الرئيسية / الشأن العراقي / هذا العراق .. المَجنيُّ عليه !!

هذا العراق .. المَجنيُّ عليه !!


ملاحظة :
نشر هذا ” المقال ” فجر هذا اليوم الخميس 20 آب / اغسطس 2009 ، في جريدة الصباح بعد مرور أسبوعين على حجبه لظروف الأزمة التي مّرت بها .. وينشر هذا ” المقال ” بعد ساعات على المأساة التي شهدتها بغداد وما تعّرضت له من هجمات وتفجيرات أدانها كل العالم ..

سلسلة احتراقات .. لماذا ؟
حرائق تلتهم نيرانها مؤسسات مهمة .. من يقوم بها ؟ ماذا يقصد من ورائها ؟ لماذا يكّتم عليها ؟ لماذا تسّجل دوما قضاء وقدرا ؟ لماذا لا يحاسب من هو مسؤول ومقصّر ؟ لماذا لا اجد أي اهتمام جاد من قبل الحكومة العراقية بما يحدث ؟ حرائق اندلعت في مؤسسات حكومية عديدة ، منها ما حدث في وزارة النفط ووزارة الصحة وسوق الشورجة ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية ومرآب الامانة العامة لمجلس الوزراء والبنك المركزي .. ومن قبل ذلك ما احرق من وثائق البصرة .. وكان آخرها احتراق مطابع دار الشؤون الثقافية .. ويبدو ان هذا ” المسلسل” سيبقى بلا علاج ولا متابعة ولا أي تحقيق الى زمن قادم من دون أي قرارات رادعة ، وان كل حوادث الحريق اما تفّسر سياسيا ضد معارضين من انصار النظام السابق ، او نتيجة تماس كهربائي للهروب من قلب الازمة .. ويبدو واضحا ان الحرائق جنايات تأتي لتغطي على جرائم وجنايات اخرى ، ولتحرق كل المستندات والوثائق التي تثبت حقائق ما حدث او ما يحدث !

سياسات التعتيم الاعلامي
ان حريقا يلتهم مليارات الدنانير العراقية من مال العراقيين العام، وان الاجهاز بالنار على طوابق مهمة في مؤسسة خطيرة ، وان يشعل عود ثقاب لصناعة حرائق تندلع بسرعة مباغتة فتأكل الاخضر واليابس .. ان ضجة تحدث هنا وهناك ثم يصمت الجميع عن الجريمة .. ان صمت الحكومة العراقية دون أية اجراءات رادعة .. كلها تشير الى ان مثل هذه الجرائم تأتي عن قصد وسبق اصرار .. تأتي عن تنفيذ خطط مبيتة كي تكون واحدة من صفحات الفساد والصفقات المشبوهة التي يعد كل مسؤول في البلاد مدان عليها ، ما دامت اللجان التحقيقية التي تؤسس ، تغلق موضوعاتها ومضامينها ، وتتكتكم على اوراقها التحقيقية ، وتعتم على اسرار لا تريد ان يعرفها الجميع .
ان مجرد التعتيم على الحقائق التي تطال جملة اشخاص ومسؤولين كبار وصغار واحزاب وجماعات وميليشيات .. هو جريمة لابد ان يعاقب عليها القانون . واذا لم تكن لمثل هؤلاء اية علاقات مشبوهة او صفقات سرية ، فلماذا يسعون الى طمس الاحداث ، وعدم اتخاذ اية اجراءات رادعة ضد مسؤولين قائمين على تلك المؤسسات ؟ لماذا يتملصون من واجباتهم الوطنية ؟ وحتى ان كانت جرائم سياسية ، ما هي الاجراءات المتخذة بحق من تثبت ادانته مهما كان اتجاهه السياسي ؟ الا يعتقد الناس ، ان سيناريو تدمير العراق هو واحد ، سواء كان باسلوب الحرائق ام باسلوب الاختلاس ام الصفقات المشبوهة ام تهريب المال العام ام سرقات الحصة التموينية ام الرشاوى ؟؟؟ وكلها اساليب اعتاد عليها المسؤولون العراقيون منذ زمن ليس بطويل ابدا .

المسؤولون مسؤولين
ان اشعال الحرائق هو الاسلوب الاسوأ الذي يحسم كل الامور لازالة آثار الجريمة نهائيا ، والتحرر من اية ادانات .. هنا ، نسأل : لماذا لم يكترث أحد من المسؤولين لما يحدث ؟ لماذا لم نجد أي حرص منهم على موجودات العراق واموال العراقيين ؟ لماذا تتم التغطية بسرعة ، ثم ينسى الحدث لاستقبال حدث آخر اتعس وأمرّ ؟ لماذا افتقد الاحساس بالمسؤولية من قبل المسؤولين على مؤسسات البلاد ؟ في دول ومجتمعات اخرى ، يقّدم المسؤولون استقالاتهم مباشرة ان فشلوا في ادارة مؤسساتهم .. فما هذه الصفاقة التي يتلبس بها بعض المسؤولين العراقيين الذين جاءت بهم احزابهم وتحالفاتهم الى المسؤولية ؟ اين موقف المسؤولون الكبار في الدولة مما يحدث ويجري ؟ اين هي دولة القانون التي نتغنى بها جميعا ؟ اين هم المسؤولون الذين يتحدثون باسم الوطن والوطنية ؟ الكل مشغولون بكيفية البقاء في السلطة ! الكل مشغولون بالصراع من اجل النفوذ والقوة والمال العام تحت مسميات براقة ! الكل مشغولون بالانتخابات القادمة ! الكل يسعى من اجل اللعب باوراق سياسية وخفية ! الكل لا تهمه مصلحة العراق والعراقيين ! الكل يتحدث باسم الديمقراطية والنهج الوطني وسيادة القانون ! الكل يغطّي على الكل فمن يفّوت على هذا ، يفّوت على ذاك ! الكّل يدرك حجم الجريمة المرتكبة بحق العراق والعراقيين .. ولكنه يّصر على السكوت ! السياسيون يسكتون لقاء اثمان حزبية ومناصب موعودة والمصفقون يصفقون لمعتقدات متخلفة .. والمجتمع صامت وهو يكظم غيظه ، ويأكل نفسه بنفسه .. ولكنه يتحيّن الفرصة المناسبة للهياج والتمرد والثورة ! الكل يعرف ان العراق يعبث به الفاسدون والسراق والقتلة والمجرمون والارهابيون والغرباء والدخلاء والمحتلون .. وكنت اتمنى ان يترجم مصطلح ( دولة القانون ) الى فعل حقيقي . لقد بدا ان قسما من موظفي الدولة وضباطها هم من الضالعين في الجريمة العلنية .. ولم نسمع عن اية اعترافات ولا عن نتائج اية تحقيقات ، ولا عن اذاعة اية اسرار ، ولا عن اية ادانات ، ولا عن اية عقوبات علنية رادعة ! انني اطالب الحكومة العراقية باعلان وفضح كل الاسرار وان تشهر عقوبات المدانين على الناس ، كي تكون مثلا للاخرين ممن تسّول لهم انفسهم التلاعب والاجرام .

الواقع المجنّي عليه !
حرائق وسرقة بنوك وعمليات سطو واغتيال .. ترتبط كلها بالفساد الاداري ، وان هذا الاخير يرتبط بشكل او بآخر بالفساد السياسي الذي يؤسس للاول ، ذلك ان القادة العراقيون هم المسؤولون عن الوزراء والسفراء والاداريين والموظفين الكبار الذين نصبوهم على رأس المديريات العامة والمؤسسات الكبيرة .. فالادانة لا يمكن ان يقصرها الكبار على الصغار لوحدهم ، بل ان الجميع يشترك بمسؤولية ما يحدث .. وهم يعلمون بأن احراق الوثائق هي اكبر جريمة ترتكب عادة كونها تخفي كل الاسرار لما يمكن التحقيق فيه حاضرا او مستقبلا ! انه تخريب لواقعنا المجني عليه ، وانه تزوير للتاريخ المزوّر فيه ! ولم تعد الناس تكترث لهول ما يحدث كونها عجزت عن ملاحقة هذا التطور السيئ في العراق المجني عليه .. العراق المهترئ الذي لا يريد البعض ان تقوم له قائمة .. العراق الذي لا يريد البعض الاخر ان يجده مستقرا وناميا ! العراق الذي يحاربه البعض الاخر في وحدته وقوته ! العراق الذي يريده البعض مستهلكا وهجينا ! العراق الذي يريد البعض ان يبقيه بقرة حلوبا ، او بستانا منهوبا !
ان مسلسل العراق المجني عليه منذ نصف قرن لم يزل يشعل النار ويسقط الاحجار في بلاد دفعت الاثمان الباهضة من تركة التاريخ الصعب والجغرافية المركزية ! انه مسلسل كان ولم يزل يسري لسحق العراقيين وممتلكاتهم بعد ان طال السحق ارواحهم ونفسياتهم واهرق دمائهم .. ان ما نعيشه اليوم ايها العراقيون هو حصيلة ركام نصف قرن من الضياع ! ان من يقبض على انفاس العراق والعراقيين اليوم هو واحد في سلسلة من قبض على انفاس العراق والعراقيين ، ولكن تتبدل الاساليب والسيناريوهات والاوجه والابواق والشعارات والاشكال .. فلكل زمان في العراق دولة ورجال او سلطة واشباه رجال !

مسائلة للدوائر السيادية
انني أسأل الدوائر السيادية العراقية الموقرة : ماذا حّل بلجانكم التحقيقية ؟ ماذا فعلتم بكل من اجرم بحق العراق والعراقيين سواء كان في داخل العراق ام خارجه ؟ ثمة رجال في العراق اليوم ، هم من اعظم الناس ولكن ثمة اناس وجدوا انفسهم في اماكن ليسوا مؤهلين لها ابدا ، وهم يدركون حجومهم وقابلياتهم .. يدركون سذاجتهم وغبائهم ، ولكنهم يريدون فرض ارادتهم على الشعب العراقي بأي وسيلة كانت ! اتمنى على الاخوة المسؤولين العراقيين ان يثيروا حراكا رسميا قويا باتجاه فتح ملف تحقيقي يرافقه ملف سياسي واعلامي كي يدرك العالم ما الذي يحدث في العراق ! وكنت اتمنى ان بعض المسؤولين الذين طالت الحرائق مؤسساتهم ان يقدموا اعتذارا ويقّدم نفسه ان امتلك الجرأة الكافية ليتحمّل مسؤولية ما يحدث ويضع نفسه تحت طائلة القانون ! كنت اتمنى على الفاشلين ان يعترفوا بفشلهم ويقولوا للناس : عفوا انني رجل غير مناسب لهذا المكان ! كنت اتمنى ان اجد عراقيين مخلصين متفانين .. يقفون امام الحكومة والناس ليعلنوا انهم عاجزون عن خدمة شعبهم ! كنت اتمنى على كل مخلص في الدولة ان يحيل دائرته الى خلية نحل في الليل والنهار ، وان يدافع بالغالي والنفيس عن املاك العراقيين واموالهم .. بدل هذا الزهو والعنتريات والتبجحات ! كنت اتمنى على الدولة ان تحيل كل من يسئ من المسؤولين للدولة والمجتمع الى محكمة خاصة وتتخذ ضده بعد ادانته كل الروادع التي تجعله يخشى الدولة والنظام والقانون !

واخيرا : هل ستتبدد صرختى ؟
وأخيرا أسأل : هل ستأخذ الدولة بكل هذه المقترحات التي تأتي معّبرة عن هموم شعب نبيل ، ومعاناة بلد ثري أصيل .. وعلى لسان لا يريد الا الخير للعراق والعراقيين أجمعين ؟ هل ستكون صرختي هذه بمثابة نداء حر من اجل الإصلاح والبناء ؟ وهل ستتبدد في فضاء هائل كبير حيث لا تسمع فيه الا تصفيق المؤيدين أو شماتة المعارضين ؟ هل سيؤخذ بما أقول ، ولو في لحظة تاريخية معينة ؟ إنني اشك في ذلك !

نشرت في الصباح البغدادية ، 20 اغسطس 2009 ، ويعاد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

نقطة نظام ضد الفساد والمفسدين والفاسدين

ملاحظة : طلب مني عدد من الاصدقاء العراقيين ان اعيد نشر هذا ” المقال ” …