الرئيسية / مؤتمرات / المجلس العراقي للثقافة : ملاحظات تأسيسية

المجلس العراقي للثقافة : ملاحظات تأسيسية


ابراهيم الزبيدي ، سيار الجميل يرأس الجلسة الاولى  من المؤتمر التأسيسي ، ماجد السامرائي ، وخالد القشطيني

استقطب المؤتمر التأسيسي للمجلس العراقي للثقافة اهتمام اغلب المثقفين العراقيين وقد انعقد في العاصمة الاردنية عمّان على مدى الايام 14-16 مايو / آيار 2007 وبمشاركة عدد من المثقفين العراقيين المقدّر عددهم بـ 200 مثقف ناقشوا في اليوم الاول الاهداف والمبادئ ومضامين النظام الداخلي للمجلس ، ثم جرت انتخابات المجلس بصورة ديمقراطية وسمي الامين العام واعضاء الامانة العامة فضلا عن رئيس ومستشار للمجلس .. وفي اليوم الثالث تباحث المؤتمرون في بعض الشؤون الثقافية العراقية ونشروا بيانهم الختامي على العالم . وبالرغم من كل ما قيل وكتب عن هذا المجلس الذي انبثق بارادة عراقية فانني تابعت حسب ما وصلني الى حد الان من ردود فعل تتراوح بين منتهى الايجابية واقصى درجة من السلبية . لقد وصلتني رسائل عديدة من اصدقاء لهم مواقفهم من ” المجلس ” ومن مؤتمره التأسيسي الذي ربما لا يخلو من بعض الاخطاء التي يمكن تجاوزها في المستقبل اذا ما تشكّلت ارادة عراقية عند المثقفين تقول بالعمل من اجل انقاذ العراق مهما كانت الاثمان غالية .
وهنا علّي ان اسجّل بعض ملاحظاتي التي اعتقد انها توّضح الجوانب التي قد تخفى على العديد من المثقفين العراقيين والذين لا يمكن ابدا تجاوزهم برغم تعدد مواقفهم وتنوع اتجاهاتهم وتصادم آراءهم .. راجيا منهم جميعا الاستئناس قليلا للآراء التي ساطرحها في أدناه .. وهي تشّكل بحد ذاتها تكملة حية لما كنت قد طالبت به شفويا في المؤتمر المذكور ، وما يمكن عمله في مثل هذه الظروف التي نمرّ بها اليوم .. بعيدا عن اسلوب الشتائم والسباب واطلاق الاحكام والتهم الجاهزة .
اولا : ان العراق والعراقيين معا يمّرون باصعب مرحلة من التاريخ لم يشهد الزمن بطوله وعرضه مثل هذه المأساة التراجيدية لكل السكان .. كما ان البلد نفسه يتعّرض لاصعب التحديات التي تواجهه منذ الاف السنين .. فمن الضرورة بمكان تشكيل ارادة عراقية موّحدة من قبل المثقفين العراقيين الذين يعتبرون عصب حياة العراق ونسغ حضارته المادية والروحية والادبية . ان تجمعا ايا كان نوعه ومهما كانت صفته اعتبره ضرورة ملحّة للعراق والعراقيين في مثل هذا اليوم سواء كنت مشاركا فيه ام غير مشارك .. فلا يمكن والحالة هذه ان نعّبر عن سخطنا او اشمئزازنا من اي بادرة يمكنها ان تبني حجرا في هياكل العراق المتصدعة .
ثانيا : لا ضير ان تتعدد المؤسسات والتجمعات والرابطات والمجالس والمنتديات الثقافية والتربوية والاعلامية والمهنية العراقية سواء كانت في الداخل ام الخارج من اجل الاسراع في احياء الوعي وتجديد الحياة المدنية وملأ الفراغات الكبيرة التي لم تزل تبحث لها عن عراقيين مؤهلين لقيادة دفة الحياة بعد توقفها زمنا طويلا .. لا ضير من ان يعمل كل المثقفين العراقيين ليل نهار من اجل انطلاق مجتمعهم الذي يمّر بمخاض عسير ، ولا ندري ما الذي ينتظر العراق في قابل الايام . ان التباينات بين المؤسسات الثقافية وحتى بين عناصرها من نسوة ورجال وبمختلف تياراتهم واتجاهاتهم .. اعتبرها ظاهرة صحية لا يمكن ان نتخّلى عنها بسبب مواقف شخصية او سياسية !
ثالثا : لا يمكن لمثل هكذا مؤسسات مدنية وحضارية عراقية ان تكون بمنأى عن السياسة وكل مشاكلها واشكالياتها .. خصوصا في العراق الذي عاش اغلب مثقفيه تجارب سياسية مريرة في عهود مختلفة .. وكانوا وما زالوا يحملون ذكريات مريرة عن انقساماتهم وصراعاتهم التي لا اريد للجيل الجديد ان يمر بها . ثمة اسقاطات ماضوية وشخصية على ما يمكن عمله اليوم . لقد وجدت في هذا ” المؤتمر ” اطيافا مختلفة من السياسيين والمثقفين القوميين والبعثيين والشيوعيين والماركسيين والليبراليين والاسلاميين المستنيرين.. فاذا ما تجمعوا ضمن منظومة ثقافية واحدة للعمل من اجل العراق .. فلا اعتقد ان وراء ذلك سّبة او ضرر ، وكان يتطلب مشاركة اكبر للجيل الجديد من المثقفين الشباب . كنت اتمنى ايضا على الهيئة التحضيرية ان تستبعد كل الساسة الذين لهم اهتمامات ثقافية وتعتمد اعتمادا اساسيا على مثقفين محترفين لهم اهتمات سياسية !
رابعا : مهما قيل وحكي عن تمويل هذا المجلس وهذا المؤتمر ومهما روّج لذلك بتوزيع تهم واطلاق احكام .. فيبقى المتهم بريئا حتى تثبت ادانته ! هذا لو سمحنا لأنفسنا بذلك من دون ان نكون عقلاء لمرة واحدة ونبحث عن ماهية المجلس وبراءة اهدافه ومبادئه ونواياه .. ثم محاكمة نصوص نظامه الداخلي وبياناته التي جاءت كلها وفية للعراق وهي تعمل من اجل العراقيين وخدمة كل من الثقافة والمجتمع العراقيين ، وهي ليست من صنع شخص معين او بضعة اشخاص .. انها انطلاقة حرة معّبرة عن ضمير 200 مثقف عراقي لا يريد للعراق ان يبقى محتلا ، كما ولا يمكن ابدا اتهامهم جميعا بمثل هكذا تهمة . انني اقترح على كل الاخوة العراقيين الذين يتعجلون ويستعجلون في اطلاق الاحكام التأني قليلا وان حاكموا الامور ، فعليهم ان يأتوا بالبرهان والحجة والادلة القاطعة .
خامسا : ان اي مؤسسة او مجلس للثقافة في اي بلد في العالم لا يمكنه ان يستقطب كل الرموز .. ولا يمكنه ان يستضيف كل المثقفين . ونحن نعلم ان العراق يزدحم بالمثقفين ويستقطبه مثقفون حقيقيون . واتمنى عليهم ان يأخذوا الامور بروح رياضية عالية وان لا يجعلوا من اخطاء معينة بمثابة خطايا وآثام لا يمكن غفرانها ، فان لم يوافقوا على اسماء معينة ، فالزمن كفيل بتبدّلها وتغييرها .. ان من خلال تجربتي المتواضعة في مشاركتي وجدت ان المجلس العراقي للثقافة سيفتح ابوابه امام كل المثقفين العراقيين في ” هيئة عامة ” من اجل اية مبادرة او مساهمة او مشروع يمكن ان يخدم العراق والعراقيين . لقد كنت اتمنى ان تنبثق ” هيئة تنفيذية” لانجاز العمل بعيدا عن ” الامانة العامة” التي يمكنها رسم الخطط وسياسات المجلس بقيادة الامين العام . فالهيئة التنفيذية شيئ والامانة العامة شيئ آخر !
سادسا : صحيح ان تحّمل اي مسؤولية ثقافية في العراق مهمة صعبة سواء كانت حكومية ام اهلية ، ولكن من الاهمية بمكان ان ندرك بأن زمنا جديدا لابد ان نفتتحه كي لا تكون الثقافة العراقية في رعاية اية ” اجندة سياسية ” مهما كان نوعها : سلطوية ام ايديولوجية ام حزبية او طائفية .. وكم كنت اتمنى ان يشارك في هذا المؤتمر مثقفون عراقيون اشتهروا بابداعاتهم ونتاجاتهم الرائعة وبمكانتهم الدولية بدل وجود بعض سياسيين وشخصيات لا علاقة لهم بالثقافة ابدا !! ان هناك بعض المثقفين الذين وجهّت لهم الدعوة ولكنهم قاطعوا .. وبعضهم الاخر لم تسعفه ظروفه ترك الساحة مفتوحة لبعض السياسيين الذين دافعوا عن سبب وجودهم. نعم ، كنت اتمنى ان يضم المؤتمر التأسيسي العديد من المثقفين العراقيين الاحرار لا الساسة المتحزبين .
سابعا : على ” السياسي العراقي” ان يحترم نفسه ومسؤولياته ، اذ لا يمكن ان يحتكر الاراء ويصادر المواقف ويمنع المثقفين من مسؤوليتهم وابداء آرائهم .. فهم ليسوا اطفالا او صبيانا ليغرر بهم ومن ثّم يتقبلوا نصائحه ، وهم ليسوا بمكبلين سياسيا ، انهم احرار .. ان المثقف الحقيقي هو من يعمل ليل نهار ليبدع في اي مجال مقدّما خدمة حقيقية للمجتمع لا الدولة ، وهو حر في نصوصه ومشروعاته ونقداته وافكاره وابداعاته من دون اي قيود . وعليه ، فان المجلس العراقي للثقافة مطالب ان يعتني بالمثقفين العراقيين الاحرار الذين يعيش العراق في هواجسهم وضمائرهم وخواطرهم من دون اي مصالح مادية او منافع سلطوية ومن دون اي قيود بدائية او سلطوية ..
ثامنا : لقد توضّح لكل ذي عينين ان المجلس سادته الروح المدنية ويكاد يخلو تماما من اي مسحة طائفية ومن اي نزعة ماضوية ومن اي امراض عصابية او شوفينية .. ان الاجماع الحقيقي لكل من وجد نفسه في ذلك المؤتمر كان اجماعا وطنيا .. سجّل على امتداد ايامه روحا عراقية واحدة تخللتها بعض الاراء والتشنجات والتعابير غير اللائقة من قبل اناس غير ناضجين ابدا .. ولكن مع سيادة الاجواء الديمقراطية تبددت محاولات اناس لا يعرفون الا النفخة الكاذبة . ولقد نجح المؤتمر في العمل على ازالة العقدة بين الداخل والخارج .
تاسعا : ان المجلس العراقي للثقافة ان اراد ان يعيش فعلا ، فان من مهامه اساسا ان يتجاوز الماضي الصعب بكل تناقضاته وان يعمل للتخلص من كل انسحاقات الحاضر .. كي يجد طريقه الى المستقبل . ان من ابرز مهامه القادمة ان يشرع باطلاق ” اعلان ثقافي ” من اجل المستقبل كما طالبت بذلك في المؤتمر .. وان يعمل على تبّني مشروعات اساسية في حياة العراق المستقبلية وان يجهد للقيام بالحصول على مساعدات مالية من العراق ومن دول مختلفة يخصصها لتلك ” المشروعات ” وان يعمل على تشجيع المواهب ونشر الابداعات واحتضان الرموز ومساعدة كبار شيوخ المثقفين ..
عاشرا : انني لا اتفق ابدا مع كل ما قيل وكتب ضد مؤسس هذا ” المجلس ” الاعلامي المعروف الاستاذ ابراهيم الزبيدي الذي التقيت به لأول مرة بعد ان كنت اراه وجها لامعا على شاشة تلفزيون العراق منذ اربعين سنة ، بل وكنت أتابع أنشطته عبر زمن طويل من اجل العراق .. فوجدت فيه انسانا مثقفا حلو المعشر متواضعا صريحا دمثا يخلو من اي تعصب طائفي او قومي .. وهو مثقف واديب وشاعر واعلامي وسياسي .. وقد سعدت بقراءة كتبه التي اهداني اياها ، ووجدت الرجل سجل تاريخي وله ذاكرته الحادة ، اذ مر بتجارب اعلامية وثقافية وسياسية عراقية مهمة لا حصر لها في عهود ثلاثة وهو لا يمكن ان يتخّلى عن العراق ابدا .
واخيرا ، اتمنى على المجلس كل النجاح والتوفيق في مهمته الوطنية وفي مشروعاته الكبرى والصغرى وان يكون بيتا حقيقيا لكل المثقفين العراقيين .

www.sayyaraljamil.com

الصباح البغدادية ، 2 حزيران / يونيو 2007

شاهد أيضاً

دعوة الى المثقفين العراقيين في كندا

دعوة الى المثقفين العراقيين في كندا يسرّنا جدا دعوتكم الى الحضور والمشاركة في الاجتماع التأسيسي …