الرئيسية / مقالات / كيفَ أصبحَ العالم ينظر إلينا ؟

كيفَ أصبحَ العالم ينظر إلينا ؟


المقاصد الحقيقية
أثار المقال الذي نشرته على حلقتين سابقتين في إيلاف بعنوان ” مشكلات المسلمين في الأوطان الجديدة ” ردود فعل ليست بالقليلة .. واستكمالا للموضوع ، فأنني سأتحدث اليوم عن رؤية العالم إلينا ، وخصوصا ، إلى من يمثلنا هنا ، أو هناك في شتات هذا العالم . إن احترامي لقرائي الكرام يجعلني لا أتوقف عند أية أمور مبسطة ، أو مصطلحات عادية لأفسرها ، فيضيع الموضوع كله .. ذلك أنني اعتقد أن القارئ الكريم له درجة مقبولة من فهم طبيعي للأمور والمفردات .. فان تكلمت عن مشكلة معينة ، فليس معنى ذلك أنني شملت بها الجميع ، ولكن الجميع ستشمله أية استحقاقات يقوم بها من هو محسوب على وطنه الأم ، أو قوميته ، أو دينه ، أو حتى ملته وطائفته ! وكثيرا ما يساء قصد بعض الكتاب والمؤلفين من خلال عدد من القراء الكرام ، وهم من مختلف الاتجاهات والمشارب ، كونهم لا يلتقطون المبادئ السليمة التي انطلق منها الكاتب ، وما الذي يقصده من إثارته الموضوع ، فضلا عن البعض الذي يكتفي بقراءة سطحية ليعطي رأيه على عجل ، وهو له موقفه المسبّق من الكاتب .. إنهم يتوهمون الأخيلة حقائق ويفسرون ما لا يراه الكاتب على هواهم ! واليوم يخرج علينا بعض القراء الكرام ليّزج بنفسه في ميدان بملء إرادته ، ويحّرف المقاصد الحقيقية من جانبه كيلا تصل الفكرة الحقيقية ليس إلى أصحابها ، بل إلى الناس أجمعين ! دعوني اختزل ـ هنا ـ بعض أفكار تطرح سياسيا وإعلاميا عن مشكلات الجاليات المسلمة هنا في الغرب .

صراع ثقافات
اليوم الصراع بين الثقافات يأخذ مدى ساخنا جدا ، وهو ليس رهين دول وأنظمة سياسية حسب ، بل أصبحت المجتمعات هي التي تقود صراع الثقافات ، ولا أقول ” صراع الحضارات ” ، إذ اعتقد بأن المفكر الأمريكي الراحل صموئيل هنتغتون قد اخطأ التعبير والعنوان الآن ، وربما كان للحضارات أن تتصارع بعد أن كانت تتفاعل ..اليوم ، أجد ، وبتواضع شديد ، ومن خلال قراءاتي المتنوعة لما ينشره كتاب غربيون بالذات ، أو ما اسمعه بأذني من هذه الجامعة او هناك من ذاك المؤتمر بالعالم ، أن الثقافة ، وبضمنها الدين والتقاليد والأعراف أو الفولكلوريات والعادات هي ليست الضوضاء والمشكلة بحد ذاتها ! أبدا ، بل إنها مجموعة قيم معينة روحية ومادية يؤمن بها كل إنسان ، أو كل مجموعة من البشر .. ومن حقه الطبيعي أن يزاولها في أي مجتمع ديمقراطي وتعددي تنتفي منه الصراعات مع وجود التباينات بحكم الثقافات المتنوعة .. ولكن المشكلة تكمن عندما تتحول تلك ” القيم ” إلى وسائل مضادة لنسف الحياة بمن فيها !

الدين ليس معولا لصراعات سياسية !
ولكن أن يتحول الدين ، أو أية ثقافة إلى ما يشبه إثارة للصراع والبغضاء وكأنها دقات طبول تهدد القيم العليا لمجتمعات تعتقد أنها حفلت بمسيرة حضارية متمدنة ومتقدمة من نوع ما .. فهنا لا يمكن قبول هذا القادم الجديد الذي يحمل أيديولوجية ليست مخالفة ، فحسب بل يعتبرونها تدميرية وهي مشحونة بالكراهية والأحقاد ولا يمكن الحوار معها كونها لا تتمتع بأي آراء سليمة ، فهي نافية للآخر وليست قابلة به أصلا .. وان هذه ” المشكلة ” تنتج معضلة اكبر ، ذلك أن دينا معينا ، أو ثقافة مخصصة بقدر ما تحمله من قيم جمالية وتسامحية وانفتاحية وكريمة واخلاقيات عالية.. لا ينفع الدفاع بها ما دام هناك من يهتك نفسه ويعلن للملأ .. انه قادم من اجل التدمير ! هنا ينبري بعض الأخوة القراء لتثيره هذه الفكرة فيعتبرها موجهة ضده أولا مني شخصيا ، بل ويجني على نفسه إذا لم يعترف بأنه يشارك من يحمل هذا ” الفكر ” التدميري بصمته ، أو حتى في انزعاجه فهو يحاكم النوايا قبل أن ينزع للتفكير مليا .. ذلك أن هذا ” الرأي ” منقول عما يسود في العالم وان المجتمعات بحد ذاتها هي غير الدول ، فهي غير مسؤولة عن الكوارث والنكبات التي تلم بمجتمعاتنا ! والأمر الثالث أن من يسكت على كل التجاوزات التي ترتكب هنا في الأوطان الجديدة من قبل أناس معينين ( وليس من قبل الجميع ) فهو قابل بها .. وعليه ، فلابد أن يستعد لاستقبال النتائج المضادة له ، حتى وان كيلت له كل التهم الباطلة كالتوحش واللا إنسانية !

الاسلاميون التدميريون هم غير المسلمين المسالمين !؟
لأول مرة نسمع منذ انبثاق الإسلام بمصطلح ( إسلاميين ) مع بقاء مصطلح ( مسلمين ) ، والعاقل يدرك أن فرقا جوهريا بين الاثنين . الإسلاميون من يقحم الدين في السياسات ، ويحوّله إلى مجرد ” أيديولوجية ” مدّمرة ، مهما كانت طبيعتها ، يبّشر بها ويعيش من اجلها مهما كانت ملته ، أو مذهبه ، أو طائفته ! في حين أن المسلمين المؤمنين الذين يخافون الله ، لا يفعلون ذلك . إن الإسلاميين بصريح العبارة هم غير المسلمين ، كما اصطلح على ذلك عربيا ، فانا لست ممّن يفصل بين الطرفين .. إن التدميريين ليسوا سدنة للدين الحنيف ، ولم يخولهم الله أن يكونوا أوصياء على مجتمعاتنا في الدواخل ، أو على جالياتنا في الشتات .. إن المشكلة لم تصدر عن عقليتين اثنتين ، بل عن عقلية واحدة ، وهي سياسية إيديولوجية قبل أن تكون دينية سمحة أو ثقافية منفتحة ! إنهم جاءوا إلى هذا ( العالم الحر ) وأصبحوا مواطنين في أوطان جديدة وبشتى الطرق والأساليب .. وهم كانوا وما زالوا يحملون نفس الفكر والعقلية التي عاشوا عليها سنوات طوال ! لا أقول باندماجهم فمن الاستحالة حدوث ذلك ، ولا أقول بتكاملهم ، فهم لا يملكون ما يمكن التكامل مع الآخر الا من خلال الإنتاج والإبداع فقط .. ولكن عليهم أن يغّيروا ما بأنفسهم وما بتفكيرهم .. كي يدركوا ومن خلال نظرة فاحصة ، ورؤية بعيدة النظر : أن التباين والاختلاف في الثقافات والدين لا يجعلهم حاملين للحقد والكراهية تجاه مجتمعات وثقافات أخرى .. وان ما تصنعه السياسات والأنظمة لا دخل للمجتمعات والثقافات فيها أبدا .. فان كانوا هم يحملون هموما سياسية ، وأفكارا أيديولوجية من أوطانهم الأم .. فالمجتمعات في العالم لا تدرك فحوى ما يحمله هذا أو ذاك .. ولكنها يكفي أنها رضيت بان يشاركها العيش هذا القادم الجديد ..

تباين الرؤية عند الاخر
إن الرؤية من قبل العالم كله إلينا ليست كما كانت قبل ثلاثين سنة ـ كما اذكر دوما ـ ، فلماذا تغّيرت تلك الرؤية نحو الأسوأ ؟ ولم تتغير لا إزاء الزنوج ، ولا إزاء الآسيويين والأفارقة بهذا الشكل ؟ لا إزاء الهندوس ، ولا إزاء البوذيين ؟ ثمة ما يجعل بعض الدول تستجيب لمطالب مجتمعاتها ، عندما تحس تلك المجتمعات بالتململ من جاليات تحمل حقدا وكراهية ضدها ! ربما يقول قائل أو كما يقال دوما : ولكن ألا تحمل هذه المجتمعات أحقادا وعنصرية وكراهية ضدنا ؟ أقول : نعم ، هناك متعصبون عنصريون ولكن يحملون ذلك ضد كل الأجانب .. وان حملوا ذلك ، فهم على تراب أوطانهم ، أما أن يقبل الأجانب ليلعبوا نفس اللعبة ، بل ويعلنون ذلك صراحة ، وعلى غير تراب أوطانهم الأم .. فإنهم يرتكبون أخطاء لا تغتفر أبدا ! وعندما يقال مثل هذا الكلام عن مشاكل في ( أوطان جديدة ) ، فما بال كل الذين يقطنون في أوطانهم الأم ، تأخذهم العزة بالإثم ، ليهاجمون مثل هذه ” الأفكار ” من دون أن يشعروا بمعاناة الجاليات ومشكلاتها ؟ فيكتبوا المطولات التي لا معنى لها أبدا .

الكل يتأثر بالجزء والجزء ينعم بما لدى الكل !
إن انعكاسات الدعاية والإعلاميات على المجتمعات كبيرة جدا ، مقارنة بمجتمعاتنا التي تتأثر بها وبالسياسات المضادة للهيمنة ، فان المجتمعات الأخرى في العالم تتأثر بكل ما يذاع وينشر إزاء التوترات في الشرق الأوسط خصوصا .. وان ما يفعله نفر ضليل في مجتمع كبير ، يجعل العالم كله يقف موقف الضد من مجتمعات بالكامل ! إن ما يفعله بعض العنصريين في مجتمع كبير مثل فرنسا ، يسبب مشكلة كبيرة لفرنسا كلها ، وهكذا بالنسبة لجماعة متشددة واحدة من الإسلاميين يمكنها أن تعّم بمشكلتها كل المسلمين في أي مكان من العالم .
أما بالنسبة للأزياء المستخدمة ، فليس من العقل أبدا أن تقرن فلوكلوريات هندية ، أو ماليزية ، أو مغربية .. بأزياء دينية .. وإذا كانت هناك ثمة مشكلة قد حدثت هنا أو هناك ، فليس معنى ذلك أن نغض الطرف دون معالجتها ، وان طرحناها على بساط البحث ، فليس معنى ذلك أننا قد ارتكبنا جرما كبيرا ؟ ثمة مشكلة موجودة ، وخصوصا في الغرب ، إزاء الزي الإسلامي ذلك لأن الغربيين لم يألفوا مثل هذه الأزياء عند أجيال المسلمين السابقة نساء ورجالا ، لخمس سنوات مضت ، كما ألفوا الأزياء الأخرى ملونة أو غير ملونة لدى جاليات أخرى .. وهم بدورهم يستفسرون عن سر هذا التغّير الذي حدث في بنية الجاليات الإسلامية في الغرب على مدى ثلاثين سنة ؟ وما الذي يجعل طفلة عمرها اقل من خمس سنوات تتحّجب ؟ وما الذي يجعل أب باكستاني يقدم على قتل ابنته ، فيطعنها ويقتلها ، كونه رآها تتكلم مع احد زملائها ، كالذي حدث في كندا العام المنصرم ؟

واخيرا وليس آخرا
ان من يطرح ثمة مشكلات للمسلمين في الأوطان الجديدة ، فهل يصبح عدوا للإسلام والمسلمين ؟ وهل يغدو مستغربا أو مستشرقا ؟ وأقول مسلمين وليس إسلاميين ، لأن ما يفعله الإسلاميون التدميريون في كل العالم ، ينعكس بالدرجة الأولى على كل جاليات المسلمين في العالم أجمع .

للبحث صلة ، وسأعالج لاحقا رؤية المفكر الأمريكي الراحل صموئيل هينتغتون للجاليات المهاجرة .

نشر في ايلاف 15 مايو 2009 ، ويعاد نشره على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
حقوق النشر محفوظة لايلاف .

شاهد أيضاً

زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا

 الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …