الرئيسية / الشأن العراقي / عناصر قوّة لحكومةٍ عراقيّةٍ جديدة

عناصر قوّة لحكومةٍ عراقيّةٍ جديدة

الرهان الصعب
يبدو إن الرهان الصعب على تشكيل وزارة عراقية جديدة قد بقي أسير المحاصصة وتعداد نقاط هذا الحزب وذاك التكتل وتلك الجماعة.. مثلما اعتادت عليه العملية السياسية التي يعتمدها أناس لا أريد أن يكون همهم السلطة فقط ، ولا شيء آخر غيرها.. وهذا هو سر انقسام العراق السياسي الذي كان ولم يزل قائما على قدم وساق لدى العراقيين الذين يعانون منه كثيرا، ولا تلقى إلا انعكاساته المميتة على الأمن الداخلي بواسطة التفجيرات والإرهاب الذي يطال كل العراق، مع انعدام إيقافه والرد عليه ردا حاسما.. ويبدو أن العديد من المسؤولين العراقيين اضعف بكثير أمام هجمة التخطيط المنظم والخفي للصراعات الداخلية في العراق، والتي باتت مكثفة ومتسارعة وخفية بحيث لا يمكن ملاحقتها حتى من قبل المراقبين والإعلاميين.. ويبدو لي أن العراق سوف لا يتخلص بسهولة من التدخلات الأميركية والإقليمية والعربية وحجمها الواسع كلها، مقارنة بهشاشة دوره السياسي والإداري المتهم بالتدخلات الدولية والإقليمية التي يدركها كل العراقيين بطريقة أو بأخرى سواء كانوا في أجهزة الحكم، أم خارجها.
إن مجرد متابعة المؤرخ الجاد لسلسلة الأحداث الدموية المأساوية التي طالت العراق منذ سنين، سيجد أن الأهداف المرسومة لا تريد رأس هذا أو تحجيم ذاك.. ولا تهدف إلى إسكات صوت هذا، ولجم إرادة ذاك، بل أنها تريد العراق نفسه مجتمعا وتاريخا ومصيرا.. إنها تطمح إلى أن يكون العراق منقسما متشرذما، وكأنه وجه آخر من البلقان مع الفارق الكبير بين كل من المنطقتين، علما بأن العراق إن بقي حيا يرزق، وسيبقى بحول الله، هو الذي سيبقي منطقة الشرق الأوسط من خلال مركزيته التاريخية والحضارية. إن من لم يمتلك أي بعد نظر في تحليل ما يجري في العراق من قتل وتدمير وإرهاب، وفهم أو استيعاب تداعيات الأحداث المريرة من سلسلة التفجيرات وقتل شخصيات وكفاءات وتشتيت قوى متنوعة الاتجاهات ومتباينة السياسات، سيجد أن ليس نظام الحكم نفسه في أزمة فقط، كتحصيل حاصل، بل سيكتشف أن الوطن برمته في معضلة حقيقية، خصوصا وان قضايا العراق التراكمية قد أخذت لها أبعادا خطيرة لم يألفها في تاريخه أبدا.. وان انعكاسات الصراع الإقليمي تتجسد في هذا محور العراق الذي غدا أشرس بؤر التوتر في الذي أسميته منذ العام 1995 بـ “ مربع الأزمات “ ، وسيزداد الصراع بشكل محتدم في العراق منذ العام 2003 ، أي بعد كل الذي حدث فيه من التغيير التاريخي وبشكل دراماتيكي، والانتقال من دكتاتورية صدام إلى فوضى الاحتلال إلى مرحلة جديدة يسودها الصراع الداخلي، ولكن باسم الديمقراطية ويا للأسف الشديد ، علما بأن التحولات مطلوب إنضاجها بعدم تهميش القوى الوطنية، ونزع فتيل المحاصصات وأمور أخرى، سأطالب بها بعد قليل

