الرئيسية / الشأن العراقي / الوزارةُ : فنٌ ومسؤوليةٌ وحذاقة

الوزارةُ : فنٌ ومسؤوليةٌ وحذاقة

دعوني أتكلم قليلا عن أهم حدث كان ولم يزل الشغل الشاغل لاهتمام العراقيين في داخل البلاد وخارجها .. وبالرغم من كل من يخالفني الرأي في الذي أؤمن به وأقوله ، فليعلموا أن أهدافي نظيفة ووطنية وليس لي أية مصالح مع أي طرف من الأطراف ، فضلا عن استقلاليتي التي اعتز بها غاية الاعتزاز ، وبالرغم من كل التجريحات التي يطلقها هذا أو ذاك ، فالكل يدرك إنني لست بوقا لأي حزب أو جهة أو تكتل أو مؤسسة أو أي مسؤول .. ، ولن اكتب إلا من اجل مصالح العراق وتطور العراقيين .

هل الوزير مسؤولا ام مجرد صورة ؟
إن تشكيل الوزارة حدث مهم انتظره العراقيون طويلا ، وكانوا يعتقدون أن زمنا جديدا سيبدأ مع نخبة من المسؤولين الجدد الذين باستطاعتهم تنفيذ برنامج حكومي ممتاز يسعى لحل المشكلات والخروج من الأزمات ، وبدء الحياة الطبيعية في كل البلاد ، ولكن ما أن أعلن عن تشكيل الوزارة ، إلا وخابت آمال حتى أولئك الذين كانوا يدافعون دفاعا مستميتا عن مبدأ المحاصصة الحزبية والطائفية ! نعم خابت آمال الناس باستثناء من بارك الأمر على استحياء ، سواء كان من هذا الطرف أو ذاك .. وأود القول أن منصب الوزير لا يمكن أن يكون مجرد منصب سياسي أعلى لمؤسسة تزدحم بالخبراء أو بالمتحذلقين والعاطلين ، إذ ينبغي أن يكون الوزير مسؤولا مهنيا حاذقا بكل شؤون مؤسسته وأجهزتها وقيادته للسياسة العامة لها ، حتى يستطيع اتخاذ القرار المناسب إذا اختلف الفرقاء من الوكلاء أو الخبراء أو العمداء أو المدراء أو الرؤساء .. الخ
إن الوزير لا يمكن أن يكون مجرد رقم أو رمز أو قلم أو صورة أو مومياء .. أو صاحب مكتب فاخر وسكرتيرة حسناء لا عمل له إلا التوقيع على ما يصدره الآخرون إليه .. إن الوزير عندما يتولى شأن الوزارة ، فمهمته صعبة جدا من الناحيتين الإدارية والفنية ، فهو الذي سيكون في الواجهة مسؤولا أساسيا عن سياسة مؤسسته ومنجزاتها وأخطائها أمام رئيسه أو أمام البرلمان أو أمام الرأي العام ! وهناك بعض الساذجين من ذوي النظر القصير يريدون أن يتفاءلوا خيرا أو أن يسكتوا أصوات المنتقدين أو أنهم من الضالعين بقسمة الكعكعة !! يقولون أن الوزير هو مجرد صاحب منصب ، ولا يمكنه أن يكون فنيا أو إداريا .. ويريدون تفصيل المنصب على قياسات غير مناسبة مقترحين أن الوزارة لا تشترط خبرة الوزير أصلا !! إنهم جهلاء لم يقرأوا تاريخ الدول وتاريخ الإدارات في العالم .
إنني اعتقد أن على كلّ وزير استوزر في التشكيلة الجديدة ، أن يراجع نفسه قليلا ، فان شعر انه كفؤ لمنصبه ، فليجازف ، وان شعر أن ليس باستطاعته أداء مهمته ، فليتنازل عن منصبه لمن هو أفضل منه من العراقيين ، ربما لا يشعر انه في ورطة ، وقد ورّط ليس حزبه أو كتلته ، بل ورّط الحكومة كلها سواء كان يتمتع بوزارة سيادية أم وزارة خدمية .. وإنهما سيان عندي ، بل وتعتبر أي وزارة من وزارات الدولة لها دورها الحيوي في حياة العراق اليوم لكي تكون في خدمة المجتمع الذي ينتظر منها أكثر مما نتصوره .. ثم ألا تشعر القوى السياسية أنها تضّر العراق والعراقيين بفرضها وزراء غير مؤهلين أصلا مقارنة بكفاءات غيرهم ؟!

مشكلاتنا الصعبة من يعالجها ؟
إننا لا نقبل بما نسمعه من خطابات وتصريحات لمسؤولين يقدمون الأمور للشعب ، وكأنها تحصيل حاصل ! إننا لا نقبل المزايدات وتلميع الأسماء .. لأننا لا نقبل الهذيان الطويل وهذر الكلام في سوق بيع وشراء ولا يمكن أيضا قبول من يطرح كلاما قويا ومقنعا من دون أي عمل ومن دون أي إثبات ، وهو يدرك أن لا احد سوف يحاسبه إن لم ينجز ما وعد الشعب به ! إننا لا نقبل أن تغّطى الحقائق بغربال ، أو يتم التعتيم على كثير من الأمور .. بل ولا يعترف المسؤولون بحجم المشكلات التي يعاني منها العراق .. إن مثل هذه ” السياسة ” التي اتبعت في السنوات الماضية وبرغم كل المنجزات ، فقد كانت كالنعامة تخفي رأسها في الرمال وهي مكشوفة الأشلاء .. لا تساعد أبدا في إيجاد الحلول العملية والواقعية لبلاد يعترف الجميع أنها تعاني من مشكلات صعبة على مستوى الأمن وتفشي الفساد والجري وراء المصالح الخاصة وانعدام الخدمات ، فكيف سيتم العمل منذ هذه اللحظة ضمن المحددات التالية ؟
أولا ، إن مجلس الوزراء سيجمع كل الأطراف في غرفة واحدة ، فإذا كان كل طرف يمثّل أجندة مختلفة عن الآخر ، فان الصراع سنجده معلنا أو خفيا معبرا عنه على لسان هذا الوزير أو ذاك كون كل واحد يمثل وجهة نظر سياسية للحزب الذي ينتمي إليه بعيدا عن أي برنامج حكومي يشارك الجميع في انجازه ، وقد أوضح كل من رئيسين للوزراء سابقين هذه المشكلة ..
ثانيا ، سيبقى السيد رئيس الوزراء مكتوف الأيدي أمام هذه الجهة أو تلك ، إذ لا يمكنه أن يكون حازما في ردع أو معاقبة أي وزير ، كون هذا الأخير لا يمثّل نفسه ، بل يمّثل الكتلة أو الحزب الذي فرضه على الدولة !
ثالثا ، وطبيعي من أمن العقوبة أساء الأدب .. عندما سيجد أي وزير أن مهنته سياسية وليست مهنية ، فسوف يفّصل مؤسسته الوزارية على مقاساته ، ويجعلها ديوانا له ولعشيرته وانسبائه واحسبائه وأبناء طائفته أو مذهبه أو قوميته أو أقليته .. من دون أي خوف !
رابعا ، ما دامت الوزارة قد افرزها نظام المحاصصة ، فقد انبثقت خلافا للدستور ! فهل يا ترى تنطبق المحاصصات الحزبية في العراق مع المادة 14 من الدستور والتي تقول : العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي ؟؟
خامسا ، اذا عجز رئيس السلطة التنفيذية في البلاد عن أداء مهمته ، فهل باستطاعة السلطة التشريعية محاسبته على الأخطاء التي ترتكبها وزاراته ؟ إذا خلا البرلمان من المعارضة الحقيقية ، فكيف ستعالج الأمور ؟ وما مهمة البرلمان إذن ؟ بل وما فائدة الديمقراطية يا ترى ؟ إنها ليست مجرد صناديق انتخاب ، بل سلسلة متطورة من المهام والمسؤوليات .

شراكة مبادئ ام صراع مصالح ؟
إن الصراع السياسي بين الفرقاء العراقيين كما بدا قبل أشهر على تشكيل الوزارة وبعد الانتخابات العامة ، لم يكن على المبادئ بأي حال من الأحوال ، إذ كشف موضوع تشكيل الوزارة صراع الفرقاء على المصالح والمناصب والنفوذ والسلطة ليس الاّ ! واشترك الجميع في ماراثون عجيب لكل اللاهثين وراء هذا المنصب أو ذاك . فالعملية ليست سياسية إذن بدليل فقدانها الأدوات والآليات ، كما أنها مفتقدة للروح الوطنية أصلا منذ سنوات .. فلا هي وطنية ولا هي سياسية وأصبحت سباق مصالح شخصية وحزبية بأدوات متنوعة ضربت بنود الدستور عدة مرات ، فأضرت بالمشروع الديمقراطي . هنا نسأل : هل كل العراقيين قد انخرطوا في أحزاب وتكتلات ؟ هل كل أبناء الشعب العراقي يصفق للمحاصصات ؟ وإذا كانت الأغلبية من أبناء الشعب العراقي قد خدعت لمرة أو مرتين .. فهل ستبقى مخدوعة بمعسول الكلام وسماع الأحلام ؟ إن المجتمع العراقي كله بحاجة ماسة إلى إستراتيجية ضرورات في حياته قبل أن يبقى صابرا محتسبا ، وهو جالس في صالة الانتظار لسنوات طوال !
نسأل سؤالا مهما : هل أن الوزارة الجديدة قادرة على تقديم أقصى الخدمات للشعب العراقي ؟ هل أن أعضاء هذه الوزارة الذين اقسموا يمين الولاء للعراق والعراقيين بقادرين على تلبية متطلبات العراق والعراقيين في مثل هكذا مرحلة صعبة ؟ هل لديهم الكفاءة جميعا ، كي يعملوا ليل نهار على تنفيذ البرنامج الوزاري ؟ هل يكونوا أصحاب ضمير حي جميعا ، بحيث أن فشل احدهم في مهمته ، أو ارتكب خطأ من الأخطاء .. قادر على أن يقف ليحاسبه الشعب العراقي حسابا عسيرا بعد أن يقدم استقالته ؟ هل أن المسؤولين في الدولة العراقية بقادرين على سماع وحوار معارضيهم السياسيين ، أو منتقديهم الإعلاميين ، أو يستجيبوا لسخط المتظاهرين ؟ هل باستطاعة المتضررين أن يحاكمونهم قضائيا ؟
لقد توّضح لنا أيضا بعد أن أفرزت الحالة الجديدة ، أن المرأة التي تشدّق الجميع بدورها ومكانتها قبل سنوات .. لم يعد احد يهتم بها بدليل تصفية وجودها وعدم إشراكها في صنع أي قرار أو سياسات .. الأمر الآخر ، لقد تعّرى البعض من طلاّب المناصب الوزارية ، فهم منذ سنة ينتقلون من حزب إلى حزب آخر طلبا للسلطة أو المنصب أو الوزارة بالتحديد ، فلما خاب رجاهم ، راحوا يعترضون على مشروعية التشكيل، علما بأنهم قد كشفوا عن أنفسهم للعالم منذ زمن طويل!

خلاصة الكلام
إن أي وزارة تتشكّل لها منهاجها الذي خطّطت لتنفيذه ، كل في مرفقه ومجاله .. أما أن ينتظر رئيس الوزراء ما سيقدمه كل وزير من برنامج عمل ، فهذا سيؤخر تنفيذ الأعمال لازمان طويلة .. ودون أن ينفذ من البرامج التفصيلية ما يساعد على معالجة الاقتصاد الوطني أو مكافحة البطالة أو تقليص البطالة المقنعة أو اختزال حجم الفقراء ، والذي يتجاوز كل الاعتبارات السابقة ، فضلا عن مكافحة الفساد الذي أصبح حديث العالم كله ، وأصبح العراق بلدا فاسدا من الدرجة الأولى ، فكيف يمكننا التقدم خطوات إلى الأمام مع اختفاء مثل هذه الأسس وغياب إستراتيجية حقيقية لإدارة العراق ؟ كيف التقدم وحقائب وزارية لا يستطيع حملها بعض هؤلاء الذين استوزروا ، نتيجة ثقلها وهم ليسوا مؤهلين لها ؟

نشرت في الصباح البغدادية ، 29 ديسمبر / كانون الاول 2010 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …