الرئيسية / ابحاث ودراسات / كلية الحقوق العراقية .. ذكرى مائة سنة على تأسيسها

كلية الحقوق العراقية .. ذكرى مائة سنة على تأسيسها

أولا : الاهمية .. التأسيس
مدخل في قيمة الاحتفائية المئوية
على العراقيين ان يقفوا جميعا لازجاء تحية كريمة لاعرق مؤسسة تعليمية حديثة في تاريخهم المعاصر .. تلكم هي كلية الحقوق ببغداد التي اسسها العثمانيون في السنة الاخيرة من حكم السلطان عبد الحميد الثاني 1876 – 1909 الذي شهد عهده نهضة تعليمية واسعة .. ولمناسبة ذكرى مرور مائة سنة على تأسيسها عام 1908 ومضيها مع حياة العراق حتى اليوم ، اذ درس بين جدرانها الالاف من الطلبة والطالبات ، وتخرج في اروقتها اهم رجالات الحياة المدنية في العراق ، ومنهم قادة ورؤساء حكومات ووزراء وقضاة .. مع ابرز النخب من المثقفين والساسة والاداريين ورجال القانون من القضاة والمدعين العامين والمحامين العراقيين الذين كان لهم ادوارهم المختلفة في حياة العراق السياسية والاجتماعية والادارية والقضائية .. لقد كانت هذه ” المؤسسة ” الرائعة واحدة من ابرز مؤسسات العراق ، وشهدت على امتداد حياتها عدة تقلبات واحداث وشخصيات .. كما وعرفت اقوى الاساتذة العراقيين والعرب والاجانب .. واذا كانت كلية الحقوق قد مرّت بها اجيال من الدارسين ، فان ارشيفها وتاريخها يقف عاليا مطلا برأسه وهو يوازي تاريخ العراق المعاصر كله . ولما كان ابي ـ رحمه الله ـ أحد الذين تخرجوا فيها منذ الاربعينيات من القرن العشرين ، فلقد احتفظت بذاكرة قوية عنها ، وعن اخبارها ، في ايام ازدهارها ابان العهد الملكي في العراق عندما كانت تستقطب كل ابناء النخبة العراقية في ارجائها .. وكنت واحدا من الذين احببت ان اقرأ القانون فيها عام 1970 ، ولكن ظروفي حالت دون ذلك ..
وعندما بدأت اكتب كتابي عن ” انتلجينسيا العراق ونخب المثقفين في القرن العشرين ” ، لفتت انتباهي المكانة التاريخية التي حظيت بها عراقة هذه الكلية التي عدّت واحدة من اهم كليات الشرق الاوسط قاطبة . اليوم ، نقف جميعا لنحيي هذا الصرح الوطني العراقي الذي ولد قبل ان يولد الكيان العراقي ، وكان فاتحة تاريخية مباركة لنشأة العراق المعاصر . اننا اذ نحتفي بهذه المناسبة التاريخية لتأسيس صرح علمي خدم العراق منذ مائة سنة ، لا يسعني الا ان ابارك كل العراق من خلال ابرز مؤسسة رفدته بالالاف المؤلفة من الكوادر القضائية والادارية والسياسية .. ، وانها مناسبة لابد ان تشعرنا بدافعين اساسيين نحن العراقيين ، اولاهما الاعتزاز بالمؤسسات العراقية التعليمية التي وقف عليها وطورها العديد من الذوات ، اذ نحن بأمس الحاجة الى المؤسسات واحترامها ، وان نعتّز بكل من خدمها وعمل فيها على امتداد قرن كامل . وثانيهما كم هي الضرورة التاريخية اليوم للقانون وسلطته واستعادة استقلاليته ومكانته المهمة في العراق .. والعمل من اجل ان تكون هناك دولة القانون ومجتمع يضبطه القانون . وبهذه المناسبة ينبغي عليّ ان اشيد بمقال الصديق القديم الدكتور ابراهيم خليل احمد الذي سبقني بنشره احتفاء بكلية الحقوق والمنشور يوم 28 /1/ 2008 .
الاعلام الكبار
كانت مدرسة (= كلية ) الحقوق أول مدرسة عليا للدراسات القانونية في العراق، قد تأسست عام 1908م ابان عهد ووكيل الوالي العثماني ناظم باشا، وهو المفتش العام للخطة العراقية عصر ذاك، ودامت أعمالها حتى الاحتلال البريطاني للعراق في 11 آذار / مارس 1917م، ثم أعيد فتحها عام 1919م بدروس محددة ثم اكتملت فيها الدروس الحقوقية والاجتماعية العليا، واعتمدت منذ إعادة نشأتها على كفاءات عراقية خالصة في التدريس ثم استقدمت فيما بعد العديد من الأساتذة المصريين، وكان من أبرز الأساتذة العراقيين : توفيق السويدي ( للإدارة) وعارف السويدي وأمجد الزهاوي ونشأت السنوي وسليمان فيضي الموصلي وحكمت سليمان ورشيد عالي الكيلاني وداود السمرة ، ورؤوف الجادرجي ، وعبد القادر السنوي ، وناجي السويدي ، وناجي الاصيل ، وخالد الشابندر ، وانطوان شماس ، وعبد الله ثنيان ، وحسين أفنان ، ويوسف العطا ، وكمال السنوي وغيرهم من بعدهم ، امثال : منير القاضي ، وناجي القشطيني ، وعبد الرحمن البزاز وغيرهم .
لقد اعتمدت الدولة على رجالات القانون اعتماداً كبيراً، كما وتخرج في أروقة هذه الكلية العشرات من المثقفين والساسة الليبراليين والمناضلين اللامعين الذين أثروا تأثيراً بالغاً في حياة العراق الوطنية والنيابية/ السياسية وعلى الأخص في عقدي الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين ، وكما وصفها والدي القاضي كوكب علي الجميل ـ توفي 1968 رحمه الله ـ في مذكراته : بأن كلية الحقوق ببغداد كانت مدرسة علمية حقيقية تطورت على ايدي كبار رجال القانون وفي مقدمتهم استاذنا الشهير عبد الرزاق السنهوري ، كما كانت مهدا قويا لنمو التيارات السياسية الحرة والليبرالية في العراق .. ويكفي اننا الشباب كنا ندرس في العراق ولأول مرة الى جانب المرأة العراقية ممثلة بأول خريجة حقوقية عراقية زميلتنا صبيحة الشيخ داوود ” . وعند الخمسينيات ، خفت لمعان الحقوق العراقية لصالح توّهج دار المعلمين العالي الذي كان قد تأسس منذ عام 1924م على نحو بسيط ، ولكنه صرح تكامل مع العام 1939م لكي تغدو أبرز مؤسسة عراقية رصينة، رفدت الحياة العراقية بالاتجاهات القومية والاشتراكية الحديثة خلال عقدي الخمسينات والستينيات ، وكما وصفها أحد خريجيها بأنها ” الدار ينبوعاً متدفقاً سقى كل غرسة رفضت ذلك الواقع وبشرت بالانقلاب ..” .


دار المعلمين العالي

التأسيس التاريخي
1/ العهد العثماني
تبلورت فكرة تأسيس مدرسة ( او : كلية الحقوق ) ببغداد في نهاية العام 2007 ، اثر اقتراح طرحته اللجنة الاصلاحية التي قدمت بغداد ، وكانت برئاسة ناظم باشا والي قسطموني ، وبتكليف من السلطان عبد الحميد الثاني من اجل دراسة ما تحتاجه ولايات العراق . وعليه ، فقد تمّ تشكيل هيئة استشارية جمعت كبار موظفي ولاية بغداد واعيانها لتقديم اقتراحاتهم بصدد ما يحتاجه العراق من اصلاحات . ولقد تجوّلت الهيئة في عموم مناطق العراق المختلفة ، وقدمت تقريرا الى الحكومة تضمن اصلاحات للتعليم وتأسيس مدارس ومعاهد .. وكان مطلب تأسيس كلية او مدرسة للحقوق من اهم المطالب بسبب حاجة العراق الاساسية للموظفين والعدليين والاداريين المؤهلين اكاديميا .
لقي المقترح قبولا في الباب العالي وصدرت الارادة السلطانية بتاسيس مدرسة الحقوق في 14 تموز 1908 ، وقد طالب العراقيون بتنفيذها حالا وبعريضة وقعها كل من : محمود صبحي الدفتري ، وعبد الله ثنيان ، وثابت يوسف السويدي .. وبعد اسابيع نّصب ناظم باشا واليا على بغداد وكالة .. ولما كان الانقلاب العثماني بقيادة الاتحاد والترقي قد نجح في 23 تموز / يوليو 1908 ، فلقد بدا امر التأسيس تحصيل حاصل .. تلكم هي ” كلية الحقوق ” ببغداد التي تأسست عام 1908 تحت اسم ” مدرسة الحقوق ” التي تقرر افتتاحها في 1 ايلول / سبتمبر 1908، وكان انبثاقها في نهايات العهد العثماني يمّثل استجابة حقيقية لحاجة العراق بولاياته الثلاث انذاك الى كوادر حقوقية متعلمة وقد تقّرر ان تكون مدة الدراسة اربع سنوات ، وانخرط فيها نخبة من الطلبة الذين بلغ عددهم 118 في العام 1910 وكانوا موزعين على صفّين اثنين اول وثان . ولما كانت المناهج بالتركية فلقد اعتمدت لغة للدراسة حتى العام 1913 عندما وافق والي بغداد على التدريس باللغة العربية ، ولكن اغلقت المدرسة عام 1914 ، علما بأن اول دفعة قد تخرجت فيها عام 1911 ، وبلغ عدد اول دفعة من الخريجين عشرة طلاب .
2/ العهد البريطاني
استطيع القول بأن كلية الحقوق انطلقت من سنواتها الاولى وسنوات غيابها بروح جديدة عام 1919 ، اذ اعيد فتح ابوابها ، فدخلت في تاريخها مرحلة تاريخية جديدة ، وكانت مدة الدراسة في المدرسة عند افتتاحها أربع سنوات, وكانت تجري الدراسة باللغة التركية على وفق مؤلفات لمفردات منهج الدراسة الموضوع بتلك اللغة ، وقد وافق والي بغداد أواخر عام 1913 على أن تكون الدراسة في المدرسة باللغة العربية ، ولكن يبدو أن المدرسة قد استمرت بالتدريس باللغة التركية حتى إغلاقها عند قيام الحرب العالمية الأولى عام 1914 ، وقد كانت الامتحانات تجري بصورة شفوية لمعظم مواد الدارسة ، وقد تخرجت أول دفعة من المدرسة عام 1911 ، وبلغ عدد طلابها المتخرجين عشرة . لقد اعيد افتتاح مدرسة الحقوق عام 1919 ، نشر الميجر همفري بومان ، Humphrey E.Bowman ((ناظر (مدير) المعارف العمومية)) اعلانا في 23 يوليو / تموز 1919 .
وفي 7 تشرين الثاني /نوفمبر 1919 اعيد افتتاح الكلية رسميا ، وعين الكولونيل بل رئيس محكمة الاستئناف مديرا فخريا لها .وقد علقت المس غيروترود لوثيان بل سكرتيرة الحاكم المدني البريطاني العام للعراق على اعادة فتح كلية الحقوق بقولها : ((ان فتحها جاء في محله ، لان الادارة البريطانية كانت ستصبح عرضة للنقد المحق لو لم تبذل جهدها في ان تهيء ، على الاقل ، ما كان موجودا في معاهد التعليم العالي ايام العثمانيين)) .
العمداء الاوائل :
أما عن العمداء الذين تولوا مسؤولية عمادتها ، فهم كل من: السيد موسى كاظم الباجة جي, وتولى العمادة عام 1908, وكان قد تخرج في مدرسة الحقوق العثمانية في اسطنبول سنة 1888, وحكمت بك سليمان وتولى العمادة عام 1914 حتى انغلاقها ، وكان شخصية مثقفة نصّب وزيرا ثم غدا بمنصب رئيس وزراء في العهد الملكي في حكومة الانقلاب العسكري الذي قاده الفريق بكر صدقي عام 1936 .. وتولى العمادة بعد اعادة فتح الكلية عام 1920… وكان توفيق السويدي قد تولى العمادة عام 1921 وكذلك من عام 1924-1931 , وأتم دراسته في اسطنبول عام 1912, والتحق بجامعة السوربون في باريس, وكان قد اشغل منصب رئيس وزارة في العهد الملكي لعدة مرات… ورؤوف رفعت الجادلاجي الذي تولى العمادة عام 1922- 1923, وهو خريج مدرسة الحقوق في اسطنبول في عام 1912, وقد اشغل منصب وزير عدة مرات في العهد الملكي…
ان كلية الحقوق العراقية صاحبة نشأة تأسيسية قوية على ايدي اساتذة عراقيين ، كان اغلبهم قد درس في جامعات خارج العراق .. وبالرغم من انقطاع الكلية ابان سنوات الحرب العالمية الاولى ، الا انها قد اعيد تأسيسها ، وبطريقة قوية ، وعلى ايدي اساتذة جدد ، لتنتهي هذه المرحلة ، وتبدأ مرحلة جديدة في تاريخها الوطني .

نشرت على موقع الدكتور سيار الجميل
www.sayyaraljamil.com
27 اكتوبر 2008

انتظر الحلقة الثانية : كلية الحقوق في العهد الملكي

شاهد أيضاً

الأرمن العراقيون.. الخصوصيّة والجاذبيّة والأسرار الحيويّة ! -2-

الحلقة الثانية :حذاقة الصنّاع وعظمة المشاهير الشخصيات العامة الأرمنية ينقل لنا الأستاذ آرا اشجيان عن …