مطالبات مواطن عراقي
لقد شهدنا مصرع الأعداد الكبرى من الرموز والمواطنين العراقيين طوال هذه السنين، وبطريقة تفجيرات بشعة، أو قتل منظم، في اغلب المناطق الساخنة، خصوصا بغداد العاصمة .. هذا الهمّ الأساسي الذي لابد أن تدرك الحكومة العراقية المقبلة حجمه كيلا يستمر السيناريو لسنوات مقبلة مع استفحال الصراع الداخلي بين مراكز القوى في الداخل، والذي لا معنى له أبدا، خصوصا بين من يريد السلطة فقط وبين من يريد الوطن..
لقد كلفت المحاصصة العراقيين غاليا والتي لم يزل يصفق لها البعض من دون عقل ولا تفكير ولا تدبير، سواء أتت بما يسمى التوافق أو التجانس أو التوازن أو الشراكة .. وسوف لم ينفع الأسف ولا التراجع أبدا.. وكم أتمنى على المسؤولين الجدد أن يطووا صفحة الماضي عندما يتسلموا مسؤولية العراق الآن، ليكونوا في خدمة العراق والعراقيين وطنيا، بعيدا عن الامتثال والخضوع لأحزابهم وتكتلاتهم وقواهم السياسية.. وكم أتمنى أن يكونوا كلهم من طيف واحد شريطة التجرد من أجنداتهم السياسيــة والطائفيــة والـعرقيــة والدينيــة! وكم أتمنى أن تبدأ صفحة جديدة لمسؤولين يؤمنون بالشفافية والمصارحة بحيث يكشفون كل الحقائق أمام الناس! وكم أتمنى أن يكون المسؤولون الجدد أصحاب إرادة عراقية صلبة وموحدة في الوقوف أمام كل التدخلات الأميركية والإقليمية والعربية!
إن المسألة ليست سياسية أبدا ـ كما أرى، أو أنها ذات أبعاد سياسية أيها العراقيون، بقدر ما تنحو لتنفيذ مصالح شخصية، وتطلعات ذاتية، وطموحات قوى ومخططات وأجندات جهات متنوعة ومعروفة .. لتكن العملية وطنية مقيدة بمبادئ نادينا بها منذ زمن طويل ! لتكن الوزارة خدمية، ونظيفة، تسعى للقضاء على الفساد والإرهاب واستئصال كل من يريد شرا بالعراق.. لتكن الحكومة المركزية قوية، ولها هيمنتها، ومكانتها وقدرتها في الضرب بيد من حديد على كل الإرهابيين والفاسدين والمرتشين ولصوص المال العام. لتكن الحكومة المركزية منفتحة على كل العراقيين بعيدا عن توجهات أي حزب لا يؤمن بالعراق، وضد أية ميليشيا تتستر بأية صفة رسمية.. وضد أية قوة تعمل على تفرقة العراقيين مذاهب وطوائف واديانا وثقافات، لتكن حكومة تدرك أن هناك من يراقبها في البرلمان والصحافة وتحترم الرأي العام، لتكن هناك حكومة يسعى أعضاؤها منذ هذه اللحظة إلى توظيف الموارد العراقية في خدمة العراقيين قاطبة.
ليكن هناك وزراء أكفاء وعلى درجة عالية من النزاهة والتخصص والخبرة والتجربة، لكي يعملوا ليل نهار كخلايا نحل لا تأخذهم في الحق لومة لائم. لتكن هناك سلطة تشريعية قوية تمارس دورها الحقيقي في برلمان يسنّ القوانين التي ينتظرها كلّ العراقيين، وان يقدّم الأهم على المهم. وأطالب البرلمان ـ أيضا ـ بإصدار قانون يحدد فيه رواتب معقولة للمسؤولين في الدولة قاطبة.. بدل هذا النهب المنظم والرسمي لأناس همهم الوحيد أن يستفيدوا على حساب كل العراقيين !
نريد حكومة تعالج الأخطاء التي حصلت من دون أية مبررات غير مقنعة بكل شؤون العراق.. نريد حكومة وطنية تعمل من اجل الوقوف ضد تفتيت العراق وضد شرذمته وضد جعله مجموعة كانتونات هزيلة لا تقوى على الحياة أبدا. نريد عهدا جديدا يقضى بضربة قاضية على الإرهاب والحد من قتل الأبرياء وإسدال الستار على الإرهاب ، وهو أبشع مسرحية عرفها تاريخ العراق .

هل من تصويب حقيقي للتجربة الديمقراطية؟
إن التجربة الديمقراطية في العراق والتي وصفتها بالكسيحة والهزيلة في مرحلة سابقة.. لابد أن تحيا قوية وماردة بعد أن يفتح المجال رسميا وشعبيا لكل القوى والنخب الوطنية المؤمنة بمستقبل العراق كي يعمل كل الشرفاء من دون أية استفزازات، ولا أية تراجعات، ولا أية مضايقات.. والحد من الفوضى بسن قوانين ترعى الحريات بأنواعها.. كي يختفي الصراع الداخلي شيئا فشيئا، وان يتقبل كل العراقيين الرأي والرأي الآخر إن كانوا يؤمنون بالديمقراطية حقا، ذلك أن تجربة العراق لابد أن تتخلص من أية تهمة تشكك بمصداقيتها، وخصوصا عندما تتهم أنها برعاية أميركية. إن العراق اليوم يعيش معضلة تاريخية نادرة الحدوث تختلف تماما عما شهدناه في تاريخه الحديث على امتداد خمسة قرون من حياته الأخيرة.. وان خلاصه لا يمكن أن يكون إلا من خلال حكومة يراقبها برلمان قوي، ويشرعنها دستور ينتظر عدة إصلاحات.. ويسندها مجلس سياسات إستراتيجية، أتمنى أن يكون بمثابة مجلس أعيان وشيوخ أو كونكرس عراقي، وترعاها رئاسة عليا للمصادقة
. إن على الحكومة الجديدة أن تسعى لفتح صفحة تاريخية جديدة أمام كل العراقيين بعد أن تلغي من قاموسها مبدأ المحاصصة كي لا يسري في أية وزارة أو مؤسسة أو جهاز أو دائرة.. وان يكون العراق أولا وأخيرا، وبقدر ما يسعى أعداء العراق لجعله تابعا فاقدا لكل عناصره الحضارية وتوظيفه لمصالح هذه القوة أو تلك في الشرق الأوسط اليوم.. فان أبناءه البررة يريدونه تابعا لهم بكل مركزيته وموارده وبكل مجاله الحيوي.. وتعزيز مكانته مستقبلا. إننا لا نريد العراق مرآة يعكس التموّجات الصاخبة للأحزاب والقوى والتكتلات بكل صنوفها وإشكالها ومضامينها الباهتة، بقدر ما نريده مرآة يعكس تموّجاته العراقية من خلال برامج عمل وطنية متقدمة وحضارية تسعى إلى تغيير كل المنظومات والمناهج والأسس والقرارات القديمة .. بمضامين جديدة تعكس ألوان أطيافه كلها بحيث يكون العراقي فوق أي انتماء آخر. عند ذاك، سيشعر كل عراقي أن من يحكمه يؤدي الأمانة إلى أهله مهما كان لونه أو عرقه أو دينه أو مذهبه..
وأخيرا ، لا تقولوا يا سادتي إنني احلم، فالحلم يتحقق إن كنّا عراقيين حقا، وليذهب كل أعداء العراق والعراقيين إلى الجحيم.

نشرت في الصباح البغدادية ، 2 ديسمبر / كانون الأول 2010 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …