الرئيسية / افكار / فوبيا الإسلام السياسي ومتغيرات العصر.. أسئلة تبحث لها عن مجيب !

فوبيا الإسلام السياسي ومتغيرات العصر.. أسئلة تبحث لها عن مجيب !

هذا‮ ‬خطاب‮ ‬أوجهه إلي كل المسلمين في العالم،‮ ‬وهدفه نزيه وسام وحضاري ولا علاقة له بأية أجندة سياسية أو فكرية،‮ ‬داخلية أو خارجية‮.. ‬خطاب أقصد بالذات منه،‮ ‬زرع وعي جديد لدي جيل جديد لم‮ ‬يدرك بعد،‮ ‬وهو في خضم موجة عاتية أخذتنا بين تلافيفها منذ ثلاثين سنة،‮ ‬وكانت منذ مطلع القرن العشرين ولم تزل حتى‮ ‬يومنا هذا‮.. ‬تتشظّى عن تقاليد وعادات ولغة لم تألفها مجتمعاتنا قاطبة علي امتداد مئات السنين‮.. ‬إن ما‮ ‬يكرس اليوم لثلاثين سنة قادمة سيأخذ الجيل المعاصر لثلاثين سنة أخري إلي مصاعب لا‮ ‬يمكن احتمالها‮!‬ لقد أثبتت التجارب الفاشلة للإسلام السياسي من خلال جماعاته وأحزابه وتياراته التي بدأت تنتشر بقوة كبيرة في مجتمعاتنا منذ عام‮ ‬‭,‬1979‮ ‬وخصوصا إثر نجاح الثورة الإسلامية في إيران ، وبعد أن زادت الانشقاقات المذهبية وترسّخت سياسيا علي الساحة،‮ ‬وانحسار التآلف والتعايش عن حرب فكرية إعلامية،‮ ‬وعقائدية مذهبية،‮ ‬وسياسية طائفية نعيشها اليوم بكل وضوح‮.. ‬هذه‮ ‬الموجة‮ ‬الكاسحة التي كنت قد حددت جذورها لمائة سنة مضت بولادة ما سمي اليوم بالإسلام السياسي‮.‬

الإسلام‮.. ‬الإسلامية‮.. ‬الإسلاموية
يطلق علي الإسلام السياسي مصطلح‮ ‬الإسلاموية‮ ‬الذي أخذ له بعدا إعلاميا وأكاديميا،‮ ‬ويعني الإيمان بأن الإسلام هو نظام سياسي للحكم قبل أن‮ ‬يكون أسلوب حياة اجتماعية وأخلاقية وحضارية،‮ ‬وأنه نجح منذ بدايته في تشكيل دولة علي‮ ‬يد السلف الصالح‮.. ‬وبالإمكان أن‮ ‬يعاد تشكيل الدولة الإسلامية بواسطته وعلي‮ ‬غرار ما حدث في صدر الإسلام‮. ‬إن المعارضين لمثل هذا‮ ‬الطرح‮ ‬يعتقدون أن كلا من الدولة والمجتمع اليوم،‮ ‬لا‮ ‬يمكنهما أن‮ ‬يكونا كذلك لتعارض الدين مع الديمقراطية،‮ ‬وتباين المساواة عن الحريات والفكر الحر،‮ ‬فالشورى‮ ‬غير الديمقراطية،‮ ‬والمبايعة‮ ‬غير الانتخابات،‮ ‬والحدود‮ ‬غير الحريات،‮ ‬والجماعة‮ ‬غير المساواة،‮ ‬والشريعة‮ ‬غير القانون،‮ ‬والتفقهات‮ ‬غير الإصلاحات،‮ ‬والجزية‮ ‬غير العدالة بين الأغلبية الإسلامية والأقليات الدينية‮.. ‬إلخ‮.‬

هل من فقه جديد‮ ‬يعالج الثوابت والمتغيرات؟
هنا‮ ‬يكمن التصادم بين الثوابت التي‮ ‬يؤمن بها الإسلاميون وبين المتغيرات التي‮ ‬يؤمن بها المحدثون‮.. ‬إن الإسلام السياسي مستند إلي الشريعة أصلا والأصول،‮ ‬وإن الإسلام عندهم ليس مجرد ديانة تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر،‮ ‬بل هو نظام شامل للحياة،‮ ‬لا‮ ‬يمكن تطبيقه إلا كما نزل،‮ ‬لأول مرة،‮ ‬من خلال دولة دينية لها مؤسساتها الشرعية حتى إن تعارضت مع متغيرات العصر‮.. ‬من هنا بدأت المشكلة تأخذ لها أبعادا واسعة علي أرض الواقع بعد فشل كل التجارب السياسية الأخرى التي استندت إلي مرجعيات دستورية أو قانونية أو أيديولوجية أو ثورية‮.. ‬هنا اصطدم الإسلام السياسي بمتغيرات العصر التي لم‮ ‬يعد‮ ‬يتجانس معها،‮ ‬بل لم تستطع تأسيس أي حوار أو أي شراكة بنيوية معه من كل النواحي‮.. ‬واعتبرت كل الحركات الإسلاموية لا هدف لها إلا السلطة والانفراد بالحكم كونها ستبني دولة دينية،‮ ‬أي دولة ثيوقراطية‮.. ‬وهكذا دولة لا‮ ‬يمكنها أبدا أن تحقق أهدافها إلا من خلال الشريعة‮!‬
أسئلة صريحة ومباشرة تبحث لها عن مجيب‮:‬

1/‬هل من اجتهادات معاصرة؟
ولكي نحدد سمات الإسلام السياسي بشكل أوضح،‮ ‬ينبغي أن نتساءل بصراحة وجرأة ونفتح باب حوار العقل والاجتهاد‮.. ‬من دون أي موانع بما‮ ‬يجوز أو لا‮ ‬يجوز،‮ ‬ومن دون أي تهم بالتكفير وإقامة الحدود‮.. ‬دعوني أسأل‮: ‬هل تكفي تجربة تاريخية ناجحة ومثالية انطلقت قبل‮ ‬1224‮ ‬سنة،‮ ‬ولمرحلة زمنية قصيرة أن‮ ‬يعاد تشكيلها من جديد في خضم هذا العصر المثقل بالتطورات السريعة؟ وهل كانت تلك المرحلة خالية من الفتن السياسية والاحتراب والانقسامات؟ وهل كل ما جاء بعد تلك المرحلة الزمنية‮ ‬يعد ملكا عضوضا لا تصلح أي تجربة من تجاربه التاريخية أبدا؟ هل أغلق الإسلام باب الاجتهاد حتى‮ ‬يبقي كل المسلمين‮ ‬يدورون في حلقة مفرغة بالبحث عن السلطة بلا أية مشروعات ولا اجتهادات تخص كل مناحي الحياة الجديدة ومتغيراتها الصعبة؟

إذا كان المجتمع الإسلامي قد عجز عن حل ما كان من مشاكل وتناقضات بعد مائة سنة تقريبا من انتشار الإسلام،‮ ‬فكان أن وجدت المدارس الفقهية علي أيدي فقهاء كبار بدءا بالإمام جعفر الصادق ومرورا بأبي حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل‮.. ‬مع حدوث أكبر ثورة فكرية وفلسفية عصر ذاك،‮ ‬فكيف نقبل اليوم وبعد مرور مئات السنين أن‮ ‬يمرر أي نظام للحكم الإسلامي اليوم،‮ ‬كما‮ ‬يريده الإسلامويون من دون أية اجتهادات،‮ ‬ومن دون أي فقه جديد‮ ‬يراعي أزمات هذا العصر وحاجاته وضروراته‮.. ‬كيف تريدون إرجاع الماضي من دون أي أصول للفقه،‮ ‬ومن دون أية مصالح مرسلة؟ وحتى إن وجدنا هناك من‮ ‬يقدم اجتهادات ويتفقه بشئون الدين ومتطلباته الكبيرة،‮ ‬فهل باستطاعة فقهاء اليوم أن‮ ‬يدركوا طبيعة مشكلات هذا العصر ومستلزماته؟

2/ ‬أين أنتم من تاريخ الإسلام؟
إن كان فقهاء الدين‮ ‬يتدخلون في كل دقائق حياة المجتمع والأفراد اليوم،‮ ‬فهم سيفشلون حتما،‮ ‬لأنه ليس باستطاعتهم أبداً‮ ‬أن‮ ‬يقدموا ما‮ ‬يلائم روح العصر،‮ ‬فالعصر قد كثرت تخصصاته وأصبح بالغ‮ ‬التعقيدات،‮ ‬فهم هنا سيجنون جناية كبري علي أجيال كاملة،‮ ‬نسأل‮: ‬هل تدخل‮ ‬الفقهاء الأوائل في العصر العباسي الأول بشئون عصرهم ذاك؟ هل وجدنا مشروعاتهم تصب في عالم إسلام سياسي وفكري وفلسفي أم كانت كلها تدور حول العبادات الفردية والتصرفات عند الإنسان؟ لقد جنت الحركات السياسية في الإسلام علي مجتمعاتنا قاطبة،‮ ‬ومزقتها إلي فرق وجماعات ومذاهب‮!‬

علينا أن نسأل المؤمنين بالإسلام السياسي المولود مؤخرا،‮ ‬ولم نجد له مثيلا علي امتداد التاريخ‮: ‬كيف‮ ‬يري أصحابه ورواده تاريخنا الإسلامي بطوله وعرضه؟ هل‮ ‬يعتقدون بصحته أم ببطلانه؟ إذا اعتقدوا بصحته فهم بذلك‮ ‬يخالفون حقيقة ما‮ ‬يدعون إليه،‮ ‬وإذا اعتقدوا ببطلانه،‮ ‬فهل كل أنظمته السياسية وأجهزته ومؤسساته وحكوماته كانت علي خطأ،‮ ‬وأنهم هم وحدهم علي صواب؟

وما رأيهم بالانقسام السياسي الذي حدث منذ البداية؟ ثم لحقت به الانقسامات السياسية،‮ ‬لتغدو بعد ذلك انقسامات تطال العقدية والشرعية‮.. ‬ما رأيهم بالفرق والتشيعات والجماعات؟ ما رأيهم بالمذاهب والطوائف والملل؟ من الذي أحدثها في مجتمعاتنا منذ القدم؟ ألم تحدثها الحركات السياسية والصراع من أجل السلطة؟ هل كان الإسلام السياسي خاليا من الصراعات‮ ‬منذ اجتماع السقيفة حتى‮ ‬يومنا هذا؟ وإذا طبق الإسلام السياسي في العالم الإسلامي،‮ ‬فأيهما أجدر بالإتباع‮: ‬السني أم الشيعي؟ ألا‮ ‬يعتقد رجال الإسلام السياسي أن خلافهم مع بعضهم البعض سياسيا سينتج صراعات اجتماعية داخلية لا أول لها ولا آخر؟ هل‮ ‬يعتقد الإسلاميون أن عاطفتهم تسبق العقل في عدم تعرفهم علي حقيقة ما‮ ‬يعانيه العالم الإسلامي من مشاكل مذهبية وطائفية لا‮ ‬يمكن حلها في أن‮ ‬يفرض كل حزب أجندته علي الآخر؟

3/علماء دين أم رجال سياسة؟
وأسألكم أيضاً‮: ‬هل وصل رجال الدين إلى السلطة طوال التاريخ الإسلامي؟ أم كانت القيادة بأيدي السياسيين والعسكريين فقط؟ ألم تكن الشريعة من اختصاص الفقهاء ورجال الإفتاء والمراجع الكبار؟ هل كان القرار السياسي في كل الدول الإسلامية وعلي طول تاريخنا‮ ‬يصنعه القائد السياسي أم رجل الدين؟ ألم‮ ‬يكن الخليفة العباسي هارون الرشيد من أعظم خلفاء‮ ‬الإسلام عندما‮ ‬يحج عاما ويغزو عاما‮.. ‬لماذا كان‮ ‬يصنع قراره السياسي وحده‮.. ‬أما شئون الدين فهناك‮ الفقيه ‬أبو يوسف‮ ‬هو المسئول عنها؟
هل باستطاعة الإسلاميين أن‮ ‬يفسروا لنا ما الفرق بين الإسلام الأصولي وبين الإسلام السلفي؟ ألا‮ ‬يعتقدون أن الفرق واضح جداً،‮ ‬ولكن ليس هو نفسه،‮ ‬فأتباع السلف الصالح هم‮ ‬غير أتباع الأصول العقدية؟ أسأل أيضاً‮: ‬لقد عاشت مجتمعاتنا منذ قرابة ألف سنة وحتى لزمن قريب،‮ ‬وهي تعج بالطرق الصوفية وأسلوب الطرائق في عموم العالم الإسلامي حتى وقت قريب‮.. ‬فهل كان أولئك الناس بشرا بلا إرادة وبلا أي وعي،‮ ‬وقد توارثوا الإسلام بمثل تلك التقاليد،‮ ‬التي صبغت حياتهم وتفكيرهم؟ ألم‮ ‬يكن أولئك المتصوفة من المسلمين؟ لماذا لم‮ ‬يتهموا أنهم طلاب سلطة؟ لماذا لم‮ ‬يسفكوا الدماء؟
ثم أسألكم‮: ‬منذ أكثر من ألف سنة والمدارس الدينية‮ ‬يتخرج في أروقتها الآلاف المؤلفة من العلماء على امتداد التاريخ‮.. ‬هل تنادى أحد منهم بأي إسلام سياسي؟‮

نشرت في مجلة روز اليوسف المصرية ، 14 نوفمبر 2009 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

مطلوب لائحة اخلاق عربية

تعيش مجتمعاتنا العربية في حالة يرثى لها، لما أصابها من تفكك سياسي جعلها تتمزق اجتماعيا، …