الرئيسية / مقالات / إيران : تداعيات ما بعد منتظري !

إيران : تداعيات ما بعد منتظري !

رحل قبل أيام في إيران احد ابرز الزعماء الروحيين الإيرانيين ، حسين علي منتظري ، الذي كان رمزا لكل الإصلاحيين الإيرانيين .. وقد تسبب رحيله في هياج متظاهرين مناصرين له ، ومعارضين إصلاحيين لنظام الحكم الحالي ، ولم تزل تجري عدة تجمعات تحت صور هذا الزعيم الراحل الذي كان قد انشق عن النظام الذي أسسه الإمام الخميني ، علما بأن تاريخا مشتركا كان قد سجل للاثنين على امتداد زمني طويل منذ أيام الشاه محمد رضا بهلوي .. لكن تصادمت فلسفة كل منهما في طريقة أداء الحكم الديني الذي تأسس في إيران عام 1979 . إن رحيل منتظري قبل أيام قد أعاد أحداث الإصلاحيين إلى الواجهة بعد نزولهم إلى الشوارع في العاصمة وفي عدة مدن إيرانية ، وقد اشتبكت قوات الأمن مع المتظاهرين من المعارضة ، ليعود مسلسل ضرب النساء والرجال في الشوارع مع إطلاق الغاز المسيل للدموع .

ولد حسين علي منتظري سنة 1922 في مدينة نجف آباد في إيران ، وحصل على التعليم الديني في أصفهان العاصمة القديمة لإيران وفي مدينة قم أيضا .. ورافق صديقه الخميني ( ت 1989 ) منذ أيام شبابه ، وكان أستاذهما محمد حسين بروجردي ( ت 1962) .. وكان منتظري قد سجن على عهد الشاه لسنوات طوال 1963- 1970 .. ثم نقل الى تاباس عام 1973 ، وخلقال 1974 والى ساقز 1975 ثم نقل في السنة نفسها إلى سجن ايفين .. ويسجل الرجل صفحات تاريخية من نضاله السياسي ضد حكم البهلويين .. وعندما سقط الشاه وتغيّرت الاوضاع ، أصبح منتظري الرجل الثاني بعد الخميني ، والمؤهل لخلافته .. ولكن ما أن مضت أربع سنوات حتى دب الخلاف بين الرجلين حول فلسفة نظام الحكم في إيران ، ثم تطور إلى خلافات سياسية ، إذ بدأ كل واحد منهما يمشي في طريق خاص به . فالخميني سمى طريقه بحكم ولاية الفقيه ، ومنتظري سمى طريقه بحكم القانون الإسلامي .. وتشكّلت منذ تلك اللحظة التاريخية ، بعد رفض الخميني لأفكار منتظري عام 1985 بذور الانقسام في المجتمع الإيراني الذي يشهد اليوم نضوجا واضحا بين محافظين يؤمنون بولاية الفقيه وبين إصلاحيين يؤمنون ببديل قدمه منتظري ..

وعليه ، فان رحيل منتظري اليوم عن 87 عاما ، وبعد قرابة ربع قرن على الانشقاق ، قد شكّل حدثا مهما لانطلاق احتفالات تذكارية كبرى ، تحولت إلى احتجاجات مؤيدة للمعارضة التي لم تزل تتحدى الحكومة في الشوارع لأشهر طوال ، مذ بدأت على اثر قمع المتظاهرين الذين احتجوا على انتخابات يونيو الرئاسية المتنازع عليها عام 2009 .. وكانت ولم تزل إيران تعيش اضطرابات بسبب معارضتها فوز محمود احمدي نجاد الذي تقول بأنه فاز عن طريق الاحتيال ! لقد اعتقل العشرات في أصفهان خصوصا ، وقالت الأخبار التي تعتّم عليها الحكومة أن الآلاف المؤلفة في تشييع جنازة منتظري ، قد وجدوها مناسبة لإعلان سخطهم الكامل ضد نظام الحكم القائم ، في الشوارع المؤدية إلى المسجد . وكانت قد انتشرت شرطة مكافحة الشغب في كل أرجاء البلاد وهم يرتدون ثيابا مدنية ، ومنها ميليشيا الباسيج الشرسة !

لقد قام الباسيسج بضرب الناس ، بمن فيهم النساء ، واستخدمت الغازات المسيلة للدموع ورذاذ الفلفل الحار لتفريق الحشود المعارضة . وقيل إن القوات الأمنية قد حاصرت منزل جلال الدين طاهري ، وهو من كبار رجال الدين الإصلاحيين الذين نظموا النصب التذكاري. وذكرت الأنباء أن عشرات الآلاف تجمعوا خارج نطاق النصب التذكاري الذي كان الناس يحتشدون عنده منذ الصباح الباكر ، لمناسبة رحيل منتظري عندما هوجموا ، ولكن بشكل وحشي من قبل قوات الأمن والباسيج ، باستخدام الهراوات لضرب وركل النساء والرجال ، مما أسفر عن إصابات بالغة للعشرات من الذين شوهدوا ينزفون وكانوا في حفل تأبين رجل كان مشاركا أساسيا في صنع تاريخ لإيران . وكانت السلطات قد حظرت على وسائل الإعلام الأجنبية تغطية التجمعات بالمناسبة ، كونها علمت أنها ستغدو مرتبطة بأي شكل من الأشكال بحركة المعارضة.

إن المؤسسة الحاكمة التي اعترض عليها الراحل منتظري ، قد وصفها بأنها ستبقى لحين ، ولكنها ستشل البلاد باسم الدين للحفاظ على قبضتها على السلطة ! لقد كان تأبين هذا الرجل مناسبة ملائمة لقوى المعارضة التي تعمل اليوم في الخفاء والعلن لإصلاح نظام الحكم في إيران ، وكان رحيله مناسبة لإظهار التحدي ضد حكام البلاد .. والتي لم تقتصر على أصفهان ، بل أن عشرات الآلاف من المتظاهرين قد ملؤا الشوارع الرئيسية في مدينة قم ، التي تعد محورا لدراسة الفقه الإسلامي الشيعي وتضع نفسها مدرسة منافسة للحوزة العلمية في النجف العراقية . لقد جاء رحيل منتظري متزامنا مع ذكرى عاشوراء التي تعتبرها إيران من أهم الفترات المقدسة في تاريخ الإسلام .. ويحتمل أن تبقى التجمعات حول النصب التذكاري لمنتظري لأيام قادمة ، مما يثير المخاوف الإيرانية من تحّول العزاء إلى تمرد سياسي شامل يصحبه عنف مسلح ! وقد طالب البعض بإعدام زعيم المعارضة مير حسين موسوي الذي يقود حركة تحطيم المحرمات .

السؤال الآن : هل سيؤثر رحيل منتظري على المجتمع السياسي الإيراني في المرحلة القادمة ؟ وهل ستكون لهذه المناسبة تداعياتها على أوضاع إيران الداخلية ؟ والى متى ستبقى أساليب قمع الإصلاحيين سائدة ؟ وحتى إن بقي نظام الحكم قويا في الداخل ، فإلى متى سيبقى يقاوم حركات التغيير التي تطالب به من الداخل .. وعلى أيدي مواطنين إيرانيين حقيقيين ، وليس على أيدي جنود أمريكيين محتلين ؟

نشرت في البيان الاماراتية 30 ديسمبر 2009 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا

 الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …