الرئيسية / حوارات / جادة حوار عراقي.. مقاربات ومباعدات بيني وبين الاستاذ الدكتور كاظم حبيب (الحلقة الأولى)

جادة حوار عراقي.. مقاربات ومباعدات بيني وبين الاستاذ الدكتور كاظم حبيب (الحلقة الأولى)

الحلقة الاولى
المدخل : تساؤلات واجابات
شكرت صديقي الاستاذ الدكتور كاظم حبيب على مواصلته ” الحوار ” حول موضوع ” الديمقراطية ” ، ودخولنا سويا مناطق أخرى محظورة او غير محظورة .. مناطق من التفكير ومطارحتنا الافكار حول معالجة موضوعات اخرى .. وكان ردّي عليه باربع حلقات ، وقيامه بالرد علي مشكورا في اربع حلقات قد اثارت رغبة عارمة لدى القراء الكرام في مواصلتي ” الحوار ” ، فكتبت له شاكرا بعد نشر تلك الحلقات الاربع التي جاءت ردا على حلقاتي الاربع ، ووعدته منذ اكثر من شهر بأن اكتب ما اراه يفتح لنا افاقا جديدة من الحوار والمعالجات ، ولكن بعد ان اتفرغ لذلك تماما بسبب بعض انشغالاتي الاكاديمية في نهاية العام 2007 .. وقد رد الرجل علّي برسالة رائعة شاركته فيها الرأي ان يغدو هذا ” الحوار ” في المستقبل القريب مشروع كتاب منشور من اجل ان يستفيد منه اكبر عدد من القراء بالعربية منهجا واسلوبا وموضوعا ..
وليكن ” مشروعنا ” واحدا من مشروعات حوار فكري عراقي بكل مواصفاته المنهجية والفلسفية والاخلاقية .. فضلا عن دوره في اثراء الثقافة العربية المعاصرة في منطقتنا ، وخصوصا الثقافة السياسية التي تكاد تغيب حتى عن اولئك القادة والساسة والكتّاب الجدد الذين ظهروا في الميدان فجأة وهم لا يعرفون تركيب جملة مفيدة واحدة ، ولم يقأوا كتابا واحدا ، فكيف بهم يستخدمون الممكن من التفكير ؟ وكيف بهم يدركون احسن القول واصعب الافكار وانصع الحقائق ؟ وكيف بهم ينهضون بالواقع بكل ما اوتوا به من قوة ؟ وكيف بهم يتعلمون كيف ينظموا افكارهم ويردوا على منتقديهم ؟ كيف بهم يقودون الدولة والمجتمع في عصر بات فيه العالم قرية كونية صغيرة ؟ كيف بهم يدركون اولويات العمل في الديمقراطية ؟ كيف يمكنهم ان يرتقوا بحقوق الانسان عاليا ؟ كيف بهم لا يخلطون المبادئ العليا التي لا يمكن تبديلها بسهولة بالتكتيكات العادية في الشؤون السياسية والبلدية والاقتصادية ؟ كيف يمكنهم فهم استراتيجيات العالم ومسارات المجتمع الدولي في القرن الواحد والعشرين ؟ كيف باستطاعتهم ادراك خطورة الشؤون الاقليمية وخصوصا في منطقة كالشرق الاوسط حيث تتشابك المصالح الدولية بالاقليمية ؟ كيف يمكنهم ان يمارسوا التفكير النسبي وعدم اطلاق الاحكام المطلقة .. سواء في تاريخ العراق ام في حاضره ؟ كيف يمكنهم ان يعيدوا فهم مشكلات العراق المركبة والمعقدة التي لا يمكن ابدا ان يكون فرد معين او حكومة معينة او عهد معين .. بمسؤولين عنها ؟ كلها اسئلة بحاجة الى اجوبة ينبغي ان يحررها لنا هؤلاء الذين يتكلمون ليل نهار في الشأن السياسي من دون اي تلكؤ ولا اي تردد !
انه فعلا مشروع حوار معرفي / ديالكتيكي
ان مشروعا كهذا الذي بدأنا فيه من دون اي اتفاق مسبق بيني وبين الصديق الاستاذ كاظم حبيب اخذ ينطلق في آفاق بعيدة ، وهو يمر الان بمناطق مثيرة وحيوية وحمراء ليست فكرية وفلسفية وحسب ، بل تاريخية وسياسية واجتماعية ايضا .. لابد ان نتوقف عندها قليلا من اجل تأمل او تفكير او اعادة تفكير او بحث ودراسة وتوثيق .. او مناطق لا تثير اي سؤال او علامات استفهام .. فنتجاوزها لكي نؤكد بأن الزمن الذي نعالج مثل هذه القضايا فيه هو غير ذاك الزمن الذي مر علينا بمختلف الوانه واشكاله في القرن العشرين .. زمننا اليوم بحاجة الى من يخلّص هذا الجيل الجديد من آثام جديدة لم تكن موجوده في الازمنة الماضية ، او يتخّلص الجيل الماضي من جملة افكاره واوهامه وشعاراته التي حفظها على ظهر قلب وكان ولم يزل يرددها ليل نهار ؟ .. لقد مضى زمن الحرب الباردة ..ومضت عهود الانقلابات العسكرية ومضى زمن القومية العربية .. ومضى زمن الشيوعية العالمية .. ومضى زمن المنظومة الاشتراكية .. ومضى زمن الاحزاب الواحدة .. ومضى زمن الدكتاتوريات الطاغية ..
زمننا اليوم تحّل فيه جملة من آثام جديدة : انه زمن الارادة الامريكية .. وزمن العولمة التي اكتسحت كل الحياة والذات والانتماء .. وزمن الخلايا الارهابية .. وزمن التسارع الاقتصادي .. وزمن الكتل الجديدة .. وزمن الميليشيات الاسلامية .. وزمن القوى الدينية المتشددة .. وزمن ثورة الميديا والمعلومات الكاذبة والموتورة والمشوهة .. وزمن الكتابات الرخيصة وزمن الانتحالات والسرقات والاختلاسات وزمن الطفيليين الجدد .. زمن الاقنعة المتحجرة على الوجوه .. زمن المنافقين والاغبياء .. زمن القتلة والتكفيريين المارقين .. زمن الطائفية العمياء والمتطرفين والمتعصبين بكل امراضهم وهوسهم وتعصبهم وتخلفهم .. الخ كنّا نحلم بأن التقدم حاصل لا محالة بعد كل ما مرّ بنا من سيئات وخطايا وآثام على عدة عهود مضت ..
ولكن ؟؟
يكتشف المرء اذا تأمل طويلا ان الحياة في الشرق الاوسط قاطبة تسير من سيئ الى اسوأ .. فهل باستطاعة نفر نخبوي يؤمن بالمثل الديمقراطية والفكر المدني والتقدمية والممارسات الليبرالية والعلمنة والفكر الحر ان يوقف كل الشناعات وان يصد كل الجنايات وان يحمي كل المكتسبات ؟ وان يصادر كل الاخطاء ويقومها امام الجميع ؟ هل باستطاعتنا ان نتخيّل منظمة تتكلم باسم الاسلام تذبح تفجيراتها الاف البشر في عالمنا نحن وبايدي اناس ولدوا وتربوا وعاشوا في بيئاتنا لا في بيئات الاخرين ؟ وبعد التي واللتيا ، هل باستطاعتنا تطبيق الديمقراطية والافكار الحرة والحياة المدنية في مجتمعاتنا التي يأكلها التوحش وتلوثها الاوساخ وتمارس فيها اشنع الدعارات ؟؟ هل يحق لنا بعد كل هذا الذي يسود باسم المنظمات الدينية السياسية والدعوية والمذهبية .. ان نبقى في اطار تفكير قبل خمسين سنة ؟ اي بمعنى : هل ستنفعنا ايديولوجيات القرن العشرين ، وهي ايديولوجيات لم تخلق في واقع كالذي عليه نحن اليوم ؟
جولاتي الجديدة في جادة الحوار
ان مناقشتي الان للحقات الاربع الاخيرة التي نشرها الصديق الدكتور كاظم حبيب ، وربما كانت مقارباتنا كبيرة جدا في الحلقات الثانية والثالثة والرابعة ، ولكن يبدو ان مباعداتنا ستخص الحلقة الاولى بكل ما فيها معلومات وآراء وافكار تخص العراق اولا واخيرا ، دعونا نتجاذب اطراف الحوار بشفافية عالية وسواء اتفقنا او اختلفنا ، فسوف لا يزيد ذلك من وعي الاخرين بالموضوعات المطروحة ، وسواء تقاربنا ام تباعدنا ، فان ذلك سوف لا يقلب الارض عاليها سافلها ، وسوف لا نغّير ما في الاعماق ولا ما في الصدور ولا في اي دواخل اية بنية اجتماعية او سياسية الا بالاصرار على الحوار ، والانتصار للافكار لا للشخوص ، فالزمن يجري ونحن نجري معه دون اي سباق نحو اهداف معينة من كلينا ( الدكتور كاظم حبيب وانا سيار الجميل ) نحو السلطة والقوة والمال كالتي يريدها الساسة او اشباههم من الذين خرجوا للعلن اليوم ولم نكن نسمع بهم قبل العام 2003 .
هذه الافكار التي حرصت ان ابدأ بها جولتي الجديدة في مواصلة هذا ” الحوار ” المثير مع الاخ الدكتور كاظم حبيب الذي بدا واسع الصدر ، سليم النية ، منهجي الطوية ، سريع الاجابة ، دمث الاخلاق في التعامل مع افكاري وآرائي .. وليدعني من جديد ان اجدد الروح ثانية متمنيا اغناء كل الموضوعات بما لدى كلينا من معلومات وافكار وآراء واستنتاجات ، وليعذرني والقراء الكرام ان طاش قلمي او اخطأ فهمي او ساءت عبارتي .. ولعل اهم ما يعطي الحوار نكهة وما يزيده اهمية ، اختلاف منهجينا ، فللرجل منهجه وفلسفته في الفكر والسياسة ، وازعم ان لي منهجي وفلسفتي في التفكير والحياة والتاريخ وهنا ستتباين الرؤية حتما بين الاثنين ليس فقط في تقييم الماضي ، بل ازاء المستقبل وهذا هو بيت القصيد . او كما يعيد الاستاذ الدكتور كاظم حبيب مقول قولي واعيده كرة اخرى : ” فالاختلاف في زوايا الرؤية والمنطلقات والمناهج المستخدمة في البحث هي التي تساهم في إضاءة الموضوع من جوانب وزوايا كثيرة , وبالتالي تسمح برؤية أكثر شمولية وأعمق مضموناً وقرباً من الواقع ” ( الحلقة الاولى السابقة ) .
نتباعد منهاجا وفلسفة ونتقارب فهما وتفكيرا
دعوني ابدا محاورتي ليس في النقاط التي عقّب عليها الاستاذ كاظم حبيب ، بل ساندفع للتطّرق الى موضوعات اخرى
انني لا انتقدك يا عزيزي كونك تلتزم الفكر الماركسي ، فهذا حق مشروع لكل مفكر او اي انسان له وعيه وثقافته واتجاهه .. ان يلتزم الفكر الذي يراه الاصلح للحياة ، ولكنني اشرت الى كلامك في النقطة الثامنة نفس التفكير الماركسي الذي لم تزل تلتزمه .. واتمنى ان نعود الى قراءة النقطة الثامنة من جديد لنرى انك تبدأ تلك النقطة بالفقرة التالية : ” إن دراسة تاريخ المجتمعات الغربية , وخاصة فترة تحولها من المجتمع الإقطاعي إلى المجتمع الرأسمالي , بكل تلوينات وتنويعات ذلك التحول وفي مراحله المختلفة , تكشف لنا عن حقيقة العلاقة الجدلية بين عدد من المسائل الجوهرية في عملية التحول صوب المجتمع المدني الحديث والديمقراطي والتي يمكن أن تتلخص في عدد من النقاط .. ” وان جميع النقاط التي سجلتها كانت تخص تحولات تلك المجتمعات الغربية حسب وجهة النظر الماركسية والتي اعتقد انها بعيدة كل البعد في الفكر والممارسة والتطبيق على مجتمعاتنا العربية والاسلامية ، ومنها مجتمعنا العراقي لا في الماضي القريب ولا في المستقبل المنظور ..
فماذا قلتم في تلك النقاط ؟
لقد شرحتم عزيزي عملية التحول وفقا لمجريات التغيير في بنية ودور الطبقات الاجتماعية في تلك المجتمعات لحساب البرجوازية وعلى حساب الاقطاعيين وكبار ملاكي الاراضي الزراعية ! هنا اختاف معك فاسميتها استعارة ماركسية ، فاذا كنتم تتحدثون عن تلك المجتمعات ، فهل ثمة علاقة بين تلك المجتمعات ومجتمعاتنا ؟ هل يمكننا ان نشّبه ببساطة الاقطاع الاوربي بالاقطاع الذي عرفناه في مجتمعاتنا ؟ هل استطاعت مجتمعاتنا ان تعيش مجريات الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر حتى تتولد فيها البورجوازيات الاجتماعية العليا والمتوسطة ؟ اية بيئات صناعية كانت في مجتمعاتنا حتى تعيش صراع الطبقات فعلا ؟ ان ما درسناه وقرأناه قبل اربعين سنة سواء على مقاعد الدراسة او ما قرأناه في جرائدنا ومجلاتنا وما اطلعنا عليه في المنشورات الحزبية التقدمية كان مجرد استعارة ماركسية .. لا اقول انني لا احترم الماركسية .. ابدا ، فلقد قرأنا ادبياتها وفلسفتها وتعلمنا منها الكثير .. بل انني تعلمت كيف يتم استغلال الانسان من خلال ” فائض القيمة ” في كتاب ( رأس المال ) نفسه ، وزدت من قراءاتي مستفيدا جدا من افكار بليخانوف وانطونيو غرامشي بشكل خاص .. واذا كنت قد اعجبت بفلسفة هيغل في البناء الديالكتيكي والذي كان قاعدة لفلسفة ماركس وفردريك انكلز في بناء صراع الطبقات .. فانني لا اجد اية علاقة لكي اربط كل مشكلات مجتمعاتنا بفلسفة كارل ماركس كالتي استفاد منها غرامشي في ايطاليا ومكسيم رودنسون في فرنسا وغيرهما في اماكن اخرى .. ربما نستفيد منه في معرفة تاريخ اوروبا الغربية ، ولكنني اجده قد تجاوزه الزمن اليوم ونحن نبحث حتى عن علاجات لمجتمعات غربي اوروبا والعالم .
الاستعارة الماركسية .. مرة أخرى !
وعليه ، فان الاستعارة الماركسية لم تفدنا على امتداد القرن العشرين في وضع حلول ومعالجات لمشكلاتنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية .. وهي لم تعد تفد حتى المجتمعات الغربية التي دخلت اطوارا جديدة من التحولات في ظل هيمنة الكابيتالية الجديدة وامتداد رؤوس الاموال الامريكية في اجزاء العالم ، ودخول الكوننة والصناعات وشركات عابرة القارات .. انني لا اعارض رسوخ الفكر الاشتراكي حتى يومنا هذا لدى مفكرين واساتذة جامعات ( ومنهم اصدقاء لي في عدة جامعات غربية ) ونخب مفكرة حتى يومنا هذا .. ومنهم من دخلت معهم في نقاشات مهمة جدا في اكثر من جامعة كندية وبريطانية وامريكية .. ولكن هؤلاء ما زالوا يجدون في الفكر الاشتراكي والشيوعية العالمية واجهة حقيقية لنقد هذا الطغيان الرأسمالي الذي يعم العالم اثر سقوط المنظومة الاشتراكية .. ان موضوعنا ليس مع هؤلاء ابدا ، فنحن نبحث عن علاجات حقيقية لمجتمعاتنا التي اجد ان اية استعادة ماركسية واستعارة لها في تطبيق ما نراه في اوربا نراه في مجتمعاتنا ، فانني اخالفه تماما .. ان النظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية مختلفة تماما عبر التاريخ بين مجتمعاتنا الشرقية ومجتمعات الغرب ، فليس من المعقول ان نورد السياقات الغربية ادلة لما ستكون عليه مجتمعاتنا . اتمنى ان يقتنع صديقي الدكتور حبيب بهذه الاراء التي اجدها اكثر واقعية من البقاء ندور في حلقة مفرغة لا مخرج لها ابدا .
تحولات العالم المتمدن
لقد اختتم الاستاذ حبيب نقاطه تلك بالفقرة التالية : ” • وفي عملية التحول هذه نشأت وتبلورت التناقضات والصراعات الطبقية والاجتماعية في ما بين الطبقات والفئات الجديدة في المجتمع الجديد التي أمكن في الماضي ويمكن حلها في الوقت الحاضر بأساليب مختلفة تميز بها القرن التاسع عشر والقرن العشرين. وفي الربع الأخير من القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين برزت وتبلورت شروط جديدة تشير إلى إمكانية حلها عبر التحول السلمي والديمقراطي , سواء بالتخلص من العلاقات شبه الإقطاعية , أم بإرساء دعائم الديمقراطية وحقوق الإنسان … الخ في المجتمعات المدنية الحديثة القائمة على علاقات الإنتاج الرأسمالية , التي هي بالضرورة استغلالية , ولكن يمكن العمل على تخفيف ذلك الاستغلال وضمان تحقيق أشكال مناسبة من العدالة الاجتماعية التي تعتمد على موازين القوى السياسية والطبقية وعلى مستوى تطور المؤسسات الدستورية ودولة القانون الديمقراطية والتعامل الفعلي مع مبادئ الحرية والديمقراطية في هذا المجتمع أو ذاك. وهذه الإمكانية مفتوحة اليوم أمام الدول النامية , ومنها دول منطقة الشرق الأوسط ” .
مناقشة النص
دعونا نتأمل قليلا في النص اعلاه ونناقشه على مهل خصوصا وانه يتحدث عن التحولات في العالم المتمدن من دون ان يحدد المكان مع تحديده الزمان ، ولكن هل يمكننا تحديد التناقضات الاجتماعية التي تبلورت حديثا ؟ وما هي طبيعة الصراعات الطبقية اليوم ؟ وما هي الفئات الاجتماعية الجديدة في المجتمع الجديد ؟ اي مجتمع جديد هذا ؟ اننا نتحدث عن مجتمعاتنا ، فاين هذا كله منها ؟ ومؤخرا برزت وتبلورت عدة شروط جديدة تشير الى امكانية حلها عبر التحول السلمي والديمقراطي !
يا صديقي ان هذه ” الشروط ” التي فرضتها العولمة الجديدة والقوى الكابيتالية الجديدة لا تتفق والمبادئ الماركسية ابدا ! ان هذه الشروط هي وليدة انهيار المنظومة الاشتراكية التي حاربتها القوى الامبريالية على امتداد خمسين سنة من الحرب الباردة ! يا صديقي متى عرفت الدول النامية الديمقراطية ؟ ومتى ستعرفها ؟ هل عندما كانت عرضة للمساومات في سوق نخاسة الحرب الباردة بين المعسكرين ؟ ام انها كانت في ظل انظمة الانقلابات العسكرية لهذا الطرف ام ذاك ؟ ام غدت اليوم اداة عطف اكتشفتها الولايات المتحدة الامريكية فجأة ، لنرى تجاربها الديمقراطية كيف هي الان في اماكن معينة دون اخرى ؟ واذا كانت علاقات الانتاج الرأسمالية استغلالية ، فكيف يمكن العمل على تخفيف ذلك الاستغلال؟ وبأية وسائل ؟ وكيف نضمن تحقيق أشكال مناسبة من العدالة الاجتماعية التي تعتمد على موازين القوى السياسية والطبقية ؟؟ لماذا لا توافقني الرؤية التي طرحتها حول انعدام علاقات الانتاج الحقيقية في مجتمعاتنا التي باتت مستهلكة بالدرجة الاساس ؟ اين هي العلاقات شبه الاقطاعية اليوم ؟ اذا كانت بلداننا تصدر الحبوب من قمح وشعير وذرة وشوفان ورز .. الى العالم ايام هيمنة الاقطاع مستخدمة وسائل الانتاج القديمة قبل خمسين سنة .. فما الذي تنتجه اليوم مجتمعاتنا التي ليس باستطاعتها البقاء على قيد الحياة من دون المستهلكات والحبوب الامريكية ؟ وكل من وادي النيل ووادي بلاد الرافدين شاهدان على ما اقول !
وأخيرا : ادانة الاستغلال واحدة بين الامس واليوم
هل تعتقد يا صديقي العزيز اننا ما زلنا نمتلك علاقات انتاج في مجتمعاتنا الكسيحة ، وخصوصا في ظل تراجع الاقتصادات وتفاقم الريعية الطاغية وانعدام الثقة وسيطرة الطفيلية والعلاقات الطفيلية على مجتمعاتنا !! ؟؟ اي ” اقطاع ” هذا الذي نتحدث عنه اليوم ، وقد خلقت طبقات جديدة في مجتمعاتنا هي اكثر بشاعة وشراسة وهيمنة من ذاك ( الاقطاع ) البائس الذي يمثله نفر معدود ومحدد ومعروف بالاسم وهو لا يعرف الا الهيمنة على القبيلة والعشيرة ؟؟ وهل يمكننا ان نقرن العلاقات العشائرية بالرغم من كل سيئاتها بالعلاقات الطفيلية او الطائفية او الارهابية التي تميز الواقع الجديد ؟؟ .. ماذا تصنف اليوم طبقة الحكام المهيمنين المستفيدين ؟ وماذا تصنف اليوم طبقة رجال الاعمال من القطط السمان وهم من اصحاب الاف الملايين ولا تدري من اين جمعوا كل اموالهم وبأية وسائل ؟ واذا كان ( الاقطاع ) قد ادين ادانات لا اول لها ولا آخر لسيطرته على الارض والانسان وامتلاكه القوة والنفوذ والمال .. ادانات على امتداد قرابة مئة سنة ، فمن ذا الذي يدين هذه الطبقة الجديدة من الطفيليين المتهتكين الجدد في مجتمعاتنا قاطبة ؟ هذه الطبقة التي تلبس الاقنعة الدينية وهي تستغل مجتمعاتنا ابشع استغلال ؟ ماذا تسّمي بعض رجال الاعلام العرب ممن ينفق الملايين على ” اعلام ” رخيص وكاذب ومتهتك ؟
متى نخرج من هذه الدائرة المغلقة التي كلها محددات واسيجة وهي تتحدث عن واقع مضى عليه اكثر من مئة سنة في اوروبا الغربية ، فلا هو موجود اليوم هناك ولا هو بموجود عندنا ! وأسأل من باب المقارنة : كابيتالية اليوم التي انهت المنظومة الاشتراكية واصبحت العلاقات الرأسمالية الاستغلالية تسيطر في كل مكان مبيحة الخصخصة .. اليس هذا استغلالا شرسا ؟ ونحن نسكت عنه ، بل ونسكت على من جعل العراق كله حلقة في تلك ” السلسلة ” بالقوة المسلحة الحاكمة ثمن الغاء الدكتاتورية والطغيان ؟؟ من جعل الناس يأكل بعضهم بعضا باسم الديمقراطية ؟؟ واي ديمقراطية هذه التي تحركها احزاب طائفية او قومية ؟ وهل ثمة قوة تصد هذا القادم المرعب الا ان تكون جزءا من عولمته الاقتصادية ؟ ماذا تقول للشركات الرأسمالية العملاقة التي تخترق كل القارات لاستغلال الايدي العاملة واستغلال الاجراء باقل الاثمان وتحقيق اكبر الارباح ؟
ماذا نسمّي كل هذا وذاك ؟ ماذا تسمّي يا صديقي العزيز خصخصة النفط العراقي اليوم والتي يقّرها القانون الجديد لاستغلال الثروة النفطية والذي لم يقر حتى الان من قبل الشعب العراقي ، ولكن هناك عدة اطراف عراقية تسعى لاقراره بالغالي والنفيس ؟ ؟ ماذا يتضمنه هذا ” القانون ” من اباحة لاقطاعات نفطية واستغلال شركات معينة بالذات ؟ علما بأن الشركات ليست عراقية ولم يملكها اقطاعيون عراقيون كتلك الارض المنتجة من قبل العراقيين واتسمت بسمات علاقات انتاجية بائسة ..
ان التفكير لابد ان يكون موحدا ولا يمكنه ان يكون موزعا على عهود وازمان .. علينا ان ننتقد ما يدور اليوم من استغلال للثروات العراقية اضعاف مضاعفة ادانتنا ما كان يدور في الماضي .. ان كان في العهد الملكي ( رجال اقطاع ) يعّدون على الاصابع في مجتمع لا يزيد سكانه عن سبع ملايين نسمة ، فان هناك اليوم مئات والاف المستغلين الجشعين من رجال ( طبقة طفيلية ) تسرق قوت ثلاثين مليونا من العراقيين ! واذا كان ذاك قد جاء ليمثّل قبيلته او منطقته في البرلمان القديم بكل مواصفاته ، فهو معروف وظاهر للعيان .. اما اليوم ، فانت لا تعرف من يكون هذا او تكون تلك بشتى انتماءاتهم وهم جميعا يشّرّعون باسم الشعب العراقي .. ان علينا ان نعيد التفكير ونتخّلص مما الفنا تكراره ، فنحن ندين الاقطاع للارض على العهد الملكي ولا ندين جعل العراق حقول استغلال فاضحة ؟ لماذا لا نظهر كل الحقائق فنذكر كل ما كان من سلب وايجاب في العلاقات الانتاجية القديمة اذ نبقى نردد المثالب والسلبيات في حين نغفل عن قرارات عراقية وسياسات اقليمية بجعل العراق اليوم مستغلا ابشع استغلال من قبل حيتان يمتلكون القوة والمال والتحالف وصنع القرار .. ؟؟
12 ديسمبر 2007
نشرت لأول مرة في موقع الدكتور سيار الجميل وتنشر تباعا فيه
www.sayyaraljamil.com
انتظر الحلقة الثانية

شاهد أيضاً

ملف: إمكانية حكم دكتاتور عادل للعراق.. حوار عراقي مصري بين الدكتور سيّار الجميل والأستاذ عبد الله كمال على روز اليوسف المصرية

مقدمة كتب الصديق الأستاذ عبد الله كمال عضو مجلس الشورى المصري ورئيس تحرير كل من …