الرئيسية / مقالات / مجلس التعاون .. خطوات نحو المستقبل

مجلس التعاون .. خطوات نحو المستقبل

تمر هذه الأيام ذكرى مرور ربع قرن على تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربي ، وهي منظمة عربية حيوية ولدت وعاشت وتطورت في ظروف تاريخية صعبة للغاية ، والذي حفل تاريخه بمنجزات كبرى .. وهو اليوم يدخل عهدا تاريخيا جديدا ، وكل المنطقة تعيش تحولات خطيرة جدا ، وكم تمنيت من صميم القلب أن يتعلم كل العرب من تجربة مجلس التعاون الخليجي الذي بقي حيا في إستراتيجية موضوعاته وقضاياه ومتجددا من خلال سلسلة زعمائه سواء من السابقين أو اللاحقين .. في حين شاخت أو ماتت مجالس واتحادات ووحدات ومؤسسات عربية .. عاصرناها منذ خمسين سنة ! وهذا ما يدعونا أن نبدي بعض الملاحظات التي نراها مهمة من اجل سيرورة عربية نحو المستقبل الذي ينتظرنا ، بل وما ستصادفه الأجيال القادمة بكل ما ستصادفه من التحديات .
لعل من أهم سمات مجلس التعاون لدول الخليج العربية جدولة الموضوعات المتنوعة التي يعالجها بروح متكافئة وبنزعة متجانسة وبأساليب متوازنة ومنهج ملتزم برغم الاختلافات السياسية بين الأعضاء ، إذ أن ثمة وعي مسيطر بأن التحديات سيصادفها الجميع .. مما يخلق حالة تشاور لبناء رؤية مشتركة وخصوصا في المسائل الإستراتيجية . وهنا يمّيز الأعضاء ـ في ما اعتقد ـ بين ما هو حيوي واستراتيجي وبين ما هو آني وتكتيكي الذي حتى وان اختلف الأعضاء حوله ، ففي ذلك دليل صحة وعافية خصوصا إذا ما تحّكم العقل في صنع تلك الرؤية المشتركة . وهذه سمة تاريخية مهمة لم تتمتع بها أي تجربة عربية في التكامل القومي .
ويبدو لي ان حوارا صريحا وبناء سائدا يجري الآن بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الاوربي ، وان ذلك يمثّل منجزا تاريخيا من اجل الاتفاق على سيرورة تعاون اقتصادية بين الطرفين والتوقيع على اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوربي .. وتلك لعمري خطوة حتى وان أتت متأخرة لكنني اعتبرها ضرورة اساسية للانتقال بالعلاقة الإقليمية إلى علاقة دولية من نوع جديد ، وكم دعوت كل الأطراف العربية منذ زمن بعيد بناء إستراتيجية اقتصادية مع الأوربيين نظرا للقرابة الجغرافية بين العرب والأوربيين . واعتقد انه لولا صيغة التكامل التي تبلورت بين الأعضاء لما نجحت الكتلة الخليجية في التقدم الدولي مع الأوربيين وما تحقق في بروكسل ، إذ أن أي اتفاقية اقتصادية بين الكتلتين ستدخل دول المجلس مرحلة تاريخية جديدة وحيوية .
أما بشأن سخونة منطقتنا ، فان دول المجلس مدعوة اليوم أكثر من أي يوم مضى إلى بذل المزيد من التشاور والتنسيق لصياغة الرؤية الجديدة للقضايا التي تمر بها المنطقة .. ولعل أهم تلك القضايا تتمثلها ظاهرة الإرهاب التي تجتاح منطقتنا بشكل مرعب والتي طالت اغلب الدول الأعضاء .. إنني اعتقد بأن استضافة مملكة البحرين مركزا دوليا لمكافحة الإرهاب والذي اقترحه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل السعود ملك المملكة العربية السعودية في المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي عقد في الرياض شهر فبراير 2005 ، يعّد خطوة رائدة ، وبالرغم من الدور المهم الذي سيضطلع به ” المركز ” لهذه الغاية النبيلة ، لكنني أتمنى على دول المجلس ان تتفق على ميثاق مشترك واستراتيجية موحدة وسياسات مشتركة وخطوات عملية وميدانية لاستئصال الإرهاب من جذوره وذلك بتأسيس إصلاحات حقيقية ومنهاجية ورقابية اجتماعية وتربوية وإعلامية وأمنية .. بحيث تقوم دول المجلس بمراقبة المدارس والجامعات والمؤسسات والمساجد والفضائيات .. وايقاف العمل بكل الوسائل التي تتيح الفرص أمام استشراء هذه الظاهرة الدموية الخطيرة ، وخصوصا من الناحيتين التربوية والإعلامية . لقد باتت الحاجة ملحة لإيجاد بدائل مدنية وعقلانية .
ومن القضايا التي تشغل بال كل أبناء المنطقة الموقف من إيران وسياساتها الإقليمية والنووية ، اذ لا يمكن لأي طرف في الخليج أن يمارس دورا خطيرا لوحده في المنطقة ونحن نعلم علم اليقين أن المخاطر الناتجة لا تكتفي بوجود المسبب ، بل بتأثيراته بيئيا وإقليميا ، ولابد ـ أيضا ـ ان تعالج مشكلة الجزر الثلاث سلميا ، وعرضها على محكمة العدل الدولية ان كانت إيران فعلا ملتزمة بالقانون الدولي ! كما أن من حق دول المجلس أن تشعر بالقلق الشديد بشأن تطورات الملف النووي الإيراني ومن حدوث أي تسرب نووي من المفاعلات النووية الإيرانية التي اختارتها أن تكون عند حوافي الخليج الشرقية مما قد يسبب كوارث بيئية كبرى ليس على ايران ، بل على دول الخليج العربي ومجتمعاته قاطبة .
إن من حق دول المجلس ومجتمعاته أن تشعر جميعها بسوء العواقب إن حصلت ـ لا سمح الله ـ وان تطالب ايران وبروح مشتركة بضرورة التعاون التام مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتقديم المزيد من التطمينات والضمانات لها .. كما وان الدول العربية ومجتمعاتها قاطبة مطالبة اليوم للوقوف الى جانب نداءات دول مجلس التعاون بإخلاء منطقة الشرق الأوسط كلها بما فيها إقليم الخليج العربي من كل أسلحة الدمار الشامل . وعلى الدول العربية أن تشعر بحاجتها إلى إستراتيجية موحّدة وسياسات مشتركة ونزع كل أسباب التوتر وإطفاء كل مسببات الخطر .. فلا يمكن أن يبقى العرب منقسمين على أنفسهم حيال القضايا المشتركة من دون رؤية مستقبلية لمدى التحديات المصيرية التي ستواجههم في القادم من الزمن . أتمنى على مجلس التعاون النجاح في خطواته القادمة بما يحقق المصالح العربية العليا وتطور الكتلة الخليجية ودورها في اقتصاد العالم .

البيان ، 7 يونيو 2006

www.sayyaraljamil.com

شاهد أيضاً

زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا

 الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …