الرئيسية / تراث آل الجميل / ذكرى 80 عاما على رحيل الاديب النهضوي العراقي الكبير الاستاذ عَلي الجَميْل 1889– 1928 م وهو جدّ الاستاذ الدكتور سّيار الجميل

ذكرى 80 عاما على رحيل الاديب النهضوي العراقي الكبير الاستاذ عَلي الجَميْل 1889– 1928 م وهو جدّ الاستاذ الدكتور سّيار الجميل

كلمة الدكتور سيّار الجميل لمناسبة الذكرى الثمانين لرحيل جدّه الاستاذ علي الجميل 1889- 1928م

مقدمة
لمناسبة مرور 80 سنة على رحيل هذا الرائد المصلح والاديب الشاعر علي الجميل الذي توفي بتاريخ 1 تشرين الاول/ اكتوبر 1928 . وتلبية لنداءات العديد من الباحثين والعلماء والاصدقاء
العراقيين والعرب والاجانب ، وبتشجيع من اخي العزيز الدكتور سرمد الجميل وجهوده منقطعة النظير ، فســــينفرد موقعنا بنشر او اعادة نشر بعض الآثار القلمية لجدنا الراحل الاستاذ علي الجميل 1889 – 1928م ـ رحمه الله ـ ، فضلا عن نشر بعض ما يخص افراد عائلتنا من مأثورات ونصوص ورسائل وصور ومصورات ومذكرات وكتابات ، ومنها ما هو نادر جدا يعود الى القرن التاسع عشر .. فضلا عن نشر ما يخص اشخاص وشخصيات وعائلات من مثقفين معروفين ، كانت لهم علاقات ادبية وصداقات ثقافية مع اسرة آل الجميل . لقد قررنا ان نبدأ بمأثورات جدنا الاستاذ علي الجميل ، عميد الاسرة ، وما تبّقى من نتاجاته واشعاره ومقالاته وكتبه .. واتمنى ان يسعفنا الوقت والمكان ، كي ننشر العديد من آثار ومنشورات ابناء الاسرة الاخرين .
لقد كان الاستاذ علي الجميل ، احد ابرز الكتّاب والادباء العرب والعراقيين المعاصرين لجيل تكوين العراق المعاصر ، ويعد واحدا من اهم المثقفين النهضويين العرب في بدايات القرن العشرين . لقد لاحه الغبن والتجاهل من قبل اغلب النقاد والباحثين طوال القرن العشرين ، وباستثناء كتابات : روفائيل بطي وابراهيم الواعظ والدكتور داؤد الجلبي وسعيد الديوه جي ومحمد احمد المختار ويوسف عز الدين وذنون الاطرقجي وغيرهم ، لما وجدنا للرجل اي ذكر بعد رحيل ابناء جيله ، اذ كان الناس من الاجيال المتعاقبة قد نسوا او تناسوا فضله وجهوده ، ودوره ومقالاته ، مشروعاته ورسائله ، بياناته ونداءاته ، خطبه وقصائده ..

شاعر أم الربيعين
لقد اعلمتنا سيرته الاولى ان والدته ، وهي اديبة وشاعرة واخت للشاعر الشهير عبد الله راقم افندي ، قالت بأن ولدها علي الجميل طفق يكتب وهو ابن خمس سنين ، وانه قال الشعر وهو في العاشرة من العمر .. ان معظم القصائد التي عثرنا عليها ، والتي يضمها ديوانه ، هي قصائد قالها وهو في مطلع شبابه .. وشعره على الطراز التقليدي القديم ، ولكن له غنائيته وموسيقاه . خصص له ابوه مدرّسين خاصين ـ كما يقول روفائيل بطي ـ لتدريسه اللغات ، وقد اجاد العمل بالتركية والفارسية والفرنسية وكتب بهذه اللغات ، وترجم شعرا كثيرا … كانت له دائرة واسعة من صداقات مع شخصيات عربية ، كما كانت له علاقاته مع العشرات من اعيان العراق وأدبائه وشخصياته .. وهناك سجل من مئات الرسائل المتبادلة بينه وبين اصدقائه ، وكلها كتبها بلغة شعرية مرهفة . كتب شعرا بالتركية والفرنسية ، وبرع كعادة اترابه بالتشطير والتخميس . وصف بشاعر ام الربيعين من قبل استاذه الكبير احمد الفخري ، وكان الجميل قد تأثر بنهجه وشاعريته كثيرا .

علي الجميل .. الانسان الجميل
وصفه صديقه الاستاذ ابراهيم الواعظ بقوله ان علي الجميل كان ذكيا جدا ، وسريع البديهة ، وحاضر النكتة ، وله احساس كبير ورقة متناهية . نعم ، كان صاحب حديث ممتع وهو خطيب مفوه .. وله كل اسبوع مجلس ادب ومجلس سمر ، ولكل منهما رواده ، اولاهما في النهار ، وثانيهما في الليل . كان انيق المظهر ، وهو اول من اقتنى سيارة بالموصل ، وكان سائقه أبلحد من اوائل من قاد السيارة في العراق . طالما حدثّتني اخته الصغرى ، العمة جميلة ـ رحمها الله ـ عن اخيها الذي كان شعلة وقادة من الذكاء والابداع ، وانه كان انسانا متحضرا وعالي الثقافة وله أنفته والاعتزاز بالنفس مع عطف كبير على الفقراء وتواضع لا يوصف مع الاطفال .. وتستطرد قائلة بأننا كّنا نطّلع على حياة العصر والتقدم من خلال ما يصله من جرائد ومجلات من لبنان ومصر وتركيا عبر البريد اليومي .. وكان رحيله وهو شاب قد كسر ظهرنا جميعا ، ونعاه الكل ، وكان ( فقيدا للعراق ) على واجهات الصحف التي تكللت بالسواد ، وكيف حزنت الموصل عليه حزنا شديدا يوم تشييعه ، اذ خرجت عن بكرة أبيها تنعيه .. ومنذ رحيله ، انطفأ سراج كل الملتقيات والمجالس .

رائد القصة القصيرة
علي الجميل ، هو اديب وشاعر ، ويعد اول من كتب القصة القصيرة ، اذ تعد القصة التي نشرها ببغداد بعنوان ” بين الزمهرير والسعير ” في جريدة ( العراق ) العدد الممتاز عام 1924م ، هي اول قصة يكتبها اديب موصلي ، كما تحقق لنا ذلك ، وبشهادة احد الاخوة المختصين .. ، اما الرواية ، فلقد كانت الرواية الايقاظية للمحامي سليمان فيضي التي نشرها عام 1919 م ، ولعلي الجميل رواية طويلة . وهو صاحب مقال مثقف ، تجده فيه ذلك المحلل السياسي الرائع ، اذ نشر مقالات سياسية متنوعة ، وهو مثقف عضوي مندمج بمجتمعه ويسعى لاصلاحه وتحديثه بشتى الطرق خصوصا عند استخدامه النقد ، كأداة حقيقية من اجل البناء .. وتجده واحدا من امهر الاقتصاديين في معالجاته قضايا اقتصادية بحتة .. انه في الحصيلة واحدا من المع المفكرين العراقيين الذين نذروا انفسهم للعراق الحديث ، وكما سنرى ذلك من خلال نشر بعض مقالاته وكتبه .

رائد الصحافة الحقيقية
اولا : يعد علي الجميل رائدا حقيقيا للصحافة في الموصل ، فمنذ بداياته الاولى عمل محررا للقسم العربي بجريدة ( موصل ) الشهيرة ، بعد ان كان مترجما فيها .. وطوال حياته تعامل مع العديد من الصحف العربية والعراقية .. عمل في تأسيس وتحرير مجلة ( المنتدى الادبي ) باستانبول ، ثم وكيلا لمجلة ( لسان العرب ) بالموصل .. ثم حرر مقالاته واشعاره في جريدة النجاح ، وراسل ونشر في عدة صحف بغدادية كالعراق والمصباح واللسان وغيرها .
ثانيا : كان علي الجميل وراء تأسيس ( النادي العلمي ) ابان عهد الاحتلال البريطاني ، بعد مؤتمر التأسيس لتلك الجمعية ، والذي عقده في بيته ، وحضره حوالي التسعين من شخصيات الموصل ومثقفيها ، وقد اصدر النادي مجلة بنفس الاسم تولى علي الجميل تحريرها .. وصدر منها عدة اعداد ، وكتب فيها العديد من الكتاب والمثقفين .. وبالرغم من الانقسامات واختلافات الرأي حول كيفية العمل ازاء البريطانيين ، فما كان من البريطانيين الا ان يسدوا ذلك النادي ويغلقوا مجلته .
ثالثا : واخيرا ، اصدر رفقة كل من عيسى محفوظ والمحامي عبد الله فائق جريدته الشهيرة ( صدى الجمهور ) التي ترأس تحريرها ، وكتب فيها خلال السنتين الاخيرتين من حياته اعمق المقالات ، واروع الافكار ، ونشر على صفحاتها اجمل قصائد استاذه السيد احمد الفخري وزير العدلية الاسبق الذي كان يبرّه كثيرا .. ونشر علي الجميل ادبه الساخر من خلال كتابه ( حديث الليل ) ، كما نشر ( حديث السياسة ) .. لقد تفوقت ( صدى الجمهور ) على كل الصحف الرصيفة بنزاهتها ، وشجاعة الرأي فيها ، وقيمتها في المجتمع ، وانفتاحها على الحياة .. ولكن علي الجميل رحل مبكرا في وقت كان العراق بأمس الحاجة اليه .. وبقيت الجريدة تصدر حتى اختفت برحيل مؤسسها .

مدرسة صحفية
لقد كان علي الجميل مدرسة صحفية متطورة ، كما وصفه صديقه سليم حسون ـ ، مدرسة تخرج فيها كل اصدقائه القدماء : سليم حسون وبولينا حسون وتوفيق السمعاني وروفائيل بطي ويونان عبو اليونان وعبد الله فائق المحامي ويونس بحري وعبد المجيد شوقي وغيرهم . ولعل ابرز ما تميزت به مدرسته ، معالجة القرارات السياسية للدولة ، وانتقاد الادارات المحلية ومراقبة الاجهزة البلدية والتعريف بمآسي المجتمع .. واتصفت بمصداقية الفكرة ، وقوة الاسلوب ، وشجاعة الرأي ، والاهتمام بالمجتمع .. ناهيكم عن القضايا التي تشغل رأي الناس . ولقد دافع علي الجميل عن المرأة دفاعا مستميتا ، وعن حقوقها في الدولة والمجتمع .. كما ان مقاله السياسي له اثارته ووقعه في كل الاوساط .

الفكر السياسي
ان الفكر السياسي للرجل كان غنيا ، بحيث نقرأ له مقالات رأي رائعة ، يعلمنا من خلالها كم سبق الرجل زمنه بحيث كان يفكر وهو واسع الاطلاع على ما يجري في العالم كله ، وقد نبه في مقالاته الى مخاطر تاريخية في القرن العشرين ، ومنها : القضية الفلسطينية ، ومنذ نهاية العشرينيات ، ودق ناقوس الخطر منذ تلك الايام . كان ايضا ، يراقب الدور الاوربي ، وتنبأ بصدام العالم في حرب عالمية ثانية .. كان يتابع باهتمام كبير ما يجري في كل من تجربة اتاتورك بتركيا وتجربة لينين في روسيا .. كما كان يسعى لأن يرى العراق بلدا متطورا من خلال ثورة زراعية طالب بها في العراق ، ومن خلال ثورة علمية وانتاجية صناعية طالب بها ايضا .. ولم يكن النفط قد استخرج بعد ، ولكنه كان يدرك غزارة الذهب الاسود بالعراق ، وما سيقود اليه من مشكلات . لقد اثار علي الجميل العديد من الاشكاليات الفكرية السياسية والاجتماعية ، كما اطلق العديد من المشكلات ونهج نهجا ديمقراطيا في معالجة كل القضايا التي طرحها . لقد بدا واضحا انه نهج نهجا قوميا ودعا الى العروبة وكيفية تشكيل الامة العربية وكتب في السبيل الى نهضة العرب .. لقد تعاطف جدا مع ليبيا اثر الاحتلال الايطالي لها ، ووقف مع الحرب الطرابلسية ضد ايطاليا ، ونظم العديد من القصائد في هذا الموضوع . وبعد تأسيس الكيان الوطني في العراق ، فقد آمن بالعراق ووحدة العراق وبمشروع الامة العراقية .

الرحلة الاخيرة
ولقد رحل مبكرا وهو في التاسعة والثلاثين من العمر .. كانت نهايته في مدينة حلب اثر عملية جراحية في الكلى يوم 1 تشرين الاول / اكتوبر عام 1928 ، ونقل جثمانة الى الموصل التي دفن فيها ، ففقد العراق وفقدت الثقافة العربية واحدا من المع رجالاتها .. كانت حياته القصيرة مثقلة بالسفر والدراسة والهم السياسي والعمل في القضية العربية في بداياته ، وعمله من اجل بناء العراق على امتداد شبابه . لقد كان يعاني كثيرا من شقاء الوعي ، ومن يقرأ افكاره ، سيجده يريد طي الزمن والانطلاق في آفاق الحياة الرحبة بعيدا عن كل اسباب التأخر والانحطاط ، فخاصمه بعض المحافظين والمتخلفين . كتب في رسالة منه الى صديقه روفائيل بطي ، بتاريخ 11 نيسان / ابريل 1924 ، يقول : ” أحب الحقائق ، ولكنني أصبر على أشد من الجمر . وأروم الجهر بالحق ، ثّم أكّف لساني ، فأسكت على مضض ، فتراني معذبا أغلب الاحيان . وربما مّرت عليّ ساعات الليالي الطوال ، فأسكب فيها دموعا على من لا يعرفها تخفيفا لآلامي المختفية بين جوانحي . يراني الناس في حالة وأرى نفسي في حالة ، وشتّان ما بين الحالتين , لابد للحجب أن تتمزق ، وللالسنة ان تتفتق ، وللكلام ان يتدفّق ، وللحقائق ان تلوح .. ” !

منتجان ثقافيان
ان القارئ الكريم ، سيجد ان هذا الرجل الذي مات ولم يكمل الاربعين من العمر له منتجين ثقافيين مختلفين تماما ، اولاهما : منتج أدبي خلال بواكيره الاولى متأثر بالمدرسة الكلاسيكية اللفظية ، وهو يكتب بلغة بلاغية مجيدة ، كتلك التي نشأ عليها في الموصل على اواخر العهد العثماني .. وثانيهما : منتج ادبي وفكري تجد فيه نزعة عصرية في ديباجته وتفكيره ، وذلك بتأثير دراسته في الاستانة ، وتأثره بروح العصر حتى رحيله على عهد الملك فيصل الاول ابان العشرينيات من القرن العشرين . لقد كانت له مواقفه القومية ايام القضية العربية ، وهو اول من اطلق مصطلح ( الامة العربية ) عام 1911 باللغة العربية وعنى بها كل من المشرق والمغرب العربي ، والتي ترّبى عليها جيل عريض من شباب الموصل . اما في مرحلته الوطنية العراقية ، فنجده يستخدم مصطلح ( الامة العراقية ) ، وخصوصا بعد ان تبلور المفهوم الوطني للعراق الذي خدمه بكل جوارحه . وقد وصفه زميله وصديقه الدكتور داؤد الجلبي في حفل تأبينه ، قائلا : ” على افندي الجميل الذي ابلى بلاء حسنا أيام القضية العربية .. كان مثالا للانصاف ، وعلما رفيعا . كان مصدرا ( للمشاكل ) القومية والمواقف السياسية ، وخطيبا مصقعا ، لا تأخذه في احقاق الحق سفاسف المخرصين ، وهو من طبقة العقليين ، من طالع طرفا من كتاباته يعرف حقا ما كان يغمره من الخير لهذه الامة .. ” .

وأخيرا :
انني اذ اقدم هذا الرجل الى العالم اليوم ، وبعد ثمانين سنة على رحيله المؤسف .. اتمنى ان ننجح في نشر بعض اعماله على العالم من خلال هذه ” الايقونة ” .. ويعود الفضل في جمع تراث جدّنا علي الجميل والحفاظ عليه الى والدي الاستاذ كوكب علي الجميل ـ رحمه الله ـ 1918- 1968 م .. وليس لي وانا انتهي من هذه المقدمة ، وهذا التعريف ، الا ان اكون قد وفيت بجزء يسير من حق هذا الرجل علينا ، وان تكون آثاره بايدي جميع الباحثين والنقاد والدارسين ومن محبيه وكل المهتمين ، وخصوصا عشاق بعض قصائده المغناة على الالسن منذ خمسين عاما ، مع اسمى التمنيات .

د. سيار الجميل
تورنتو اونتاريو
كندا في 10/8/ 2008

شاهد أيضاً

يا نجوماً

(نظمها بالفرنسية ) ثم ترجمها الى العربية   صورة  للقصيدة بخط يد الشاعر يا نجوماً قد …