الرئيسية / تراث آل الجميل / علي الجميل 1889 – 1928م .. سيرة أديب عراقي

علي الجميل 1889 – 1928م .. سيرة أديب عراقي


” وكم لي من أشجان مسطورة على صحف منظورة طيّها الالام محفوظة . تنطق بما تذرف العين ، ويذوب منه الفؤاد ، ولئن ضن الزمن بنشرها الان ، فسيتلوها قوم آخرون .. وهناك ينجلي الصبح لذي عينين ، ويخرق صوت داعي الحق الاذنين ، ولكل أجل ( كتاب ) ” .
علي الجميل

التكوين الاول :
علي الجميل هو جديّ الذي اجد نفسي وقد التزمت بتقديمه ، او اعادة تقديمه الى العالم بعد ثمانين سنة على رحيله في مدينة حلب يوم 1 اكتوبر / تشرين الاول 1928م ، وهو الابن الاكبر للملاك والتاجر المعروف حسين جلبي آل الجميل . ولد علي بالموصل سنة 1889 م وعاش 39 سنة فقط ، اذ توفي اثر عملية جراحية بحلب في العام 1928 م ، واشتهر كثيرا بثقافته العليا وبشعره وأدبه ونقده الاصلاحي وافكاره التجديدية .. كان رجل قلم ، وسياسة ، وفكر ، وصحافة ، واقتصاد ، ونقد وعّد من ألمع المصلحين والادباء العراقيين المحدثين ومن اشهر شخصيات الموصل ابان العشرينيات .. درس في المدرسة الرشدية والمدارس الاهلية ، واعتنى ابوه بتكوينه الثقافي فخّصص له مدّرسين يعلمونه اللغات الاجنبية ، فأجاد التركية والفارسية والفرنسية ، وكتب بها جميعا وترجم منها .. ثم طلب الادب وصناعته على ابرع الاساتذة ، ومنهم : السيد محمد علي افندي الفخري والسيد احمد الفخري الشاعر المعروف ووزير العدلية الاسبق والاديب الشاعر سليمان بيك آل مراد الجليلي وغيرهم . وكان من اساتذته ايضا ، الشيخ محمد افندي الفخري والشيخ عثمان افندي الديوه جي والقاضي السيد احمد افندي الديوه جي .. وبرع في الكتابة وكان فنانا في الخط والرسم ، اذ درسهما على يد الفنان الشهير توما قندلا . عمل بوظائف عدة منها المدّرس الفخري في المكتب الوطني والمحرر العربي لجريدة موصل الرسمية ومترجم العربية في مطبعة الولاية وباشكاتب مديرية الاوقاف ، وكان عضوا في غرفة التجارة بالموصل التي نظّم اوراقها وحساباتها على اسس علمية ..

الدور العربي
كان قد سافر الى استانبول للدراسة على حساب والده ، اثر الانقلاب التركي الشهير عام 1908 بقيادة الاتحاديين ، وانخرط هناك في الكلية الملكية الشاهانية ، واشتغل رفقة العديد من الشباب العربي بالقضية العربية ، وكان هناك أحد مؤسسي جمعية ( المنتدى الادبي ) برفقة الشهيد عبد الكريم الخليل واحمد عزت الاعظمي .. ولقد حرر في مجلتيها ( لسان العرب ) و ( المنتدى الادبي ) مقالاته واشعاره .. وعاد الى الموصل ليبّث الفكرة القومية في العراق ، وغدا مندوبا عن الجمعية ، يوزع بياناتها ومنشوراتها .. وكان له دور في ارسال عدد من شباب الموصل للدراسة في استانبول ومنهم : عبد المجيد شوقي البكري ـ كما جاء في ترجمة الاخير بكتاب تاريخ علماء الموصل ـ ..

مصطلح ” الامة العربية”
لقد أّلف علي الجميل رسالته ( التحفة السنية في المشايخ السنوسية ) بناء على رغبة القادة السنوسيين ، وخصوصا اثناء الحرب الطرابلسية بين العثمانيين والطليان .. ولقد اعلن معلنا فيها لأول مرة عن افكاره القومية رافعا رسالته المذكورة الى ( الامة العربية ) بعد نشرها بالموصل عام 1331 هـ / 1912 .. فكان اول من استخدم هذا المصطلح ( = الامة العربية ) عربيا اذ كان نجيب عازوري قد استخدم المصطلح فرنسيا .. ولكن اذا كان عازوري قد عني بـ ” الامة العربية ” المشرق العربي ، فان علي الجميل قد عني بمصطلحه كل من المشرق والمغرب العربيين في رسالته . . لقد لاحقته السلطات الاتحادية اثر ارساله للبيانات السياسية المعارضة لحكم الاتحاديين وانتقاده اللاذع لسياساتهم في التتريك واضطهاد العرب ، فهرب الى مضارب البادية محتميا بابناء عمومته ردحا من الزمن .. وكان الاتحاديون يفتشون عنه وتعّرض اهله للمساءلة الشديدة ، وكانوا قد قاموا باحراق كل اوراقه وكتبه ونشرياته السياسية خوفا من وقوعها بايديهم ، ففقد التاريخ اشياء واوراق ثمينة جدا لا تقدّر بثمن .. ولم يعد الى داره علنا حتى دخول الانكليز العراق عام 1914 اثر سقوط اوامر الملاحقة التركية ضده .

النادي العلمي والمهام الوطنية
كان الرجل وراء تأسيس ( النادي العلمي ) في الموصل سنة 1919 اي بعد احتلال الانكليز للموصل باشهر رفقة عدد من رجالاتها الذين كانوا يهدفون خدمة العلوم والاداب علنا والعمل السياسي سّرا .. وكان ان اتهّم الرجل تهما سياسية باطلة لا اساس لها من الصحة ابدا بسبب مواقفه الوطنية . كانت البداية ان عقد مؤتمرا وطنيا موسّعا في بيته حضره اكثر من تسعين من شخصيات الموصل من مسلمين ومسيحيين وتّقرر تأسيس النادي العلمي – كما يكتب ذلك المؤرخ عبد المنعم الغلامي – ، وتّم استحصال ترخيص بذلك من قبل الكولونيل نولدر .. ولقد اصدر النادي العلمي الذي انضم اليه اغلب المثقفين الموصليين ـ كما تشير اليه وثائق النادي ـ وأصدر مجلته التي تسّمت باسم ( النادي العلمي ) وترأس تحريرها الاستاذ علي الجميل وكتب فيها مع العديد من الكّتاب والادباء الموصليين مقالات علمية وادبية وقصائد شعر .. ولكن ما لبثت قوات الاحتلال الا ان سّدت النادي واغلقت مجلته . لقد نال العديد من الكتّاب والباحثين العراقيين من هذا ” النادي ” ، واطلقوا عليه احكامهم الباطلة بلا وجه حق ، وكان في مقدمتهم كل من المؤرخين السيد عبد الرزاق الحسني والسيد عبد المنعم الغلامي ، وتبعهما اغلب الكتّاب والباحثين من دون اطلاعهم ابدا على وثائقه وحيثيات تأسيسه واهدافه الوطنية ( وأعد القراء الكرام ، كما كنت قد وعدتهم ، قبل سنين ، ان اكتب دراسة معمّقة وموثقّة عن هذا النادي لاجلاء الحقيقة التاريخية ، وتبيان نزاهة مقاصده ومراميه ) .

الدور السياسي
وبعد تأسيس الدولة العراقية في العام 1921 كان علي الجميل عضوا في الحزب الوطني العراقي وعضوا في جمعية الدفاع الوطني وساهم مع رفاقه في الحفاظ على عراقية الموصل وعروبتها عند حدوث مشكلة الموصل .. اذ يشهد تاريخه كم دافع عن عراقية الموصل دفاعا مستميتا من خلال جمعية الدفاع الوطني التي كانت تعقد اجتماعاتها في بيته واستقبال وفود بغداد ، واشهرها الوفد الذي ترأسه الوزير حمدي الباجه جي .. وكانت لعلي الجميل خطبه العصماء اذ كان خطيبا مفوّها وكتب مقالاته وبياناته .. وقد عرضت عليه عدة مناصب في الدولة ، منها متصرفية لواء الموصل التي أبى الا ان يتقلدها اصالة لا عن تجربة ، كما تدل على ذلك مراسلاته مع الاستاذ فهمي المدرس امين البلاط الملكي .. لقد أبى ان يتقّلد أيّا منها نظرا لعفّته وثروته والمحافظة على حريته .. كان يكتب وينشر في صحف عراقية وعربية وله مراسلات مع العديد من المثقفين والعلماء والادباء العراقيين كان ينشر مقالاته في جريدة النجاح التي كان يصدرها خير الدين الفاروقي ويراسل جريدة جريدة المصباح التي كان يصدرها الشاعر عبد الحسين الازري ..

صدى الجمهور
اصدر جريدة ( صدى الجمهور ) في العام 1927 وترأس تحريرها وكان مديرها المسؤول المحامي عبد الله فائق وتميزت مقالاته اليومية فيها بالنقد اللاذع ونشر افكاره الاصلاحية ومعالجاته الاجتماعية وآرائه الاقتصادية .. كان شجاعا في التعبير عمّا يريد وكان محدثا في طرح افكاره التجديدية مما جعله هدفا لخصومه .. كان حرا في اقواله وكتاباته .. اشتهر بمنازلاته السياسية ومساجلاته الادبية .. ( انظر التفاصيل في مقالة خاصة عن صدى الجمهور ) .

علاقاته واصدقائه
كان من اصدقائه العرب : عبد الكريم الخليل الذي اعدمه الاتحاديون الاتراك وزكي الخطيب الوزير السوري الاسبق وساطع الحصري ورستم حيدر الوزير اللبناني الشهير والشاعر السوري محمد الفراتي وغيرهم .. ومن العراقيين : روفائيل بطي وتوفيق السمعاني واحمد عزت الاعظمي وحمدي الباجه جي ونوري السعيد واسعد العمري وخير الدين العمري وعبد الله مخلص وابراهيم الواعظ وسعيد قزاز وفهمي المدرس والسيد محمد مهدي الخالصي وفخري الجميل ومعروف الرصافي وثابت عبد النور وعبد الحسين الازري والسيد محمد حسن ابو المحاسن وعبد الله فائق وحمدي جلميران وفريد الجادر وقاسم اغا الديوه جي والدكتور حنا خياط وزير الصحة الاسبق والدكتور فاروق الدملوجي والمؤرخ صديق الدملوجي والدكتور جميل دلالي وغيرهم كثير . كما كانت له خصومات كبيرة مع آخرين نتيجة طروحاته وافكاره التجديدية . ولقد توثّقت عرى صداقته بالقاضي الشهير ابراهيم الواعظ الذي وصف صديقه علي في تاريخه انه كان سريع البديهة حاضر النكتة له حلمه وقوة ذكائه ورقة طبعه وله علاقات اجتماعية واسعة .. ( تابع ما سننشره من نماذج بعض رسائله بخط يده الى العديد من اصدقائه ) .

رحيله المبكّر
كان علي الجميل قد أصيب بمرض في الكلى منذ شبابه المبكر ، فاجريت له جراحة اولى في حلب ، فتعافى في المرة الاولى . كتب في واحدة من رسائله قائلا : ” بليت بمرض في الكلى ، واشتد المرض حتى قطع اهلي الامل من حياتي ، ولكن أطباء الموصل أجمعوا على سفري من الموصل الى سوريا لأجل اجراء عملية جراحية هناك ولآبقى تحت سمائها مدة ولأجل تبديل الماء والهواء ، فعزمت على السفر ، وقد كان والدي رحمه الله تعالى في قيد الحياة ، فوصلت حلبا ، وصادفت الدكتور انطونيان الشهير في فن الطب والجراحة ، فتوفق لاجراء العملية ، بصورة حسنة يمدح عليها ، وقد بلغت أجرة الدكتور انطونيان من غير مصارفاتي الضرورية ثلاثمائة ليرة عثمانية ذهب . والحمد لله نجوت من تلك البلوى ، وذاك المرض ، فرجعت الى الموصل .. ” . لقد كانت عمليته الجراحية الاولى في حلب عام 1333 هـ / 1915م ، قبل زواجه وقبل وفاة والده عام 1917 م ( وتجد ذلك التاريخ مسجلا على صورته رفقة أخيه محمد في : ذكرى حلب الشهباء 1333 هجرية ) .
بعد 13 سنة ، اي في العام 1928 ، سافر الى حلب مرة أخرى للاستشفاء من المرض نفسه رفقة اخ له هو الاستاذ جميل الجميل وصديقه فريد الجادر النائب في البرلمان العراقي لاحقا ، وكان الجميل يقصد حلب كثيرا ، فاجريت له عملية جراحية ثانية في الكلى .. توفي على اثرها وهو في عز الشباب ، فنقل جثمانه الى الموصل التي وصله يوم 3 اكتوبر / تشرين الاول 1928 التي بكته كثيرا ودفن فيها بمقبرة عائلته في تشييع كبير .

زوجته واولاده
كان قد تزوج من الانسة سعيدة خليل ابراهيم في العام 1917 . وكانت جدتنا هذه أمرأة رائعة وسيدة مجتمع من الطراز الاول ، وتميزت بشجاعتها ، وقوة شخصيتها ، واناقتها ، وسرعة بديهيتها ، وروحها الاجتماعية ونزعتها الادبية ( توفيت في بيتنا الكبير نفسه بالموصل عام 1972) .. وانجبت اربعة ابناء ، هم : كوكب ( القاضي المعروف 1918 – 1968 ) وطالب ( استاذ الفلسفة يقطن في بغداد بعد ان اقام في عدة بلدان ولد عام 1924 ) وفرقد ( الرياضي والكاتب المعروف بكتاباته عن التراث وتسجيله تاريخ الحياة الشعبية عاش للفترة 1926 – 1985 ) وسعد ( المدير الاداري في شركة نفط الموصل سابقا ومعمل السكر لاحقا ولد في العام 1928 ) وابنة واحدة هي ( دولت ) توفيت طفلة في صغرها ..

آثاره القلمية
ترك الأستاذ علي الجميل عدة آثار فكرية وادبية وسياسية واصلاحية منها :

1)ديوان علي الجميل ومراسلاته

2)حديث الليل ( في النقد الاجتماعي )

3)نوابنا في الميزان ( في النقد السياسي )

4)اوراق علي الجميل ( المقالات والخطب القومية والوطنية )

5)همسة في الاذان ( آراء وافكار )

6)شهقات ودموع ( رواية )

7) بين الزمهرير والسعير ( قصة )

8) التحفة السنية في المشايخ السنوسية .

ومن اشعاره
مطلع قصيدة له تشطير لقصيدة الشاعر الكبير كاظم الازري :

قالوا حبيبك محموم فقلت لهم اني امرؤ صادق لا اعرف الكذبا
استغفر الله عن ذنب شقيت به انا الذي كنت في حمائه ســببا
قبلته ولهيب النار في كبـدي عّلي أداوي بي الشوق الذي غلبا
ولم اكن في الهوى أبغي أذيته فأثّرت فيه تلك النار فالتهبـــا

( غّنى هذا التشطير المطرب السوري الشهير الاستاذ صباح فخري بعد ان استلها من ديوان علي
الجميل منذ اكثر من ثلاثين سنة ).


وله:
طرقتك في الليل البهيم حبيبة عذراء تحكي البدر في الاشراق
يغني عن الشمس المنيرة وجهها ورضابها يحكي سلافة ساقي
لعب النسيم بقّدها فتمايلـت تزهو بثوب العهــد والميثـاق
زارت وقد أشفى فؤاد محبّها من لوعة وصبابة وفـــراق
باتت تطارحني احاديث الهوى فأجيبها بالمدمــع المهـراق
ناشدتها وصل الحبيب فما درت أحبيب نجد أم حبيب عراق ؟

وله من قصيدة عنوانها ” المجد بالقول لا يبنى ” :

اذا الحر لم ينهض من الذل نفسه فليس الى ما يرتجيه وصول
وان هو لم يقرن بما قال فعلـه فذاك على علم به لجهــول
وما شرف الانسان الا فعالــه فربّ فعال للاصول أصــول
بني وطني ماذا القعود ومالكــم ألم بكم بعد الصعــود نزول
تقولون ما لاتفعلون تكاســـلا وخير قؤول في الانام فعـول


ونشر في مجلة ( المنتدى الادبي ) ( الجزء الثاني ، جمادى الاولى 1332 هجرية ) التي كانت تصدر في استانبول قصيدته التالية في ” ذكرى الامل الشريف لنهوض الامة العربية واعادة مجدها القديم الزاهر ” – كما جاء في ترويستها – :

سلاما آل عدنان سلامــا لأنتم خير من خلف الكراما
أترضون الهوان لكم مقاما ويـأبى الحّر فيه ان يقيمـا
أبينا ان نســام الخسف يوما وأن نرضى لغير الله حكما
ولم نجعل لغير الدهر ضيما ونهوى العزّ لو كان الجحيما
ألسنا نسل من عشق المنايا ومن خاضوا المعامع والرزايا
فكنّا خير من قاد السـرايـا وكان دليلنا الدين القويمــا
الخ

كتابات عنه
كتب عنه الكثير منهم روفائيل بطي في ترجمته المطولة له في مجلة لغة العرب ( جزء 2 ، السنة 7 ، شباط 1929 ) ، وابراهيم الواعظ في ( الروض الازهر ) واحمد محمد المختار في ( تاريخ علماء الموصل ، جزء 1 ) وسعيد الديوه جي ود. يوسف عز الدين وعبد الرزاق الحسني وعبد الباسط يونس وغيرهم . وانظر عنه في موسوعة الموصل الحضارية ( المجلدان 4/5 ).

شاهد أيضاً

يا نجوماً

(نظمها بالفرنسية ) ثم ترجمها الى العربية   صورة  للقصيدة بخط يد الشاعر يا نجوماً قد …