الرئيسية / الشأن العراقي / لا حياة في العراق لمن تنادي !

لا حياة في العراق لمن تنادي !

ما نفع السلطة الرابعة اليوم ؟ ما تأثيرها في هذا الزمن ؟ ما تأثير الرأي العام ؟ من يسمع لركام النداءات الحية ؟ ما الذي يجنيه الناس وهم يعبّرون عن آرائهم وافكارهم ونقداتهم ؟ لمن تسجل المواقف ؟ هل يتابع أحد من المسؤولين ما يطالبون به عن البلاد والعباد ؟ لم يعد النقد يخجل أحدا ؟ لم تعد الصرخات تجدي نفعا ! لم يعد احد يعبأ بالرأي العام .. لم يعد المسؤولون يخشون أية كلمة تقال في حقّهم ! لم نجد أية مؤسسة رئاسية عليا أو تشريعية في البلاد أو تنفيذية في الدولة .. ترد على ما ينهال عليها جميعا من الملاحظات والتشخيصات للسلبيات ونقد الأخطاء والاعتناء بالرأي المعارض والرد على طروحات معبّرة عن إرادة المجتمع ! لم يعد للحريات من طعم ومذاق .. عندما يبقى الفساد معششا ، وعندما يبقى الإرهاب مسيطرا ، وعندما يبقى الخراب منتشرا ، وعندما تبقى التجاوزات خارقة لكل الاعتبارات ، وعندما تستمر السياسة على ما هي عليه من دون أي إصلاح ، ولا أي تغيير ، ولا أي توقّف .. ولا حتى أي وعد بإعادة النظر !

ارادة العراقيين اولا واخيرا
هل تريدون أيها الزعماء فرض إرادتكم على الناس بـأية وسيلة كانت ؟ هل تقبل الناس أن تحكمونهم كما تريدون ، أم كما تفرضها عليكم إرادة الشعب الذي مزقتموه إلى مجموعة ” مكونات ” رئيسية و ” أقليات ” سكانية و ” طوائف ” دينية بعد أن كان موحدا ؟ هل صحيح أنكم تقولون : ليبقى هؤلاء ينقدون ويكتبون ويعلنون ، وكما علّق آخر ” ينبحون ” ، فنحن ما نقرره سنفعله رغم انف الجميع ! ؟؟ أو كما صّرح آخر ، بأنني اعتليت سدة هذه المؤسسة الوزارية ، فليبقوا يكتبون ما يشاؤون ، ويصرخون .. فإننا ها هنا قاعدون ، ولم نفعل إلا ما جئنا من وراء جنيه أو تحقيقه ! ودعهم يندبون حظهم .. هكذا يفكرون .. هكذا يعلنون من دون أي حرج ولا أي حياء .
لقد كانوا وما زالوا يعملون على مبدأ ديماغوجي كاذب اسمه ( الشراكة الوطنية ) وهم يدعون الديمقراطية ، بل وجعلوا من الأخيرة قميص عثمان ، وكل الدنيا تعلم أن الديمقراطية لا تتحقق ولا تترسّخ من دون ( معارضة وطنية ) ، فأين المعارضة الرسمية في البرلمان العراقي كجزء من السلطة التشريعية ، حتى يعترف بالمعارضة الحرة في الصحافة والإعلام ؟؟ وإذا كان العراق ديمقراطيا ، كما نؤمن به أن يكون ، فهل من الصواب ربط الأجهزة الرقابية والهيئات الحرة ، كهيئة النزاهة والانتخابات والبنك المركزي والإعلام وغيرها .. بالسلطة التنفيذية ؟ بأي حق ، يتم ربط هيئات رقابية يجب على مجلس النواب ان يستمد منها المعلومات ، كي تكون مرتبطة بمجلس الوزراء ؟ من سيراقبكم يا أعضاء مجلس الوزراء ؟ وأخشى أن نصحو يوما وقد أصبح القضاء العراقي ألعوبة بأيدي المسؤولين الكبار ؟ لقد كان الناس قد وعدوا بدولة قانون ، ووعدوا بإصلاح الدستور ، ووعدوا بحياة مدنية ، ووعدوا برجال تكنوقراط وتخصص لا بعناصر محاصصة ومضاربة .. ووعدوا بجعل العراق آمنا ومستقرا بلا إرهاب ، ووعدوا برخاء منقطع النظير ، وبميزانية رفاه وخدمات .. ولكن بدا أن كلها مجموعة من المخادعات ، ليبقى الشعب بلا امن ، ولا نظام ، ولا عمل ، ولا إصلاح ، ولا كفاءات .. والدولة تستدين من هنا وهناك .. وبعثرة للملايين على مؤتمرات تافهة ، وايفادات كاذبة ، وصرف بلا وجع قلب على عقد مؤتمر قمة عربي فاشل .. وفساد يستشري في كل المرافق ، وجوع ، وبطالة ، وفقر ، وتخلف وعبث بلا أي حراك حقيقي نحو التغيير حتى الآن ! أتدرون ما الذي سيحدث لا سمح الله ان هبّ العراقيون في الشوارع والميادين ؟ الويل .. الويل من غضب العراقيين !

السلطة والقرار لا يحتكران في عراق ديمقراطي !
إنكم تتخذون القرارات المفاجئة للناس وانتم تحتكرون السلطة .. كما كان يفعل النظام السابق باستثناء شيء واحد أن النظام السابق كان يخشى حتى الهمسات ، في حين انتم لا يهمّكم الرأي الآخر الذي ليس له أي مصلحة الا العراق والعراقيين ! إنكم لم تفوا بعهودكم للذين انتخبوكم ، إذ أجد اليوم من يلوم نفسه كونه انتخبكم بعدما لعبتم لعبتكم معه ، وضحكتم عليه ومنحتموه كل الوعود المعسولة ، ثم استويتم على العرش .. نعم ، انكم اليوم لا تستمعون إلا لأنفسكم ، أو لمن اشتريتم من الذمم ، أو لمن يسبح بحمدكم ، وهو من الساذجين .. لا تقولوا أنكم تحكمون بما انزل الله ، فلقد اتخذتم الدين أحبولة من اجل السلطة .. وانتم تضحكون على ملايين الناس باسم هذا الدين ! ولا تقولوا إنكم تحكمون باسم الديمقراطية ، فانتم لستم بديمقراطيين ، إذ يتوّضح استبدادكم ، ليس للاستجابة على ما يقوله منتقدوكم ، ولكن لمجرد الرد عليهم ، فالناس تريد أجوبة وافية ، وأدلة كافية لما يعرضه المعارضون لقراراتكم وسياساتكم ..
لا نعلم من تكونوا أيها الأخوة المسؤولون .. إذا كنتم قد خرقتم الدستور مرات عدة ، فأنكم كنتم أول من استخف ببنود الدستور الذي عارضناه وانتقدنا العديد من بنوده السيئة . هل انتم تستمدون الحكم من الدين بحيث تغالون في شيء وتستخفون بأشياء ؟ أم انتم تنزعون في حكمكم نزعة ديمقراطية بحيث تعملون بما تعلنون لا بما تخفون ؟ إذا كنتم قد وفرتم لي مناخا حرا لكي أقول ما أشاء ، فلماذا تسكتون على ما يعلنه العراقيون من آراء مخالفة لكم ، وبيانات إدانة ، وحملات معارضة ؟ منذ سنين ما تضمنه من تناقضات ، ومنها توظيف الدين والديمقراطية معا ، فوجدناكم تلعبون من خلالها .

الاولويات العراقية اولا
قلنا إن العراقيين بحاجة ماسة إلى أولويات أساسية ، ولا اعتقد أن أي عراقي يمتلك ضميرا حيا لا يؤمن بتلك ” الأولويات ” .. أولويات الحفاظ على أمنه ، ورخاء عيشه ، وفرص عمله ، ومستلزمات حياته الكريمة ، وتوفير خدماته .. فهل تحقق منها شيئا ؟ هل الأولويات أولا أم التبذير الجنوني على مؤتمر للقمة العربية حتى تتنطعون امام العالم ؟ هل إصلاح شوارع العراق أولا ، أم الصرف بالملايين الخرافية على شارع المطار كي يمر منه رؤساء عرب ـ كما سمعت ذلك من أمين عاصمة بغداد قبل ايام على شاشة قناة العراقية وهو يعد أن يجعل شارع المطار ليس أحسن شارع في الشرق الأوسط على حد تعبير المذيع ، بل أحسن شارع في العالم على حد تعبير أمين العاصمة !! فما الذي سيجنيه شعب العراق من ذلك ؟ ـ وأسأل : هل توظيف مليون شرطي عراقي يخترقهم الإرهاب سيحقق الأمن ، وليس للدولة إلا دفع رواتب لهم ، ألا يمكن معالجة فرض الأمن سياسيا وبوسائل قانونية ؟
لقد مضى على تشكيل الوزارة الجديدة زمنا من دون اكتمال حلقاتها لاختلاف اجنداتكم بتنصيب هذا دون ذاك ، وانتم مرتاحون لما يجري ما دمتم قد فزتم بما تريدون ! ولقد مضى زمن على تشكيل وزارتكم من دون أن نجد أي برنامج يطرح للعالم ، ولا أي منهاج يقدّم للرأي العام ، ولا أية خطط ترفع لمجلس النواب كي يناقش ، كي تلزم بتحقيقه الحكومة الحالية .. إن كل ما سمعناه مجرد كلام ، ومجرد إنشاء عادي ، ومجرد أمنيات ، ومجرد دعايات .. أين الخطط الرسمية ؟ هل قدّم وزراء الصناعة والزراعة والري مثلا أي خطط تطويرية ؟ هل قدّم كل من وزيري التربية والتعليم العالي أي خطط لهما من اجل التغيير والتطوير ؟ هل قدّم كل من وزيري الثقافة والسياحة أي منهاج لكل واحد منهما ، كي نرى ما الذي يمكن فعله للعراق وفي أهم مفاصله ؟ هل وقف احد النواب ليستنكر على الحكومة تخصيصها 2% من الميزانية للثقافة العراقية ؟ هل ثمة خطة خمسية أو عشرية تلزم الحكومة بتحقيقها أو تحقيق نسبة مئوية منها ؟ هل نوقشت ميزانية الدولة ليعرف كل العراقيين أين كان الصرف ؟ وأين ذهبت فوارق مبيعات النفط بين الذي سجل على الورق وبين الذي حصل في الواقع على الأرض ؟ ما العقود والصفقات التي وقعتها الدولة مع شركات معينة أو جهات مجهولة ؟ أين تقارير اللجان والهيئات التي شكلّت لدراسة جرائم وجنايات وقضايا حصلت في السنوات الخمس الماضية ؟ ولماذا لم يكشف عن مضامينها وحيثيات ما جرى ؟ ولماذا لم يحاسب من كان مسؤولا عنها ؟

اسلوب حكم العراق
إن جملة هائلة من الأسئلة لابد أن يواجه بها العديد من المسؤولين العراقيين الذين أخذوا على عاتقهم مهمة حكم العراق .. والحكم ليس مجرد تصريحات إعلامية ، واستعراض عضلات ، ونهب ثروات ، وحضور دعوات ، ومقابلات تلفزيونية ، وبث أكاذيب ، والتعتيم على جنايات ، وليس أيضا تكميم أفواه ، ولا مبالاة بما يكتب أو يقال .. إن حكم العراق أعظم مسؤولية واخطر مهمة ينبغي أن يضطلع بها من جرّد نفسه من كل الارتباطات ، إلا ارتباطه بالعراق كي يخدمه ليل نهار .. كي يسمع ويقرأ ما يريده الناس .. كي يرد على كل صوت وطني ..
ليس من البطولة أن تهمل أصوات الوطنيين الذين يريدون كل الخير للعراق ، وليس من الوطنية أن تتكلم باسمها ، وتهمش أصحابها وهم قد عرفوا بين العراقيين بنداءاتهم وتمنياتهم وإعلاناتهم ومخاطباتهم وطموحاتهم .. فهم ضمير الأمة التي تحكمونها ، وهم نخب هذا الشعب الذي دفع أثمانا حقيقية من حياته ودمائه وثرواته وراحته في ماضيه وحاضره ومستقبله .. ليس من العقل أن تهملوا ضمير الشعب ، وليس من العقل أن تسخروا من معارضيكم وانتم معروفون للعالم كله كم هي خبراتكم ؟ وكم هي سيركم ؟ وكم هي مواقفكم .. ؟؟ إن من الصعوبة اللعب مع العراقيين ، فالعراقيون عندما يمنحون ثقتهم لأحد ، ثم ينتظرون ما سيتحقق لهم منه ، فان انتزعوا ثقتهم فمن الصعوبة السيطرة على عواطفهم الملتهبة ، وتاريخهم يشهد لهم على طول المدى .

المؤهلون غابوا
ليس المهم أن نسمع لغوا ، وتفلسفا ، ومجرد شعارات ، وكيل وعود ، وتناقض تصريحات ، وتمييع مواقف ، وتعتيم أخبار .. بل المهم توفر مصداقية في الخطاب ، وبلورة في الموضوعات ، وأجوبة حقيقية على الأحداث ، وصراحة متناهية في القرارات ، وكشوفا معلنة عن النفقات ، واعترافات كاملة بالأخطاء .. كي تؤمنوا بالديمقراطية ، عليكم بتطبيقها .. كي تؤمنوا بالتمدن عليكم بالحريات ، كي تؤمنوا بالدولة عليكم بالخطط والبرامج ، كي تؤمنوا بالعراق عليكم بكل الأطياف ، كي تؤمنوا بالمجتمع المدني عليكم بالاستماع إليه .. قدموا الشكر لمن تريدونه من أتباعكم ومناصريكم والمصفقين لكم ، ولكن بنفس الوقت احترموا إرادة من يعارضكم ، واستمعوا إلى منتقديكم ، فهم اخلص للعراق والعراقيين من الكذبة والمارقين والمهرجين والمصفقين والراقصين لكم ولمن سبقكم .. لا تعاندوا وانتم تشعرون بأن ما ترونه صحيحا ، فرب ضارة نافعة .. لا تعبثوا بالزمن ، ولا تشتتوا أوقاتكم سدى على توافه الأمور وشعبكم ينتظر منكم المزيد .. كونوا أوفياء لمن يقدم لكم النصيحة ، ولا تستخفوا به ، بل ولا تتنكروا له بعد أن تستفيدوا منه . ثقوا إن الحكم والإدارة فن وخبرة وذكاء .. وأيضا ضمير ونزاهة وأخلاق . فهل سنشهد أية خطوات من اجل التغيير ؟ لن اسمّي أحدا ممن انتقدهم ، ولكنني واثق أن ما يريده العقلاء شيء وما يفكر فيه غيرهم شيء آخر !

نشرت في صحيفة الجديدة ، 4 شباط / فبراير 2011 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …