الرئيسية / مقالات / برويز مشّرف في خط النار !!

برويز مشّرف في خط النار !!

قرأت بشغف مذكرات الجنرال برويز مشرّف بعنوان ( In the Line of Fire : A Memoir ) ، وبالرغم مما سجله من معلومات ممتعة ، الا ان الاحداث لم تأخذني الى نهاية طبيعية .. برويز ، نشر مذكراته قبل ان يتقاعد او يعزل بعد ، واعتقد انه ارتاب من القتل ، فراح يدفعها للتاريخ . وسيجد من يقرأ ” المذكرات ” تبريره للانقلاب الذي قاده ضد نواز شريف الذي وصل السلطة بانتخابات عامة ، وكان ان اعتمد على مشّرف بترقيته وجعل الجيش بيده .. فلماذا خان برويز الامانة وحاك انقلابا عسكريا اطاح بنّواز وبتآمر دولي مكشوف توّضحت اسبابه لاحقا ؟؟ ان تبريرات مشّرف لا تفي بالغرض ، اذ اورد قصة ربما صحيحة ولكنه نسج كل تفاصيلها من الخيال .. فكان ان فقد بعض مصداقيته ! .
لقد توضّحت الصورة عن برويز مشّرف ، وخصوصا شخصيته وسايكلوجيته وقدراته التي يحكم بها بلادا صعبة قرابة سبع سنوات ، فهو ليس برجل عادي اذن ! وبالرغم ما يحيطه من مخاطر داخلية ومحيطية ، وما يذاع ضده من تهم سافرة ينشرها خصومه المتطرفون ، الا انه قد يلاقي مصيرا مروّعا بسبب سياسته الممالئة للبيت الابيض .. فضلا عن كونه اليوم هو العدو رقم 1 لتنظيم القاعدة ، او ان يكون العكس هو الصحيح !
وسواء اتفقنا ام اختلفنا حوله ، فهو باق في الحكم ربما لسنوات أو لأيام معدودات . انه لم يتحّدر من اسرة ثرية ومعروفة كما هو حال نواز وبينازير .. انه ينتمي لاسرة مهاجرة من قلب الهند الى حيث الباكستان التي اسسها محمد علي جناح منفصلا عن الهند ، مقارنة بنواز واصله من البنجاب ، وببينازير واصلها من السند . ويسجل مشرّف ادوار حياته بشكل غير تفصيلي واحترافه الدور العسكري الذي عشقه ، واليوم يعد نفسه الباني الحقيقي لقوة الباكستان ، ويذكر بأنه حاول الغاء الفوارق الطبقية والتباينات الاثنية بين ابناء جيشه من اجل هوية موحدة للباكستان . وتأثّر الرجل بالغرب كما يبدو ، ولكنه يحترم تقاليده الاسلامية ويؤمن بالقدر .. كان وصوله الباكستان وهو في الرابعة من العمر ، وعاش في تركيا بحكم عمل والده في سفارة الباكستان وبقي فيها سبع سنوات .. عاد وعمره 14 سنة لينخرط في المدرسة الكاثوليكية رفقة اخيه نويد ، وبدل ان يكون استاذا مدنيا ذهب ليصبح ضابطا عسكريا ، وتدرج ليصبح عام 1998 رئيسا لهيئة الاركان باعجاب نواز به ،واذا كان مشّرف يؤمن بأن الحظ خدمه ، فانني اعتقد ان نوازا شعر بخطورته فأقاله عام 1999 ، وكان مشّرف على متن طائرة قادما من سري لانكا ، وبقيت الطائرة تحلّق ولم يسمح لها بالهبوط كي ينفذ وقودها برواية مشّرف ، ولكنها حّطت في كراجي لتعلن القيادة العسكرية التمرد على نوّاز وتضعه تحت الاقامة الجبرية وتكون الباكستان فجأة بيد مشرّف برغبة الجنرالات كما يقول !!
مشّرف ينفي تآمره على نوّاز ، بل ان اثنين من قادة الضباط اتخذا قرارا بتنفيذ الانقلاب العسكري لصالح مشّرف ولم ينفذا رغبة نوّاز باعتقاله ، ويعزو ذلك لمعرفة مشّرف بهما اذ انهما كانا يلعبان التنس معه ! ولكن ينبغي ان نفّكر بالدور الذي اضطلع به الجنرال الجديد ازاء حكم طالبان في افغانستان وحالات الفوضى التي عمّتها بعد انسحاب جيش السوفييت الاحمر منها ، علما بأن الباكستان كانت مأوى لعناصر طالبان الذين اضطلعت بتجنيدهم وتسليحهم وتدريبهم على يد سلطاتها العسكرية لمواجهة الحكومات الافغانية .. لقد كانت الباكستان الحاضنة الطبيعية لوصول طالبان للحكم ، ومن ثّم تغدو الاخيرة حاضنة لجماعة القاعدة .. لقد تأسست حركة طالبان عام 1994 ، اي بعد مرور 5 سنوات على انسحاب السوفييت .. وكلنا يذكر كيف كانت عناصر طالبان مدللة من قبل سلطات الباكستان ودور استخباراتها العسكرية في تأسيس طالبان !
ان ثمة مغالطات حول طالبان والقاعدة في مذكرات مشّرف ، ناهيكم عن سياقاته غير المقنعة حول نفي مسؤولية تسّرب القنبلة النووية الباكستانية الى ايران وكوريا الشمالية واتهام مؤسسها عبد القدير خان بتنظيم شبكة سرية وتسريبها مقابل المال ، وسواء اضطلعت الحكومة ام لا ، فان ثمة خللا يتحمل مسؤوليته مشّرف نفسه ! وفي مذكراته ، يكيل مشّرف التهم ضد كل المسؤولين الباكستانيين السابقين ، ويتهمهم بشتى التهم التي لا اساس لها من الصحة التاريخية .. فمثلا كان هناك ثمة مسببات في انفصال باكستان الشرقية لتتأسس دولة جديدة باسم بنغلادش اثر انتفاضة بنغالية قادت الى الحرب التي خسرتها الباكستان عام 1971.. كما ان ذو الفقار علي بوتو هو المناضل الذي خرج من السجن وكان معارضا للجنرال يحي ، كي يقود بوتو خلاص الباكستان التي حكمها مدنيا ، ولكن دفع حياته ثمنا باعدامه من قبل الجنرال ضياء الحق الذي قاد انقلابه ضده .. لم يكن مشّرف حياديا في ” مذكراته ” ، بل ولم ينصف المدنيين ازاء انقلابات العسكريين واخطائهم التي لا تغتفر ، وان اطلاقه للتهم ضد بوتو او نواز او بنازير وغيرهم لا يمحي مآسي حكم العسكر .. والباكستان اليوم تمّر بأشد ازماتها بعد ان خسرت حروبا وان وقوفها الى جانب الولايات المتحدة في غزو افغانستان بالحرب على الارهاب قد فجّر الموقف الداخلي . فاذا كانت المذكرات قد كتبها من موقع القوة ، فهو اليوم ضعيف يسعى نحو المدنيين لاقتسام السلطة وربما سيخلص من ورطته وهو في خط النار فعلا .. وما لقائه الاخير مع السيدة بنازير الا الشروع بصفقة جديدة ، ربما يتخلى من خلالها عن السلطة ـ كما نصحه البعض ـ ، ام انه سيدفع ثمن اخطائه واخطاء الحكومات العسكرية باهضا ؟ هذا ما ستشهد به الايام القادمة ، فلننتظر !

www.sayyaraljamil.com
البيان الاماراتية ، 8 آب / اغسطس 2007

شاهد أيضاً

زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا

 الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …