الرئيسية / مقالات / أمنيات سنة جديدة لعالم مضطرب

أمنيات سنة جديدة لعالم مضطرب

دخل علينا قبل أيام عام 2010 الجديد ، بعد أن عاش العالم كله إخفاقات ومنجزات عام مضى . فهل نجح العالم في حل مشاكله ، أم أنها تفاقمت بشكل مريب ومخيف ؟ هل نجح الإنسان في وضع حلول لجملة هائلة من المشكلات التي تعاني منها بلدان ومجتمعات على خارطة هذا العالم .. أم أن عدة مشكلات قد انبثقت ، وهي مضافة إلى سلسلة ما ينتظر حلّه ؟ هل نجح الإنسان في خلق عوامل جديدة تدعم السلام العالمي والبيئة والصحة والتربية .. وتحسين ظروف المجتمعات المسحوقة والكسيحة ؟ هل كانت هناك ثمة إرادات جديدة ، تمنح المرأة حقوقها ، وتأخذ بأيدي أطفال العالم إلى الطمأنينة ؟ هل نجح العالم في حل مشكلات متفاقمة في أماكن جغرافية متعددة ؟
ودّع العالم قبل أيام سنة راحلة نحو التاريخ ، واستقبل سنة جديدة بالأفراح والأضواء الملونة وتبادل الأمنيات الجميلة .. وهي عادة درج عليها العالم ، وأصبحت منتشرة في كل أرجائه .. هنا ، تثار تساؤلات في مجتمعاتنا التي تجد نفسها في قلب هذا العالم جغرافيا ، ولكنها ـ كما يبدو ـ في نهاية هذا العالم تاريخيا ! وعلينا أن نتساءل عما ينتظر عالمنا أولا ، ومنطقتنا ثانيا على امتداد عام جديد ، احتفل بمقدمه كي يكون عاما تتحقق فيه كل الأمنيات التي ينتظرها ملايين البشر على وجه الأرض .. وتنتظرها شعوب ومجتمعات كي تتحقق لها تطلعاتها بحياة كريمة ، واستقرار آمن ، ورخاء واسع ..
نعم ، سيحمل العام الجديد في جوفه مفاجئات كبيرة ، وسيفتتح ـ كما اعتقد ـ مرحلة تاريخية جديدة ، وانطلاقة جيل جديد في هذا العالم ! انه سيشهد ولادة تاريخية جديدة لعالم تتفاقم فيه الاضطرابات والمشكلات مع تسارع الزمن ، وزيادة السكان ، وانخفاض الطاقة ، وقلة الموارد ، وتفاقم الأزمات الاقتصادية والمالية .. فضلا عن حدوث اضطرابات اجتماعية وثقافية في مجتمعات تضم أعدادا كبرى من المهاجرين ..
أما منطقتنا في الشرق الأوسط ، فما الذي تحقق لها في العام 2009 ؟ ما الذي استجد من حلول لمشكلاتها القديمة ؟ وما طبيعة المشكلات الجديدة التي ولدت ، وستواجهنا تداعياتها في العام الجديد ؟ اعتقد أن إيران ، ستشكل موضوعا خطيرا في نزاعها النووي مع الغرب ، وان مشكلات ستحفّ بالانتخابات العامة في العراق ، ولكن مشكلات العراق اكبر من أن تحل بتغيير أشكال ووجوه من دون تغيير مضامين ومبادئ ! وهل سيتحلل الجمود الذي أصاب عملية صنع السلام بين إسرائيل والفلسطينيين .. أم سيبقى الوضع جامدا ، لحين إزاحة مصادر المواجهة ضد هذه ” العملية ” ؟ ما الدور الذي يمكن أن تلعبه إسرائيل خلال 2010 ؟ هل سيشهد اليمن فسحة من السلام بالقضاء على الحوثيين ؟ هل ستشهد دول مجلس التعاون الخليجي انطلاقة جديدة مع بدء مرحلة جديدة ، وهي قريبة من مربع الأزمات ؟ ما الذي سيحدث في السودان ؟ كيف ستتبلور عليه الحياة السياسية في مصر ؟ هل سيخرج لبنان من أزماته الداخلية ؟
ما الذي سيحدث في أفغانستان بعد اكتمال نقل المعركة منه واليه ؟ هل ستكون هناك جبهة ساخنة ، وضد من ستكون في هذه الحالة ؟ هل ستكون ضد منظمة القاعدة .. أم أن ” القاعدة ” حجة دامغة لمشروعات اكبر من أن نتخيلها ؟ هل ستزداد الفوضى الخلاقة ويعم الاضطراب العارم كل منطقة الشرق الأوسط .. أم سيكون ذلك مؤجلا لسنة أخرى ؟ هل سيحدث أي تغيير في معادلة إيران ، خصوصا وأنها تنتقل داخليا من حالة صعبة إلى حالة أصعب ، بتفاقم المخاطر الداخلية فيها ، فالأوضاع فيها قابلة للانفجار .. فهل سيحدث شيئ في العام 2010 أم يتأخر ذلك ؟ وما الدور التركي المنتظر في المنطقة .. والذي سيزداد قوة وفاعلية مع العام الجديد . ولكن هل ستواجه تركيا مصاعب هي الأخرى ؟ هل ستشتعل الحرب ( أو الحروب ) في أكثر من مكان من هذا الشرق الأوسط ؟ هل ستبقى إيران تتحدى العالم في طموحاتها النووية ، واختراقاتها الإقليمية ، وهوس سياساتها الداخلية والإبقاء على سياساتها في التدخل في شؤون الآخرين ؟
ان المشكلة ليست في البقاء على الأمنيات الجميلة ، وتبادل التهاني والتبريكات بسنة جديدة ، وخصوصا من قبل الحكام والمسؤولين في بلداننا التي تتفجر فيها المشكلات ، وهي تحيا منذ زمن طويل على الأزمات ، وتمر كل مجتمعاتنا بسلسلة من الاضطرابات .. بل اعتقد أن المشكلة في السياسات التي تمارسها غالبية أنظمة الحكم المتنوعة . فهل هناك أية خطط لدى أي من الحكومات في مواجهة مخاطر سنة جديدة ؟ هل ثمة إستراتيجية محددة لكل بلد من بلداننا في كيفية التعامل مع لديه من مشكلات؟ وهل لديه بعض حلول كي ينجو بسفينته من هول الأمواج ؟ هل يمكن أن تبقى السذاجة سيدة الموقف في التعامل مع العالم ؟ هل يبقى العديد من أنظمة الحكم في منطقتنا لا يتعلم من تجارب سياسية فاشلة لمن سبقه ؟ هل سيبقى مشروع الإصلاح والتغيير مؤجلا في كل بلداننا .. من اجل إبقاء القديم على قدمه ؟ هل ستبقى منطقتنا عرضة للهزات والمفاجآت ، من دون أن يفّكر يوما بكيفية صنع الأداء عند المواجهات ؟
وأخيرا ، هل يعي كل العالم أن الصراع كله على الطاقة لمئة سنة قادمة .. وكل سنة تمضي ، يزداد الطلب على الطاقة التي ستنضب من بلدان وتزداد احتياطياتها في بلدان محددة .. وان ماكنة العصر لا يمكن أن تدوم من غير الطاقة ؟!

نشرت في البيان الإماراتية ، 6 يناير 2010 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا

 الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …