الرئيسية / افكار / هل من ثقافة للاعتراف ومنهج للاعتذار؟؟

هل من ثقافة للاعتراف ومنهج للاعتذار؟؟

لعل من أسمى القيم التي تتميّز بها معظم المجتمعات الإنسانية، منظومات رمزية تعبّر عن ثقافة راسخة للاعتراف بالخطأ، مهما كانت طبيعته.. سواء كان شخصياً أم مؤسّسياً أم حزبياً أم نقابياً أم سلطوياً.. إلخ، أو كان قد حصل في الماضي أم الحاضر.. سواء تبلور على أيدي رؤساء وملوك حاكمين، أم مثقّفين مبدعين، أم ساسة مخادعين، أم قادة متحزّبين، أم مسؤولين إداريين.. إلخ، هذه الثقافة لا يعرفها العرب، ويا للأسف الشديد، ولم نستشفها قط لا في سلوكهم ولا في ممارساتهم ولا في مدارسهم ولا في منتدياتهم، ولا في مؤسّساتهم ولا حتى في بيوتهم ومضاجع نومهم.. لا يعترفون بأخطائهم مهما كبرت كي لا يقدّموا الى الآخرين اعتذارهم، وكي لا يتحمّلوا أي تبعات رسمية أو شعبية. إنهم يصرّون على الخطأ حتى وإن قادهم ذلك الى الفجائع والنكبات.. وقلّ من يخرج على الناس ليعترف بأخطائه.

إن العرب يتوارثون منذ أحقاب طوال، بقايا ثقافة إعرابية تصّر على المفاخرة، ولا تتنازل أمام الآخر كونها تفسّر ذلك ضعفاً، وأن قيماً مزروعة في جينات مثل هذا البشر يفسّر التراجع ضعفاً، والاعتراف بالخطأ انهياراً أخلاقياً، والاعتذار كبيرة من الكبائر.. إن العزة بالإثم أكبر بكثير من فضيلة الاعتراف.. وأن الاصرار على مبدأ الثأر أو ما يسمّى بثارات العرب هو عامل مخرّب للمجتمع أجمع.. لقد تلاقحت الثقافة العربية مع ثقافات أخرى، ولكنها بقيت موصودة الأبواب أمام استمرار واستفحال رواسب القيم المغلقة التي تزيد من النقمة والأحقاد والكبت والكراهية.. وكلّها عوامل كسيحة أمام تقدّم الحياة ليس الاجتماعية فحسب، بل السياسية خصوصاً.
إننا اليوم بأمسّ الحاجة الى ثقافة الاعتراف.. وسواء كانت الأخطاء فردية أم جماعية أم سلطوية أم زعاماتية أم مؤسّساتية.. فهي باقية وراسخة تتوالد عنها أخطاء من نوع آخر بعيداً عن أي «ثقافة» تتضمّن الاعتراف.. فإن وجد الاعتذار فسيقابله التسامح حتماً.. وقد عرف العرب قديماً مبدأ «العفو عند المقدرة» وهو من أسمى القيم الإنسانية، إذ يقابل «الاعتراف بالخطأ فضيلة». إن الاصرار على نهج خاطئ معيّن سوف لا يوصلنا الى أي نتائج حضارية كالتي تعرفها معظم الشعوب في هذا العالم.

وعليه، فإن أجيالنا بحاجة ماسّة الى أن تتربّى على ثقافة جدّية ونهج جديد.. لا بد من ثقافة تتبنّى الاعتراف بالأخطاء، مهما بلغت من الصغر، وأن لا يعد ذلك عيباً في القاموس الاجتماعي والسياسي العربي.. كما ينبغي أن تتمرّس الأجيال قاطبة على نهج الاعتذار، وهو يرسم طريقاً جديداً في سلوكنا ليس أمام العالم فحسب، بل حتى أمام أنفسنا.. وأن لا يعدّ ذلك نقيصة ولا جرماً.. إن من يحمل أي نوع من هذه الثقافة وهذا النهج سيكبر جدّاً في عيون الآخرين، بل وسيلقّن خصومه درساً مهماً في الحياة، فالإنسان مهما بلغ من القوّة والحلم والحكمة والعلم والسلطة والجاه لا يمكنه أن يكون معصوماً من الخطأ، وخير الخطّائين هم التوّابون.. فهل سنشهد تاريخاً جديداً ترسمه قيم الاعتراف فتترسّخ المحبّة بديلاً من الكراهية، وينتشر الصفاء بديلاً من كل الأحقاد؟ هذا ما نأمل أن يحصل في كل مجتمعاتنا العربية المعاصرة.

مجلة الاسبوعية ، 11 مايو 2008
www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

مطلوب لائحة اخلاق عربية

تعيش مجتمعاتنا العربية في حالة يرثى لها، لما أصابها من تفكك سياسي جعلها تتمزق اجتماعيا، …