الرئيسية / تراث آل الجميل / ثلاث مقالات في الصحافة *

ثلاث مقالات في الصحافة *

(1)
إلى القراء

” الصحافة حرة في حدود القانون تقول ما تشاء وتنتقد ما تريد فليس من الرأي أن نسألها لما تنتقدنا بل الواجب أن نسأل أنفسنا لما نعمل إهمالاً تنتقدنا عليها “.
سعد زغلول




بسم الله وبحمده
وبعد فقد آن للموصل أن تصدر فيها جريدة بعد أن أصبحت في النفس حاجة إلى الإفصاح عما يكنه القلب وتخفيه الأنفس وتتألم منه الروح وأن من الكلام لما يخفف من الآلام وأن منه لما يقرب من الآمال وهذه أول خطوة نتخطاها في سبيل خدمة الجمهور بطريق الصحافة والصعوبة في الخطوة الأولى – وكل من سار على الدرب وصل – وإنا إنشاء الله لواصلون.

على المرؤ أن يسعى لما فيه نفعه
وليس عليه أن يساعده الدهر

نصدر جريدتنا هذه وكلنا آمال بأن (الجمهور) سوف يعاضد ويكبر صداه فيكون له رنة توقظ آمالاً وتحّي شعوراً وتقوّي عزائم فتنطلق السنة من عقالها تنطق بالحقيقة وتتبارى أقلام في مضمار الإصلاح فيبلغ القلب آماله وتقضي الروح لبانتها والمرؤ قليل بنفسه كثير بإخوانه.
في الموصل الجذابة الخلابة حبيبة الشعوب ومطمع الأنظار نشرت صحف وطويت صحف فكان لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ثم أصبحت لا أثر ولا عين:

فكأنها برق تألق بالحمي
ثم انضوى فكأنه لم يلمع

عسى أن يوفقنا الله إلى مواصلة الجهاد حتى النفس الأخير وما ذلك على الله بعزيز. وهذه (صدى الجمهور) لا تريد التوصل – ويعلم الله – لمآرب شخص أو طمع ذاتي بل هو التفادي في خدمة هذا الوطن العراقي المحبوب، فلئن تكلمت يا بني الوطن فذاك لسانكم ولخيركم أو سطرت فذاك ببنائكم ولمنافعكم وما هي إلا منكم وإليكم لها ما لكم وعليها ما عليكم، لعل أن يرجع – صدى الجمهور – بما يقرب بين القلوب ويألف بين الأرواح فتتصافح أيدي وتتعاضد أقدام ثم نصبح كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً فتنجلي بمصادمة الأفكار حقائق وتنقلب الأقوال أعمالاً ونسير وقد لاح أمامنا فجر الهدى والنجاح.
ثم إذا بلغ صوت الموصل –خاصة- آذان من يسمع الأصوات ويجيب الأصوات فتلك هي الأمنية التي ما زلنا نصبوا إليها ونحن في سبيلها مجاهدون.

ومن كان إنساناً ويعرف نفسه
فلا ينزوي عن خدمة الحق جانباً
وما المرؤ إلا من يمد يمينه
لينصر مظلوماً ويرحم صاخباً

هذا هو الهدف الذي وضعناه نصب أعيننا وتلك هي النية التي نشهد الله والناس عليها وإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى.
وإذا ما قدر –لا سمح الله- لنا الفشل في هذا الجهاد الشاق. وإذا ما أصبحنا شهداء في سبيل الواجب الصحفي فلسنا بأول صحافي فشل ولا بأول شهيد ذهب ضحية الواجب ولنا بتوفيق الله ومعاضدة الجمهور عالمهم وأديبهم ووجيههم أكبر مشجع على السير إلى الأمام دوماً غير مبالين بعثرات تقف في سبيلنا وبعراقيل تعرقل مساعينا والله ولي التوفيق.

(2)
الصحافة وحرية المطبوعات

تلك أحكام الدستور تقضي بانتشار الصحف وحرية الصحافة والمطبوعات كي يتمكن الرأي العام من إظهار رغائبه حول القضايا العامة. ولقد قاست الأمم أشد الصعوبات في استحصال حرية النشر ذلك لأن الحكومات حتى أواخر القرن التاسع عشر كانت تختلق العراقيل في سبيل عدم انتشار الجرائد فكانت تضرب على كل عدد ضريبة تتضاعف عن قيمة الجريدة ولكن تلك العراقيل لم تكن سبباً حائلاً بين الأمم وحرية الطبع والنشر إذ مازالت الحالة تتطور من طور إلى غيره حتى أصبحت الصحف اليوم لدى الأمم الراقية تحمل ألقاباً ضخمة يلقبونها – بصاحبة الجلالة – ويلقبونها – بالقوة الرابعة في العالم – لأنهم يعتقدون أنها أكبر ممثل للرأي العام الواجب الاحترام فهي مصونة من كل ما يمس بحرمتها.
يرجع تاريخ الصحافة إلى سنة 1566م حيث ظهرت أول جريدة في العالم في البندقية وكانت تستنسخ بالأيدي وتعلق في الساحات العمومية ليتلوها كل أحد على شرط أن يدفع قطعة معدنية من العملة الرائجة حينئذٍ اسمها “غازنه” في سنة 1588 ظهرت جريدة ثانية في إنكلترا وكانت الصحافة يومئذٍ تحت ضغط عظيم فأخذ التضييق يزداد يوماً فيوماً على الصحف حتى أصبحت حالتها في فرنسا على عهد لويس الرابع عشر حرجة جداً حيث أسس لجنة دعاها – لجنة المراقبة – لأجل فحص المطبوعات فباتت الصحافة تحت رحمة تلك اللجنة. فإذا طبعت إحدى المطابع مالا يروق لها عوقب صاحبها بالعقاب الصارم حتى بالسجن المؤبد فكاد أن يكون من المستحيل نشر الجرائد اليومية لأن المقال لا يطبع إلا بعد أن يمر عليه قلم المراقبة.
أما الجرائد التي تنشر برضى من قلم المراقبة فانها لا تخوض في المباحث السياسية ولا تروي شيئاً من الأخبار المتعلقة بشؤون الحكومة ما عدا ما يوحي إليها بصورة رسمية ثم اشتدت الرغبة في إنكلترا بإصلاح الانتخابات وقامت الأحزاب تدافع عن حقوق الأمة وذلك أواسط القرن الثامن عشر حدث إنكلترا قوتان جديدتان هما الجرائد والرأي العام فلما فاز حزب الأحرار بتأييد السلطة البريطانية أصبح الناس لا ولم يستطيعوا أن يفهموا للبرلمان معنى واضح من غير وجود الصحف لأجل أن يتمكن الناس من استطلاع أعماله وأخباره وليطلعوا بواسطتها على الرأي العام ويقال أن أهم الجرائد الإنكليزية الآن هي – التايمس اللندنية – فهم يسمونها السلطة الرابعة ويعبرون عن الرأي العام – بولي الأمر – .
ولما تسرب الإصلاح إلى المجالس النيابية وأصبح أكثر قبولاً بنظر الرأي العام وتضاعف اهتمامه بمصالح الأمة وبات الناس في أشد ما يكون من الرغبة نحو الإصلاح على ما يدور في المجالس من المباحث وعلى ما يكون موضوع بحثه من المسائل ألغى قانون البرلمان الإنكليزي المادة التي كانت تجعل مناقشات المجلس سرية وأصبحت علنية فتمكن حينئذٍ أهل الصحافة بأخذ خلاصة مباحثاته وعندئذٍ عظم شأن الجرائد فقررت الحكومة الإنكليزية حرية المطبوعات وأصبحت مصونة من كل تعرض وعلى أثر هذه الحكومة سارت الحكومات السائرة بتأييد حرية المطبوعات في بلادهم ولقد ارتقت الصحافة بارتقاء المدارك واتساع العقول ثم بتضاعف رغبة بني الإنسان بجمع المال اتسع للصحافة مجال كبير بكثرة المواصلات والبرقيات حتى دخلت في طور جديد ربما كان طور تجارة واقتصاد.

(3) الصحافة العربية وتاريخها

يرتقي تاريخ الصحافة العربية إلى الزمن الذي استولى فيه نابليون على مصر حيث جلب مع جيشه لجنة علمية أصدرت جريدة تحتوي على أخبار الحكومة وأعمالها ثم أعقبتها بمجلة صغيرة تبحث في العلم والاقتصاد والفنون والتشريع وكان في ( نهجها ) أن تحلل للأمة الأفرنسية حالة مصر الاجتماعية ثم بعد ذلك أصدر الشيخ إسماعيل الخشاب جريدة أخرى غايتها خدمة الحملة الأفرنسية ونشر الدعاية الأفرنسية في شمال أفريقيا وسوريا ولكن عندما ودع الفرنسيون مصر واستولى عليها محمد علي باشا مؤسس الأسرة المالكة وأخذ يسعى في سبيل نشر العلوم بجهود عظيمة ابتاع مطبعة وأصدر بواسطتها جريدة أسمها – الوقائع المصرية – فكانت أول صحيفة ظهرت حول النهضة العربية عهد بتحريرها إلى رفعت بك الطهطاوي فكانت تنشر الأخبار والأوامر الرسمية وما زالت موجودة حتى الآن.
أما في سوريا فلما أتت الأرساليات الدينية إلى سوريا وأسسوا المعاهد العلمية في بيروت أصدروا صحيفة دعوها – مجموعة فوائد – وهي دينية بحتة ثم اتبعوها بمجلة شهرية وعلى إثر ذلك قام الآباء اليسوعيون وأصدروا جريدة كاثوليكية دعوها – مجمع الفاتيكان – ثم استبدلوها بجريدة (البشير) التي لا تزال في الحياة ومن هناك دبت روح الصحافة في سوريا ، فشرع الوطنيون يصدرون الصحف وأول جريدة وطنية صدرت في سوريا هي – حديقة الأخبار – وذلك سنة 1858م لصاحبها خليل الخوري تبحث في شؤون التجارة والزراعة والصناعة والمعارف ، ثم أعقبتها جريدة – نفير سوريا – وهي التي أصدرها الأستاذ الكبير بطرس البستاني مؤلف دائرة المعارف وذلك سنة 1860م وهي التي نطقت بوجوب التآخي والتعاضد بين طوائف سوريا والتمسك بالقومية ، ثم اتبعها مجلة (الجنان) .. ومن ذلك تعممت الجرائد في سوريا وانعكست نحو العراق ومازالت آخذة بالرقي عاماً بعد عام عسى أن نراها في العالم العربي قد نالت ما نالته في البلاد الأوربية وذلك بفضل حرية المطبوعات وبهمة شبابنا الكرام.

* صدى الجمهور ، العدد 1 ، الاثنين 21 شباط 1927 الموافق 19 شعبان 1345هـ

شاهد أيضاً

يا نجوماً

(نظمها بالفرنسية ) ثم ترجمها الى العربية   صورة  للقصيدة بخط يد الشاعر يا نجوماً قد …