الرئيسية / الشأن العراقي / هستيريا طير يرقص مذبوحا!!

هستيريا طير يرقص مذبوحا!!

اقبل العراقيون على الانتخابات التشريعية لعام 2010 ، من اجل أن يفتحوا نافذة نحو مستقبل أفضل مما عاشوا عليه سابقا ، وانتظروا النتائج ، فاذا بهم يجدون أنفسهم وقد ازداد انقسامهم السياسي ، باستقطاب زعيمين اثنين قرابة ثلثي الأصوات ، إذ انحاز لكل منها هذا النصف أو ذاك من العراقيين لأسباب متباينة .. ولكن هستيريا عارمة أصابتهم بعد إعلان النتائج ، والخوف أن تتحول الانقسامات إلى صراعات ، إن لم ينجح العراقيون في الاحتكام للديمقراطية ، واذا لم يدرك الجميع كونهم مختلفين ، لا ينفي أنهم تحت سقف وطن واحد يجمعهم . إن الديمقراطية تتيح للجميع فرصة المشاركة ، دون أي إقصاء أو تهميش ، وبلا اتهامات أو جنايات .. ولا يتحمل الشعب بعد أن قال كلمته أية صراعات داخلية أبدا .
إن مسألة خطيرة تمارس في العراق باسم الديمقراطية ، ذلك أن تشكيل أية حكومة ، أو توزيع أي مناصب سيادية أو غير سيادية ، دبلوماسية أم غيرها ، يمر كله عبر مساومات على حساب القيم والمصالح الوطنية . إن أي اتفاق سيحصل بين الأطراف المتنازعة على الحكم ، والتي قال الشعب كلمته فيها ، ستمر بطريق مساومات وابتزاز مواقف ، ودفع أثمان باهظة لم نشهدها في أية تجارب أخرى في العالم . ويبدو واضحا أن الأطراف المشاركة والمتطلعة إلى حكم العراق ، ليس لها إلا هدف واحد يتمثل في تسلم السلطة ، والاستئثار بالقوة والنفوذ وصنع القرار ، وهذه الغاية تبررها كل الوسائل التي تستخدم اليوم من اجل كسب السلطة !
لقد نجحت الانتخابات التشريعية لعام 2010 في العراق ، سواء بقوائمها المفتوحة لا المغلقة ، أو بعدم استخدام المرجعية الدينية شعارا ، وزحف ملايين العراقيين لصناديق الاقتراع دون أية منغّصات .. ليقولوا كلمتهم في مرشّحين حصّلوا أعلى الأصوات ، ولكن كثيرين منهم لم ينجحوا أبدا في فهم الديمقراطية ، ولا يسعون لخدمة العراق ، بقدر سعيهم لتسلم السلطة ، أو احتكارها والبقاء فيها . إن الانتخابات الأخيرة قد أظهرت للعالم كله أن الطائفية لم تزل مستقطبة لدى عراقيين تهمهم السلطة ، مهما كلّف ذلك من أثمان ، بل ويصارعون كل الوطن من اجلها ، لتسجيلها باسمهم في دوائر الأملاك !
المشكلة التي تتفاقم اليوم عراقيا ، وبعد أن أعلنت نتائج التصويت .. تكمن في إذكاء بعض الأطراف لكل العوامل المسيئة للقيم والاعتبارات الوطنية .. وما ينشره اليوم العديد من الكتّاب السياسيين المحسوبين على هذا الطرف أو ذاك ، لا يمكن عّده مادة سياسية رصينة تعّبر عن إرادة وطن ، ولا حتى رأيا يحترم الآراء الأخرى .. إن ما يدهش حقا هو هذا المناخ المشبع بالأحقاد بين العراقيين اليوم ، وأنهم يستسهلون التعبير عنه بلا أية مشكلة .. إنهم يعيشون انقسامات رهيبة ، تتنازعهم فوبيات مرعبة ومتباينة في ما بينهم ، بل وبلغت حدة المشاحنات في ما بينهم إلى حدّ القسوة والتنكيل ، بحيث بدأ الإنسان يخشى من تفاقم رمي كل أكوام هذا الحطب على النار التي ستأكل الأخضر واليابس ..
لقد أتضح إن المشكلة لا تكمن في أصحاب العمائم السوداء أو البيضاء فقط ، بل تكمن في أناس عاشوا منذ طفولتهم على التعّصب والكراهية ، فالمشكلة ليست في المظاهر أو ما يسمعك من الكلام ، بقدر ما تكمن في نزعات العراقيين المتباينة ، طائفية كانت أم شوفينية أم قبلية أو عرقية أو محلية .. الخ صحيح أن بعض العمائم تطايرت في جولة انتخابات 2010 ، ولكن ما هذه الهستيريا التي أصابت العراقيين ؟ هستيريا طير مذبوح يرقص من الألم إزاء أناس ترقص في الشوارع من الفرح ! وإذا ما انقلبت الآية ، فستجد المشهد نفسه ، ولكن هذا العراقي سيرقص فوق أشلاء عراقي آخر ! إن التعبير عن هذا الحدث عراقيا قد تبلور من خلال انقسام وطني فاضح بين مجتمعين اثنين ، يسميه السياسيون الجدد بـ ” المكونين ” الاثنين ، وما بينهما مكّون ثالث يساوم هذا أو ذاك ليصطف مع من يعطيه أكثر! انقسام بين اثنين ، هذا يعبر عن فرحة عارمة بالانتصار خلاصا من عهد مضى بأربع سنوات عجاف ، شهد فيه الوطن كل موبقات العصر ، وكأن العهد الجديد سينقذه من انسحاقاته المريرة ، أو حتى يخفف من غلوائه إن بقي هذا يأخذ طولا وذاك يأخذ عرضا .. هذا جعله انتصارا حقيقيا للإرادة التي كانت مثلومة ، مقابل خصمه الذي اعتبر يوم إصدار النتائج يوما اسود في تاريخ الشعب العراقي ، لأنه يعتقد أو يتوهم أن أحلامه قد طارت ، وان الحكم ينبغي أن يبقى فقط للأحزاب التي حكمت !
إن النزعة الوطنية مغيبة بالكامل ، ويا للأسف الشديد ، ما دامت محتكرة بالاسم من قبل هذا ” المكّون ” أو ذاك ، وما بين الاثنين أحقاد دفينة لا يعلم بها إلا الله !
كفي للطير العراقي الذي يرقص مذبوحا من الألم ! كفى هستيريا عراقية شاذة ، تغدو طازجة بمناسبة أو دون مناسبة من اجل السلطة ! كفى تعصبا وغلوا تجاه أي طرف من الأطراف ! كفى كراهية في حق هذه المدينة ، أو ذاك الإقليم ! كفى من يربون أولادهم على أحقاد دفينة ! كفى أولئك الذين يوزعون مشكلاتهم على الآخرين ! لقد جاءتكم فرص عدة لتأخذوا دوركم في التاريخ ، ولكنكم ضيعتموها بمنازعاتكم وانتهاكاتكم وتخندقاتكم وانقساماتكم .. ! اختلفوا مع بعضكم سياسيا وفكريا بديمقراطية ، ولكن لا تتنازعوا وطنيا ولا اجتماعيا بقسوة .. وتعلموا أن الديمقراطية يوم لك ويوم عليك ، وان الحكم مجرد إدارة لمؤسسات وليس احتكار زعامات ! واعلموا أن الماضي لا يمكن أن يرجع أبدا .. فهل تعلمتم شيئا من دروس الآخرين ؟

نشرت في البيان الامارتية ، 31 مارس 2010 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …