودها الاجتماعي في مؤتمر عربي عام‏ ‏ يعقد سنويا‏ في أحد الأقطار العربية لإبراز دور المجتمع المدني في التنمية‏.‏ وهل من عقد مؤتمرات عربية وطنية داخل كل بلد لمناقشة الفكر الإصلاحي وعرض التجارب الناجحة في هذا المجال علي المستويين‏:‏ العربي والعالمي‏,‏ وتبدأ مكتبة الاسكندرية بالإعلان عن استضافتها للمؤتمر القادم عن الإصلاح في مصر‏.‏ وهل من عقد ندوات عربية إقليمية تناقش موضوعات محددة في مجالات الاصلاح المختلفة‏.‏ ومن الضرورة تشكيل لجنة متابعة تجتمع كل ستة أشهر علي الأقل لمراجعة ما تم تنفيذه‏,‏ وذلك لدعم منتدي الحوار بعد تأسيسه‏.‏ ويؤكد المجتمعون ـ في النهاية ـ أن رؤي الإصلاح التي قاموا بصياغتها لا تقع مسئولية تنفيذها علي الحكومات وحدها‏,‏ وإنما علي المجتمع المدني والحكومات معا‏,‏ فالمستقبل الواعد لأمتنا العربية لن يتحقق إلا باستثمار كل الطاقات الخلاقة والاجتهادات الأصيلة والعمل الدءوب الذي يجمع بين الرؤية والتنفيذ‏.‏
وماذا بعد ؟ وماذا يمكنني قوله ؟
1/ المبادىء الاصلاحية :
بالرغم من ان كل هذه المبادئ تبدو مستقرة تاريخيا وفكريا وحضاريا في الأدبيات الديمقراطية المتوارثة عالميا ، إلا انها تعتبر في الواقع من المبادئ الجديدة في ثقافتنا السياسية وهي تطرح اليوم من اجل ايقاف ثقافة مناقضة وممارسات هزيلة وعادات سقيمة سادت حياتنا العربية على مدى قرون طوال .. وهي حياة تسلطية من قبل الدولة والمجتمع قامت على احتكار السلطة والثروة والحكمة وصنع القرار وبالتالي نفي المشاركة واحتكار إرادة الشعب واختياراته وترجيح أهل الثقة على أهل الخبرة وتفضيل المؤيدين والمنافقين على المعارضين والمستقلين بالرأي بالموقف .ومن ثم فان تطبيق هذه المبادئ الديمقراطية الحقيقية في مثل مجتمعاتنا يحتاج إلى ثورة فكرية ونهضة ثقافية حقيقية‚ تغير العقول الحاكمة والمحكومة‚ وتنبع من «قلب حركة المجتمع‚ من مراجعة الذات ونقدها‚ وإعادة النظر في مفاهيمها وطموحاتها في ضوء التحديات التي تواجهها عند مفتتح القرن الواحد والعشرينولعلنا نشير بهذا إلى ضرورة اجراء اصلاحات جذرية في المنظومة الثلاثية‚ التي تشكل العقل وتصنع الوجدان وتصوغ الأفكار والمواقف‚ ونعني منظومة التعليم والثقافة والاعلام‚ تلك التي تعاني اليوم من قصور واضح وتخلف هائل‚ في ظل هيمنة الدولة واحتكارها وسياساتها المنفردة الاحادية التي لا مثيل لها إلا في الدول المتخلفة كثيرا ، الأمر الذي لا يكابر فيه إلا مكابر يعادي التطور والحرية.
2/ التسارع التاريخي :
هذا هو المصطلح الذي نادينا من خلاله العرب باحداث التغييرات منذ سنوات خلت وقبل ان تصدر وثيقة الاسكندرية باربع – خمس سنوات ! ان هذا ” المشروع ” لا يرنو الى تقديم وصفات علاجية مؤقتة سرعان ما تتبخر فاعليتها ، بل انه يدعو الى اصلاح منظومة مركبة ومعقّدة ، وهو بحاجة الى زمن ليس بالقصير والى جهد كبير ، ولا ينبغي ان يبقى المشروع الاصلاحي ينتظر أو يتلكأ‚ كما حدث في الماضي بحجة التلاؤم وعدم التعجيل حتى يحدث التطور الطبيعي .. فلقد اضاع العرب قرنا كاملا في الانتظار والمصابرة بينما كل العالم يتقّدم بسرعة مذهلة امام اعيننا ونحن اسرى الترسبات القديمة العقيمة وهي ذرائع مختلفة وحجج مختلفة . لقد تأجلت خطط التنمية العربية الشاملة بحجة مقاومة الاستعمار ، واستبعدنا تطبيق الديمقراطية بحجة تكريس الجهد لتحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني‚ ورفضنا مطالب شعوبنا بالتطوير والتحديث وإطلاق الحريات بحجة ان شعوبنا قاصرة جاهلة ان حصلت على الحريات انفلتت إلى الفوضى وغرقت في الكوارث وانطمست في الصراعات! لقد تبلورت النتيجة الرهيبة التي يدق اسافينها في مراكبنا العتيقة وقد صحونا على بدايات قرن جديد‚ لنكتشف اننا لم نحرر فلسطين‚ ولم نتحرر من الاستعمار الذي عاد بكل ثقله‚ وفي الوقت نفسه لم نحقق تنمية حقيقية تقاوم الفقر والبطالة والتخلف‚ ولم نطبق ديمقراطية سليمة تقاوم الفساد والاستبداد‚ فاذا بكل ذلك يستدعي تدخل الاوصياء الأجانب ليفرضوا علينا الوصاية باسم الاصلاح الديمقراطي ! انني واثق بأن اغلب الزعماء العرب لا يمكنهم قبول هذه الوثيقة لأنهم اصلا لا يريدون اي مشروع يهدد بنيوياتهم وهياكلهم السلطوية ، وخصوصا في الانظمة الجمهورية التي غدت نظم وراثية كسيحة لا تتمتع بأي مشروعية وليس لها اي مصداقية ولا شفافية في العلاقة التي تحكمها بشعوبها العربية .. وعلى المجتمعات ايضا ان تخرج من اطواق مواريثها المتعبة التي ابعدتها عن الوعي والتفكير السياسي وعن التفكير بالمستقبل من خلال مقارنة التردي العربي في كل المجالات بما يحصل في مجتمعات اخرى انطلقت نحو الافاق الجديدة .
3/ لقد فات قطار الاصلاحات !
وعليه ، يمكننا القول بأن لم يعد من صالح الحكام والمحكومين العرب معا البقاء في هذه الحالات الكسيحة والاستسلام لهذه الورطة التاريخية من خلال العجز عن الاداء .. وهناك من يؤكد بأن القطار قد فات العرب ، اي قطار الاصلاح ولم تعد تفيد كل هذه الضجة التي يفتعلها العرب بانفسهم كونهم سيلحقون بركب العصر بعد ان يلتقوا في مؤتمر للقمة !! ونقول بأن الصالح لهؤلاء وأولئك يكمن في المبادرة ليس باصلاح البيت من الداخل حسب ، بل الشروع بالتغيير الجذري وبأيدي أبنائه وفكر عقلائه من أبناء المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية وبوسائل سلمية والعمل بمقترحات ومشروعات كالتي قدمتها نخبة عربية عالية المستويات من أمثال الذين جمعهم مؤتمر مكتبة الاسكندرية التاريخية .. وفي الحقيقة ، انها محاولة جادة لوضع إجابات صعبة للاسئلة الأصعب . وبالرغم من أهمية وجدية الوثيقة الصادرة عن هذا المؤتمر، إلا ان ثمرتها لا يمكن التمتع بها من دون ان يفّعلها اصحابها وخصوصا الزعماء العرب كونها تبقى مرتهنة بجدية تنفيذها ومدى استجابة الحكومات العربية لما جاء فيها من مضامين على بداية الطريق . وهذا أمر رأينا كم انقسم الحاضرون من المشاركين حوله بين فريقين : فريق متشائم يرى أن لا بصيص أمل في أن تبادر الحكومات العربية إلى التنفيذ، وهي وأن حتى لو استجابت فستكون استجابة شكلية ومراوغة ولف ودوران من اجل ان تنجو من ضغوطات الخارج والداخل على السواء ! وهناك فريق آخر متفائل يتأمل بالحكومات العربية العمل على تفعيل هذه المبادىء خصوصا وانها قد اصبحت في ظل المناخ الدولي أكثر رشدا ووعيا كما وبدت أكثر استعدادا لتجرع الدواء المر وقبول التحدي الصعب – كما يقول احد المعلقين – ، ولكنني متشائم جدا من اي تطبيقات حقيقية تلتزمها الانظمة السياسية العربية التي تعيش ترهلا وبؤسا وامراضا كسيحة لا تقوى على ان تتنفس هواء جديدا .. فهل ستتحرك مجتمعاتنا سلما من اجل مستقبل اجيالها ؟؟
وأخيرا ، ازجي كل التقدير لتلك النخبة العربية المستنيرة التي تتطلع الى بناء مستقبل من نوع جديد بعيدا عن كل المفبركات والشعارات والاعلاميات البليدة ومجرد البيانات السياسية التي لا نفع منها ابدا .. فهل يمكن لمثل هذا ” المشروع ” ان ينطلق عربيا ام ان الاخفاق سيكون نصيبه او بالاحرى سيغمره النسيان والاهمال كالعادة في غمرة امواج الجهالة والخديعة ؟؟ هذا ما ستكشفه الايام في قابل !

( ايلاف ( حلقتان ) 14-16/ ابريل 2004 )

شاهد أيضاً

مطلوب لائحة اخلاق عربية

تعيش مجتمعاتنا العربية في حالة يرثى لها، لما أصابها من تفكك سياسي جعلها تتمزق اجتماعيا، …