الرئيسية / الرئيسية / مُنَح الصلح سليل عائلة لبنانية عروبية

مُنَح الصلح سليل عائلة لبنانية عروبية

رحل قبل ايام عن دنيانا احد ابرز المفكرين اللبنانيين العروبيين منح الصلح 1928- 2014 عن عمر يناهز السادسة والثمانين . وكان الرجل من ابرز دعاة القومية العربية في مضامينها السياسية المستندة الى الاستقلالية والنهضوية والديمقراطية في القرن العشرين.. لقد عرفت الاستاذ منح منذ زمن بعيد ، وتوثقت عرى العلاقة معه بحكم الصداقة التي ربطت بين كل من عمه الاستاذ كاظم الصلح وابي الاستاذ كوكب علي الجميل – رحمهما الله – .. واكتب اليوم عن الاستاذ منح ، وفاء لمحبّته لي وتشجيعه منذ صباي وبواكير شبابي في بيروت بحكم تلك العلاقة القديمة. ولقد أسفت جدا في آخر زيارة لي الى بيروت قبل اشهر ، اذ لم يسعفني الوقت لزيارته والسلام عليه ، وكنت أسأل دوما عنه الصديق رغيد الصلح وعن صحته وراحته..
دعوني اتوقف قليلا عند الرجل وتاريخ اسرته التي تميزت منذ قرنين مضيا بشخصياتها النخبوية والنهضوية ، ذلك ان الفقيد منح بيك ( الثاني ) 1928- 2014 ، احد ابناء عادل الصلح الذي آمن بلبنان وطناً حقيقيا ونهائياً لأبنائه، وكان من الرافضين لفكرة الوحدتين السورية بالقوة ، أو العربية بالإكراه. اذ اسس «حزب النداء القومي» وصحيفة «النداء». وعمل نائباً ووزيراً وسفيراً. وقد اسمى نجله منح على اسم ابيه منح الاول .لقد آمن منح بالعروبة ايمانا راسخا ، ورأى فيها من خلال تآليفه ومحاضراته مهمة انسانية ونزعة حضارية مسالمة غير متوحشة ولا فتاكة ولا شوفينية ، وغدا أمين عام «دار الندوة» في بيروت ، والتي بقيت سنوات طوال ملتزمة بمبادئ العروبة، في ندواتها وما دار فيها من افكار ورؤى ومحاضرات. ونال الراحل أوسمة وجوائز واختير رئيسا للمركز الثقافي الإسلامي سابقا . وكان جليس حوار وصاحب نكتة وسريع بديهة ومختصر للكلام لما يفيد وينفع ..
انتمى الى اسرة معروفة منذ القرن الثامن عشر ، ونال ابناؤها وظائف عثمانية مهمة ، في صيدا ” وكانت كنية ” الصلح ” مأخوذة عن السلحدار ( : امين دائرة الاسلحة ) ، اذ نصّب الجد الاعلى لهم آغا لحامية صيدا منذ عام 1660 ، واشتهر ابناؤه واحفاده منذ ثلاثة قرون في شتى المجالات . سكن آل سلح زاده في صيدا ( الصلح لاحقا ) ، وبيتهم قرب حرم القلعة وسط المدينة ، ثم انتقل بعض الابناء الى بيروت اثر توطّن احمد باشا الصلح فيها مع اسرته .. أكد لي استاذي المؤرخ الراحل البرت حوراني في جامعة اكسفورد عام 1977 بأن آل الصلح من اعيان العثمانيين. ولكن عندما سألت الاستاذ منح عن اصل آل الصلح ، قال : يظن البعض ان أسرتنا من أصل تركي، ولكنها في الاصل من قبائل اليمن المعروفة ، وقد وصلت الى ربوع لبنان اثر الفتح العربي الاسلامي واستوطنته منذ قرون ..
توارث آل الصلح منصب آغا قلعة صيدا منذ القرن السابع عشر ، وبرز منهم في القرن التاسع عشر أحمد أفندي ( باشا ) الصلح (ت 1893) وتملك بيتا في محلة الروشة ، ثم انتقل فيما بعد قرب ميناء الحصن (تجاه فندق سانت جورج اليوم) . بدأ أحمد باشا الصلح حياته العملية كترجمان لوالي صيدا محمد باشا، ثم أرتقى فيما بعد ليغدو متصرفاً لدى العثمانيين. وغدا له نفوذه الواسع وكان لقبه ” أحمد صلح زاده” . وقد أقام معه نجله الشهير رضا بك ، وبرز لاحقا كل من حفيده الرئيس رياض الصلح وسامي بك الصلح والرئيس رشيد بك الصلح .
وبرز ايضا عثمانيا أيضا محمد أفندي الصلح قاضي قضاة صيدا. كما برز أبناؤه : كامل الصلح (ت 1917)، الذي له دوره السياسي في الحركة الإصلاحية عام 1913، وكان رئيسا لمحكمة استئناف دمشق، وابنه الثاني منح بيك (الاول) (ت 1921) وعرف بدوره السياسي وإلاداري والتربوي وخصوصا في تأسيسه جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في صيدا، وابنه الثالث رضا بك الصلح (1860-1935) الذي قام بدور سياسي مؤثر في العهدين العثماني والفرنسي، واختير نائباً في مجلس المبعوثان العثماني عن ولاية بيروت الجنوبية 1909- 1913، وتولى متصرفيات عديدة بين أعوام 1919-1920 ، وكان عضواً في المؤتمر السوري العام، كما أصبح وزيراً للداخلية في الحكومة الفيصلية بدمشق عام 1918. ويعتبر رضا الصلح أول نائب عربي نبه إلى الخطر الصهيوني على فلسطين، ومدى أخطار الهجرة اليهودية اليها منذ العهد العثماني. ثم برز ابن رضا بك الصلح رياض بك الصلح (1893-1951) الذي نفاه الوالي جمال باشا ( السفاح ) مع والده ، لاشتغالهما ضد عنصرية الاتحاديين. كما اضطهد رياض زمن الانتداب الفرنسي. لمشاركته في المعارضة ومؤتمراتها واهتمامه بقضية فلسطين.
وهناك عبد الرحيم بك الصلح ونجله سامي بك الصلح (1887-1968) القاضي والسياسي الشهير في تاريخ لبنان الذي غدا نائبا ثم رئيساً لوزراء لبنان في 1943 ولعدة مرات، حتى 1958، وعمل نائباً 1964-1968 . وبرز ايضا ولده السفير عبد الرحمن الصلح . وهناك عفيف الصلح عضو المؤتمر السوري العام المنعقد في دمشق عام 1920، وعادل منح الصلح رئيس مجلس بلدية بيروت ورئيس حزب الاستقلال الجمهوري ( وهو ابو الفقيد منح بيك الصلح الثاني ) . كما برز كاظم منح الصلح (1909-1976) أحد واضعي الميثاق الوطني مع رياض الصلح، وكان من ابرز المعترضين على قرارات «مؤتمر الساحل والأقضية الأربعة» 1936. وكان الرجل من امهر الدبلوماسيين اللبنانيين ، اذ قضى عدة سنوات سفيرا في العراق الملكي للفترة 1947 – 1959، وقد عشق العراق واهله وتوثقت عرى صداقاته مع ابرز الاعيان والمثقفين العراقيين . وهناك أيضاً رئيس الوزراء رشيد بيك الصلح ونائب بيروت ووزير عدة مرات. وبرز ايضا رئيس الوزراء تقي الدين الصلح. وبذلك تكون أسرة الصلح هي الأسرة الوحيدة التي تبوأ أربعة من رجالاتها منصب رئيس وزراء لبنان ، وهم: سامي ورياض ورشيد وتقي الدين.
ومن نسوتهن الفاضلات ، برزت كل من ليلى رياض الصلح وزيرة الصناعة سابقا 2004-2005 وشقيقاتها لمياء ومنى وعلياء وكل من السيدتين منيرة وفريدة .. كما برزت سناء الصلح رئيسة مؤسسة الأمل للمعاقين . وبرز عماد الصلح صاحب كتاب «أحمد فارس الشدياق». والشيخ سعد الدين مفتي صيدا السابق، وعرف ايضا كل من الشخصيات : وحيد ورغيد وأحمد، وأمين، وسميح الصلح مدير عام وزارة الداخلية سابقاً، ونجله مصطفى سميح الصلح قنصل لبنان الفخري في إمارة موناكو، رئيس جمعية قناصل البلاد الأجنبية الرسميين في موناكو (2009-2014) ، وهلال الصلح الأستاذ الجامعي، وسواهم الكثير.
انني اذ اكتب عن الاستاذ الراحل منح بيك الصلح ، فلقد حرصت ان استذكر جذوره التاريخية وانتمائه الى هذه النخبة الكريمة من آل الصلح في لبنان ودورهم في التاريخ الحديث والمعاصر ، واهتمام العديد من رجالهم ونسوتهم في رقي لبنان اولا .. وعنايتهم بشؤوننا العربية وقضايانا العربية ثانيا ..

فصلة من كتاب للمؤلف سيار الجميل : نسوة ورجال : ذكريات شاهد الرؤية

نشرت في العربي الجديد ، الاحد 26 اكتوبر / تشرين الاول 2014 ،
http://www.alaraby.co.uk/opinion/664894d9-1379-4c6e-8a16-f0d27b31e465
ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

رموز وأشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز / يوليو 1958 لماذا لم يتمّ رفع السرّية عنها بعد مرور اكثر من ستين سنة على الحدث ؟

رموز واشباح الحلقة 42 : برقيات وشفرات أميركية أرسلت من بغداد طوال يومي 14-15 تموز …