الرئيسية / مقالات / معهد العالم العربي بباريس : مؤسسة من ينقذها ؟

معهد العالم العربي بباريس : مؤسسة من ينقذها ؟

يوم اتفقت (18) دولة عربية مع فرنسا في العام 1980 على تأسيس هذا المعهد ، اتفق الطرفان على تحقيق اهداف ثقافية عليا في التطوير والتعاون بكل ميادين العلوم والتقنيات . وقامت المؤسسة في ظل القانون الفرنسي للتعريف بالثقافة العربية ونشرها ازاء التقدم بالمعرفة العربية وتنمية العلاقات العربية الاوربية ضمن اهداف حضارية . كّنا نرقب ما تحقق من تلك ” الاهداف ” لأكثر من ربع قرن ، لكن دور ذلك المعهد الذي يحتل بناية رائعة في قلب باريس باطلالته على كاتدرائية نوتردام ونهر السين لم تكن بوافية حقا .. كما لم يتحقق ما كان كل من الطرفين يبغي منه ..
وبالرغم من النداءات حول معاناته من ازمات مالية ، الا ان المعهد كان ولم يزل يعاني من اخفاقات اخرى عديدة .. يمكن ان تتمّثلها الظروف السياسية والازمات الثقافية التي تمر بها العلاقات العربية الفرنسية والاوربية معا .. وبالرغم من كثرة الزائرين للمعهد وتوضيح معالم ثقافية عربية ، الا انه غدا ضحية لانتفاضة الضواحي التي شوّهت صورة المهاجرين العرب وابنائهم لدى الرأي العام الفرنسي والاوربي .. وكما كتب ميشيل شوفالييه في اللوموند قبل اسابيع بأن الثقافة العربية التي عرضها المعهد طوال ربع قرن لا تستقيم ابدا بما نراه في الشوارع ، اذ غدت منغلقة ومبهمة ومنعزلة عنا !!
وبالرغم من مطالبات توجه للدول العربية ان تستثمر في هذا الصرح الثقافي المشترك لتحسين الصورة العربية ، فأنني اعتقد ان المشكلة سوف لن تحل بالمال ابدا ، فكل من الثقافتين اليوم العربية والفرنسية تسير باتجاه معاكس عن الاخر ! ان ميزانية المعهد لا تزيد عن 20 مليون يورو يؤمن المعهد نصفها من مداخيله الخاصة والنصف الاخر من عائدات الصندوق ومن الخارجية الفرنسية وتبرع المؤسسات .

ان مشكلة هذا ” المعهد ” كما نسمع دوما من قبل رؤسائه طلبهم الدعم المالي من المسؤولين العرب متمثلا ذلك بما وجهه رئيس المعهد دومينيك بوديس ، وان المساهمة العربية قد تقلصت الى الربع عما كانت عليه سابقا ، مهّددا بتغيير التوجهات العامة . لقد سمعنا منذ عام تقريبا عن اتجاه لدى اوساط فرنسية رسمية تتحدث عن الغاء للدور العربي للمؤسسة واستبداله بآخر اسلامي تعددي او متوسطي اوروبي .. وان الرئيس جاك شيراك كان يصر على ابقائه عربيا .. ولما اخذ الاخير يستعد للرحيل بدأت التصريحات تأخذ لها ابعادا جديدة !

علينا ان نعترف نحن العرب ـ وللاسف ـ بأن مرحلة جديدة قد بدأت واخذت تطغى عليها نزعات لا تعطي للثقافة العربية مكانتها السابقة ، وعلى حساب ثقافات اخرى ! فضلا عن الاخطاء التي ارتكبها مسؤولون عرب في المعهد ومنها فضيحة السطو على محتويات متحف المعهد ، وبالرغم من معالجة الموضوع ، الا ان سوء التنظيم والتسرع قد اساءا لسمعة المعهد ، وجعلته امام الرأي العام بمثابة وكر للصوصية والسرقة لآثار معارة من اكثر من دولة ! وقد استدعى ذلك وصول رئيس جديد للمعهد بذل قصارى جهده ليس لاعادة التوازن ، بل لتخفيض الانفاقات والاستغناء عن بعض العاملين ..
منذ وصول بوديس ، بدأت سياسة جديدة تقضي بالعمل على فك الارتباط الفرنسي العربي القائم على الشراكة المناصفة ، بحيث دعى الى ان تتحمل فرنسا 60 بالمئة من الدعم ، الى جانب قرارات فرنسية اعتقد انها قادمة في الطريق وسوف لن ترضي العرب ابدا ، بحيث تلغي هويته العربية ، وتدمج بدلها هوية اسلامية ومتوسطية بحيث يكون لاسرائيل جناح في المعهد .. واعتقد ان العرب يتحملون مسؤوليتهم في فقدان هذا المعهد الذي تشّكل على نوايا صادقة ، ولكن الزمن بكل انحرافاته والتبدلات الجديدة التي لم يدرك العرب كيفية ملاحقتها والسيطرة عليها للحفاظ على ما انجزوه يجعلهم اليوم من النادمين .. علما بأن كلا من التيارين الاسلامي الاقليمي او المتوسطي الاوربي اقوى منهم بكثير ! ان مشروع هذا ” المعهد ” ينتظر تغييرا استراتيجيا وقرارا سياسيا من قبل الرئيس الجديد نيكولا ساركوزي بعد ان عاش هذا ” المشروع “معززا مكرما منذ انبثاقه على يد الرؤساء فاليري جيسكار ديستان ، وحققه فرانسوا ميتران ، وساهم بتعزيزه جاك شيراك لننتظر مصيره على يد ساركوزي !
وقبل ان ندين اي قرار ، ينبغي ان نتفهم تاريخ هذه ” المؤسسة ” بكل اخطائها ، ونعترف بأن الاخفاقات المالية حقيقية ، ولكن مبدأ الشراكة الفرنسية العربية لم يكن ناجحا ايضا نظرا للعقلية التي ادارت المعهد من قبل الطرفين ( الرئيس الفرنسي والمدير العربي ومديرو الاقسام ) .. وما احتواه من بيروقراطية وانعدام الشفافية وتهمة اللصوصية .. وغدت الانشطة روتينية ليس الا ! مع انعدام الكفاءة والخبرة وغلبة العلاقات الشخصية والمصالح الخاصة والاجندة السياسية على الاعتبارات المهنية والثقافية .. هناك دوائر معطلة عن العمل .. لقد تراجع المعهد في السنوات الاخيرة تراجعا مذهلا وازدادت مشاكله مع جيش من الموظفين الذين لا يعرفون اي معنى للثقافة اذ يتم تعيينهم بلا كفاءات ! ناهيكم عن المستشارين الذين لا يستشارون ابدا ! مع تغير رؤساء المعهد من دون اي بارقة اصلاح !
انني انادي اليوم كل حكوماتنا العربية ان تعيد النظر بشأن شراكتها في هذا ” المعهد ” ، وان تأخذ زمام المبادرة كي يكون لها دور مؤثر وحقيقي اذ اصبح هذا ” الدور ” غائبا تماما في اي قرار سياسي او مالي .. وان يسعى العرب للحفاظ على البعد العربي للمعهد وان تعرف من الذي تختاره لشغل منصب الادارة .. فالامر مهم للغاية في مثل هذه المرحلة وفي فرنسا بالذات حيث تتأرجح المواقف من الثقافة العربية بشكل كبير . فهل سيسمع ندائي احد ؟

www.sayyaraljamil.com

البيان الاماراتية ، 6 حزيران / يونيو 2007

شاهد أيضاً

زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا

 الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …