الرئيسية / الشأن العراقي / صراع إرادات أم إدارة صراعات ؟

صراع إرادات أم إدارة صراعات ؟

الاثنان معا ، والأول تبلور بعد نضوج الثانية في العراق ! فما الذي يمكن قوله في كل ما يجري في العراق الآن ؟ كيف يمكننا تفسير ما يحدث في العراق ؟ هناك حقائق ثابتة على الأرض يعرفها الجميع ، وهناك خفايا تمّ التغطية والتعمية عليها ، حتى لا يعرفها الناس ! هناك إخفاقات واضحة في العملية السياسية وخرق واضح للدستور ، فضلا عن صراع مفضوح على تولي السلطة بين أعضاء نخبة سياسية متباينة المشارب ومتخندقة الأهداف .. توّلت مسؤولية البلاد منذ ثماني سنوات ، وبمباركة أميركية ، وهي لا ترضى تداول السلطة ليس بينها وبين نخب أخرى تمنع وصولها بأي شكل من الأشكال ، بل أصبحت لا ترضى تداول السلطة حتى في ما بينها هي نفسها.. صحيح أن الدستور لم يقل بالمحاصصة في الحكم ، ولكن سمح بتكريسها بشكل مفضوح ، كي تسود ، ضاربا عرض الحائط أي مبدأ يوحّد الجميع في مشروع وطني واحد .
إذا كان العراقيون اليوم قد اقتنعوا بأن الحكم ينبغي أن يشارك فيه الجميع ، فكان الأولى بهم أن يتمحوروا حول إرادة عراقية واحدة باسم الوطنية لا باسم المكونات ، واعتقد أن الناس تخفي قناعة بذلك لأنها لم تعد تتحمل كل ما يجري باسم الديمقراطية ، والديمقراطية براء من ذلك ! أما الأحزاب التي يجلس الآن ممثلوها في السلطة كونهم منتخبين ، فهم رهان إرادات خارجية أكثر من صنع إرادة داخلية ، بدليل ما يفرض على العراق من أجندات متضادة ! وربما يقول قائل : إن عدم تشكيلهم حكومة عراقية حتى اليوم بعد مرور قرابة ثمانية أشهر على الانتخابات العامة ، يعد دليلا على أنهم أقوياء يريدون فرض إرادتهم الداخلية على ما تتطلبه قوى الصراع الإقليمية في المنطقة أو الإرادة الأميركية رسميا بحكم اتفاقية أمنية ! هذا التنطع لا أساس له من الصحة أبدا ، بدليل اختلاط الأوراق الداخلية مع أوراق القوى التي تتّنفذ نفوذا كبيرا في العراق ، بل وتؤثر تأثيرا واضحا على قرار العراقيين . العراق اليوم ، لا هو بيد حاكم دكتاتور أو زعيم واحد كما كان عليه وضعه في الماضي ، ولا هو بيد شعبه الذي ناضل من اجل الحرية والديمقراطية والحياة الآمنة الكريمة .. لقد أمسى العراق بيد مجموعة حاكمة متنازعة لا تستطيع إدارة الصراع ، وكانت هي نفسها وراء كل ما يحدث للعراق ، وجعلوا شعبه ينازع بعضه بعضا .. لم تجد قاعدة شعبية واحدة ، بل تجد اليوم عدة قواعد متفرقة ومتنازعة حول حكم العراق ، ويقودها أبطال ماراثون سلطة يعلنون عن حكم شراكة ( وطنية ) ، ولكن الثقة مفتقدة تماما في ما بينهم .. إن وضعية العراق اليوم صعبة جدا كونها تمشي نحو التعقيد ، من دون أي إزاحة لركام المشاكل السياسية والاجتماعية . إن أي لحظة تاريخية تتوفر في تغير الموقف ببغداد ، سيقود البلاد أما إلى جحيم جديد أو سينقذها إلى بر الأمان . وكثيرا ما يصدّق حكام العراق تأييد الشعب لهم ، من دون أن يعلموا أن العراقيين ينقلبون مباشرة لتأييد من يتولى أمرهم !
إن صراع الإرادات في الإقليم للتدخل في شؤون العراق ليس مبعثه أية مصالح إقليمية ، بل مصدره تصفية حسابات أيديولوجية أساسا ، فالشرق الأوسط اليوم منقسم طائفيا بين نفوذين عقائديين سياسيين بين سنة وشيعة ، والعراق فرس رهان قديم لهذا أو ذاك ، كونه البؤرة التاريخية الأولى لولادة ذلك الانقسام وتطوره .. وهو عقدة تاريخية لكل من العرب وإيران وتركيا ، يتيح لهم اليوم أن يلعبوا لعبتهم على ترابه الوطني ، ليدفع أبناء شعبه الأثمان الغالية من دمائهم وأرواحهم ولعلّ أسوأ دور مورس في العراق منذ زمن بعيد يتمثّل بإحياء الفتنة الطائفية التي لا مصلحة للعراقيين بها أبدا !
السؤال الآن : هل باستطاعة العراقيين أن ينفضّوا بسرعة من انقساماتهم التي أخذت تترّسخ على حساب أمنهم ومستقبلهم ؟ هل باستطاعتهم أن يوحدوا كلمتهم ، ويحترموا مشاعر بعضهم الآخر ؟ إن غالبية الشعب العراقي ، ترفض الاملاءات الخارجية ، وفرض إرادات الغير كما يتضح من نضالاتهم ومقاومتهم .. ولكن هل باستطاعتهم أن يتقدموا خطوة واحدة أو خطوتين اثنتين إلى الأمام ، تتمثل أولاهما بالتجديد السياسي لمضمون كل من الأحزاب والدستور والعملية السياسية .. وتتضمن ثانيتهما بأن يقبل كل طرف للطرف الآخر بكل ما يعتقده هذا خطيئة ويعتبره ذاك إجراما ، بحيث لا يمكن لأي طرف عراقي أن يتلقى أوامره من خارج الحدود .. ، فأنت أينما تولّي وجهك اليوم تجد الصراع على أشده بين العراقيين بسبب التشظي الطائفي والعرقي سياسيا في العراق . أقول إذا تحقق كل من هذين الشرطين ، فسيكون العراقيون في مأمن من الآخرين .. وسيقولوا للعالم : نحن أصحاب القرار في شأننا العراقي ، ولا يمكن لأحد أن يتدخل في امرنا .
وعليه ،لا يمكن للعراق من تكوين إرادته الوطنية وتحديد مشروعه السياسي ، إلا إن أدرك كيفية إدارة الصراع ، بإبعاد شعبه عن التحزبات الطائفية وعن خلق الخصومات التي لا مبرر لها ، ليستقر العراق من خلال أجندة مدنية ودستورية تفصل بين السلطات .. وان تنبثق حكومة تتجرد من الحزبية والنفعية ، وتقوم لجنة قانونية مستقلة بإصلاح الدستور ليقوم الشعب بانتخاب كل من رئيس جمهوريته ورئيس حكومته ورئيس برلمانه بنفسه .. وان يتداول السلطة أناس أكفاء لا يعرف عنهم غير عراقيتهم ، ومهما كان دينهم أو عرقهم أو طائفتهم ، وقد اسقطوا من قاموسهم كل الانتماءات مع احترامهم لها ، إلا الانتماء للعراق ، ليكون العراق بلدا محترما في هذا العالم . فهل ستتحقق دعواتي ؟ قولوا : إن شاء الله .

نشرت في البيان الاماراتية ، 8 نوفمبر 2010 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …