الرئيسية / الشأن العراقي / نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

لا يمكن مقارنة اوضاع العراق اليوم ، او ما مضى من الايام .. بأوضاع غيره من البلدان .. فالفساد الذي يجتاحه لا يمكن ان نجد له مثيلا .. حتى في تلك البلدان التي تعشش فيها المافيات وتتمكن منها العصابات والميليشيات .. والبؤس لم يزل طاغيا في كل مرافق المجتمع العراقي مع معاناة الناس .. وتراخي العملية السياسية ، وزيادة الاستياء ، وانعدام الخدمات وقتل الناس وغياب الامن .. والايام المائة تقترب من نهايتها ، فماذا حدث ؟ ما الذي تغير او تبدّل ؟ اين هي البرامج التي وعدونا بها ؟ من حق اي مواطن عراقي ان يتساءل : الى اين يمضي العراق والاخفاقات تحفّ به من كل جانب ؟

التعايش الوطني بديلا
إن العراقيين لم يعد بمقدورهم ان يعيشوا بعد اليوم ، وهم يترقبون مجرد اتفاقات سياسية بين كتل وفرقاء سياسيين او اختلاف على محاصصات باسم ( الشراكة الوطنية ) ! ان العراقيين لم يعد يثقون بكل هذه ” العملية ” التي خانت مبادءها ، ونقضت عهودها معهم ! انهم لم يعد يتحملون او يصبرون على الاكاذيب والوعود بالاصلاح .. ولم يجدوا اي بادرة حقيقية للاصلاح ! انهم لم يعودوا يصدّقون التصريحات التي تصدر عن كبار المسؤولين ، اذا كانت هناك اجندات مفضوحة للابقاء على الفساد والفاسدين ! ان العراقيين قد انقسموا فعلا اليوم بين من يرفض وجود هذا المحتل الاميركي ، وبين من ينادي بالابقاء عليه عملا بالضرورات تبيح المحظورات .. السؤال الان : هل اخفقت العملية السياسية ؟ وما ذنب العراقيين ان تهدر ازمانهم واموالهم ، وتسفك دماءهم ، وتذهب ارواحهم .. اذا كانت النخبة الحاكمة غير متفقة اصلا ؟ ما ذنب الشعب العراقي ان يعيد التجربة من جديد بسبب فشل طاقم الحكم في تحقيق ما وعد الشعب به ؟ ما ذنب العراقيين يتأخرون يوما بعد يوم عن تحقيق ما ينتظرونه اصلا ، بسبب اصرار البعض الابقاء على الفساد والفاسدين ؟ وبسبب اصرار البعض الاخر على تأزيم الشراكة في الحكم اصلا ؟ ما ذنب هؤلاء الذين انتخبوا قيادات وزعماء نكثوا عهودهم وتراجعوا عن وعودهم ؟ ماذا تحقق من انجازات كانت الجماهير بانتظارها ؟

هل من ازالة للخطوط الحمراء ؟
ان العراقيين اليوم لم ينقسموا على بعضهم سياسيا حسب ، بل تجدهم وقد انقسموا اجتماعيا وثقافيا ، بل ووطنيا ازاء ( مبادئ ) .. وكل طرف جعل من نفسه آلهة لا يمكن التعامل معها ، بل ووضع بينه وبين الاخرين خطوطا حمراء لا يمكن لأحد ان يجتازها ، فكيف يتم اي حوار او يجري اي لقاء او يتم اي جدل .. وكل طرف يعتبر نفسه مسؤولا حقيقيا عن العراق والعراقيين ؟ اذا كانت ارادة العراقيين مجمعة على التخلص من الفساد والفاسدين من كل اجهزة الدولة ، فما الذي يجعل بعض المسؤولين الكبار يقفون حجر عثرة امام محاسبة الفاسدين ؟ لماذا يريدون نقض قرارات برلمانية تهدف الى تنظيف العراق من الفاسدين ؟ لماذا يمنع التظاهر والمتظاهرين ؟ هل اصبح كل من يعارض او ينتقد خائنا او بعثيا او تكفيريا ؟ لماذا تخلط الاوراق بمثل هذه الطريقة اللا اخلاقية ؟ لماذا تصرحون بالديمقراطية ، وتؤمنون بها .. اذا كنتم تحرّمون الرأي الاخر ؟ انكم لا تفرقون ابدا بين الناس ، الا بمن يخدم مصالحكم .. كم انتظر الشعب اي مبادرة منكم لفتح طريق جديد او اتباع اسلوب جديد مخطط له ومدروس بعناية للوقوف معا .. اي وقوف السلطات معا ضد الفساد والفاسدين ، ولكن لم يتم ذلك ابدا ! ان اس الخراب يكمن في مبدأ توزيع المسؤوليات على اسس محاصصية باسم ( الشراكة الوطنية ) والمبادئ الوطنية منكم براء .. اي شراكة وطنية هذه التي تجعل من اي طرف فرض اجندته على الجميع ؟ اي شراكة وطنية هذه تعتمد الانقسامات باسم التوافقيات ، اهم مبدأ تعيش على دمه من دون الاخذ بمصلحة الجميع والمصلحة العامة ؟ اي شراكة في الحكم هذه تبقي وضع الخدمات في العراق بدرجة الصفر او تحت الصفر لسنوات ؟ ومن حق الناس ان يسألوا عن واردات البلاد .. واين تذهب ؟ وهل من الشراكة الوطنية ان ينعم اقليم بالامن والاستقرار .. ويبقى كل العراق معلولا وهو يتشظى امنيا واجتماعيا وسياسيا ؟ وان تبقى الناس فيه تحيا وتعيش بأزمات الحياة الصعبة التي لا أول لها ولا آخر.

نقطة نظام ضد كل ما يجري !
إن كل الأسباب التي تفاقم خطرها لا يمكن أن تقارن أبدا مع حجم الفساد الذي أصاب ليس الدولة حسب ، بل انتقل الى المجتمع بفعل عدم علاجه او اصلاحه ، والفساد وباء العصر الذي شمل كل مرافق الحياة العراقية ، بدءا بالمسؤولين ومن يلتف حولهم من الحواشي والتابعين .. وصولا الى اصغر الموظفين ، بل يقال انه حتى الزبالين يفرضون اتاواتهم المرتفعة على العباد لرفعهم القمامة ، فيمتنع الناس ليرموا ازبالهم قريبا كي تتجمع اكواما وتلالا !! ان استشراء الفساد والفاسدين في بلاد ضعفت فيها المؤسسات ، وهزلت فيها القوانين منذ خمسين سنة .. بحاجة الى قرارات نزاهة وهيئة اجتثاث فساد وفاسدين .. وان يتعّرض اي مسؤول للمساءلة والمكاشفة العلنية امام الناس ان وقف مع الفساد والفاسدين .ومن المعيب ان نسمع ان مسؤولا كبيرا يتدخل امام البرلمان طالبا نقض قرارات واحكام جزائية بحق الفاسدين في الدولة ! بل ويحق للناس ان يتساءلوا عن اسباب تدفع بمسؤولين كبار يقفون مع الفساد والفاسدين! علمنا بأن العراقيين يتساءلون منذ اكثر من ثماني سنوات عن حجم ما يتقاضاه المسؤولون الكبار في الدولة من رواتب خيالية لا يمكن ان يصدقها احد !
هنا علينا أن نسأل: الى اين تريدون ايصال العراق ؟ اذا لم يكن بمقدوركم ان تحكموا بلدا صعبا ، ومليئا بالمشكلات والازمات والتحديات .. فلماذا قدمتم وتسلمتم الدور وتقلدتم المسؤولية ؟ هل المسألة اعتباطية ؟ الجواب : لا .. ان المسألة اكبر مما تتصورون او تتخيلون .. ان المسألة اصعب مما تعتقدون .. فالصراع على السلطة والمناصب لم يكن كما وجدنا من اجل مصلحة العراق والعراقيين ، بل من اجل مصالح شخصية او فئوية او طغموية .. ولقد انكشف كل شيئ امام الناس ، خصوصا وان الناس تراقب عن كثب دور كل مسؤول وحركته ومصداقيته ونزاهته وقوته وخصاله ودفاعه من اجل احقاق الحق وازهاق الباطل .. ان العراقيين يطالبون ان يكشف كل المسؤولين عن حساباتهم وعوائلهم ليروا حجم ما يكتنزه هؤلاء .. ولكن لا المناصب باقية ولا السلطة دامت لأحد .. وعليه ، فان من يريد ان يثبت حسن نيته ومصداقيته امام العراقيين ان يعلن عن حجم ما يأخذه من الدولة ، وعلى الدولة ان تعلن عن حجم الفساد إن كانت ضد الفساد المستشري في الدولة، فالعراق كما تأتينا التقارير الدولية هو الاسوأ حالا من بقية البلدان العربية والعالم ، بل كنت اعتقد ان هناك عدة بلدان عربية أكثر تعاسة من العراق ، ولكن بدا لي أن المسألة أكبر بكثير مما نتخيل..

الاحلام كينونة كل مشروعات الدنيا
نعم، إن الشعب العراقي يطمح ان يرى نهاية للفساد والفاسدين ، وهو يعتز بكل الوطن والوطنيين .. انه يريد ان يعيش كما يعيش خلق الله في كل مكان .. انه لم يعد يريد الا بصيص امل في صحراء دامسة الظلام .. انه يريد من يقف الى جنبه في محنه ومصاعبه .. انه يستقبل الصيف اللاهب ومشكلة الكهرباء والماء لم تزل عالقة ، وكأن لا وعود اطلقت منذ سنين لاصلاحها ! انه مّل من كل الكلام الذي لا يحقق الوعود .. انه يطمح اليوم ان يسجل حالة تاريخية فاصلة بين عهدين ، أو بين تاريخين ، أو بالأحرى بين زمنين.. ولكن لم يجد من يقف معه من اجل تحقيق الاهداف .. ان ما يصلني من اخبار عن بغداد وحالتها التعيسة ، وهي العاصمة .. تجعلني اقول : اليس فيها امانة للعاصمة ؟ ام ان الناس قد تبدلوا فيها ، بحيث اصبحت مدينة يقطنها اناس من العصور الوسطى ! فاذا كان حال بغداد العاصمة هكذا ، فكيف ستكون احوال المدن والبلدات والقصبات الاخرى ؟ ان مشكلتنا العراقية التي تقض مضاجعنا كلنا نحن العراقيين هي سياسية ، فكل الخطابيات سياسية ، وكل المواعظ سياسية ، وكل المقالات سياسية ، وكل الانقسامات سياسية ، وكل الفضائيات سياسية ، وكل العملية سياسية ، وكل الصحف سياسية ، وكل المؤسسات سياسية ، وكل العزايات سياسية وكل البلاوي الزرقاء سياسية .. من دون ان اجد العراقيين وقد اصبحوا ضمن مشروع مستقبل ، وهم خلايا نحل من اجل وطن بحاجة اليهم فقد غابت عنهم روح الوطن والوطنية .. وطن مطلوب منهم جميعا ان يخدموه بكل طاقاتهم ، وينظفوه ، ويعيدوا بناءه ، ويزهروا حدائقه ، ويطوروا مرافقه ، ويحاسبوا المقصرين والفاسدين .. ويبلطوا شوارعه ويعيدوا البهجة الى اطفاله .. يعيدوا للحياة العراقية رونقها المفقود .. يرفعوا علما واحدا للعراق في كل مكان ، ويشعروا انهم كانوا ضد وطنهم ولم يكن وطنهم ضدهم ابدا .. ان ما اكتبه اعلاه ليس انشاء وليس خيالا وليس باحلام لا تتحقق .. فأي مشروع يبدأ بخطوة ، ولا اي مشروع بلا افكار ، ولا اية افكار من دون احلام .. الحلم ان نسعى الى تحقيقه ، لا ان يصطلي بنيران اولئك الذين وجدوا الفرصة مناسبة لخراب العراق والابقاء على خرابه مهما كانت الاثمان .. انهم يشعرون ان وجودهم مرتهن بخراب العراق .. بل وان البعض من الاشقياء يؤمنون بأن وجودهم لا يتحقق الا على اجداث العراقيين ودمائهم ..

وأخيرا : من اجل مشروع وطني
ينبغي على المشرعين في البرلمان ان يصدروا قوانين تلو القوانين .. جزائية ورادعة بحق كل من تسّول نفسه الاضرار بالحق العام والمال العام والهدر العام .. على المسؤولين جميعا ان يلتفتوا الى شعبهم ، بدل مناكفاتهم السياسية .. لقد كادت المائة يوم ان تنقضي ، ولم نلمس اي بارقة امل كان الشعب ينتظرها ، علما بأن العراقيين يدركون حق الادراك ان الاصلاح لا يمكن ان يلد فجأة ولا يولد في مائة يوم .. وعليه ، فان العراقيين مطالبون اليوم ان يقولوا كلمتهم ، ويحددوا مصيرهم .. اذ لا يمكن ان يبقوا ساكتين على استمرار الخراب .. ولا يمكن ان يبقوا يعانون الامرين في حياتهم المهددة بالتفجيرات وكواتم الصوت والخطف وانعدام الامن .. كذلك لابد للشقاء اليومي ان ينتهي الى الابد ، فالكهرباء لابد ان تتوفر بلا اي وعود ولا اي تسويف ولا اي ارجاء ..
ان العراق لا يصلح ان لم تصلح عمليته ( السياسية ) ، وان يحّل مشروع وطني بديلا عن كل الاجندات سارية المفعول ، وان يبزغ زمن جديد يتصالح كل العراقيين من اجل صياغة مشتركة لهم للمستقبل بعيدة عن كل موبقات الماضي وتشظيات الحاضر .. وان تتغلب النزعة الوطنية على كل الانتماءات الاخرى .. ويكون مشروعهم حضاريا متمدنا وعراقيا حقيقيا .. هذه التمنيات التي يعتبرها البعض مجموعة مثاليات ، هي الاسس الحقيقية لبناء العراق في المستقبل ، اذ لا يمكن ان نبقى مجموعة شظايا على ارض خربة .. وان لا يبقى العراق ( خان جغان ) لتصريف سياسات هذا واجندات ذاك .. لا يمكن للعراق ان يبقى مثلوم الارادة ولا يستطيع الحركة وهو مكبل من قبل الاخرين .. لا يمكن ان يبقى لسنوات قادمة يعاني الامرين ، ولا يعرف الناس فيه اين تذهب وارادتهم النفطية .. لا يمكن ان نضحك على الناس باسم ( الشراكة ) من دون حكومة ومعارضة ! لا يمكن ان نبقى من دون ” عهد أمان ” يستند الى دستور مدني وحضاري ، ويشعر كل العراقيين فيه بالامان إننا جميعا نعلم ، بأن العراق تكفيه ازمنة الشقاء الطويلة ، وعليه ان يبدأ زمن الفرح والزمن الجديد .. اتمنى ان يتحقق ذلك بحول الله .

نشرت في الصباح البغدادية ( عمود مكاشفات عراقية ) ، 12 آيار / مايو 2011 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …