الرئيسية / قراءات اخترتها لكم / سيمر العابرون الى المزبلة ويبقى العراق… أمير الدراجي

سيمر العابرون الى المزبلة ويبقى العراق… أمير الدراجي

أمير الدراجي
الى الاخ النبيل الدكتور الجميل

كنت دائما في شبه موعد مع النكد النمطي ، في عالم تندهش النسيمات فيه حين تدخل رئات كتب عليها الاختناق وسكنى قبور التاريخ المعتقة بعفونة المقدس وفطائسه الكريهة .. كنت على موعد اليوم مع الانكسار الاخير لاقفال الانترنيت حيث جاءني اليوم ، فيما كنت انت ايها الحبيب، سيارنا الاجمل، مفتاحي السحري الذي فتح بقلبي قناة / اقنوما للحياة بعد ان كثر عبيد الموت والقبور وضاق المكان بي حتى بدا الكوكب اصغر من زنزانة مضجرة كما حفلت امتنا بثقافة المدفنة والمئذنة والمدخنة .. كان امس الاول حين حصلت على التلفون سارعت للاتصال باصدقائي للسؤال عنك لاني منقطع منذ ثلاثة اشهر عن العالم ، فحصار الثلج اشرف من حصار المعابد والعمائم واللحى الكريهة ، ها انذا عرفت بالامس خطبا اصابك لا اعرفه لاني اعرفه قبل ان يخبرني احد او انت تخبرني ، كل الزهور في عالمنا تؤدي للمزبلة ولا تقود للحديقة ، وفي عالم هذ المزبلة علينا بناء منظومة الكرامة وهذا مستحيل .. اخيرا ها انذا استعيد في بيتي دفئ السلكون واتصل بالعالم ، وبي بصاق على ذلك العالم يعادل موجة تسونامي ، وسوف ابصق حتما بعد ان ابلغت اخوتي واهلي، منذ زمن، اعلان براءتهم عني لاني ايضا معرض لرسالة اخرى من قبل بارونات الدم واساطين الجريمة الجدد .. يا له من نكد كبير لاني ايها الصديق لا املك صندوقا لاستقبال الرسائل ، اصمت لاني لا اجد افكارا تستحق المحاورة اما التهديدات ، فجسدي اعتاد جمع الشظايا والرصاص واعتاد الوقاحة امام الموت واعتاد الصلافة بلسانه كلما كانت شفرات السكين حادة وباترة, انها الفاتحة الاولى اكتبها الان ولسوء الحظ كانت المناسبة كرب واحزان ومرارة ، لا اعرف كنت اود تقديم اعتذاري عن تاريخي النضالي لانه اكذوبة وقذارة ، ولان ضميري يحمل جراحا هائلة لأولئك الذي صورت لهم التضحية والموت طرقا للمدن الفاضلة فخلقنا مدينة فاجرة، اؤلئك الذين جندلتهم رصاصات الطغاة والقتلة … ثق كانت بي رغبة للاعتذار من سـيّاط قصر النهاية والاعتذار من قتلة لاحقوني لاني اتعبتهم وسجلت اسمي بتاريخ من اقذر ما اقترفت وهو تاريخي النضالي الذي اخجل منه برغم اننا كنا رهبانا وجياعا ومعذبين وبعض ابطال مرغمين ، لان النضال اصبح سوقا ونخاسة وامتيازات المؤلفة قلوبهم, كم تاريخ المؤلفة قلوبهم احد اكبر مصادر العبودية الشرعية في عالمنا ؟ نعم وبرغم صدقنا الاول، لكنا لم نتنتج الا هذا الفساد والاستثمار المتوحش لارث النضال ، خربنا مدن ، كانت اناشيدنا للمدينة الفاضلة التي كنا ننشد في ساحات المعارك ، لا تعرف كم افزعت رصاصاتها نومة الاطفال وروعت مهاجع الناس .. لا نعرف .. هكذا تصور رجل الامن الذي سلمني الى قصر النهاية باني سانتقم منه حين التقيته في الناصرية عند عودتي وكان خائفا ، لكنه فوجئ حين قلت له : انك كنت على حق وكنت انا مشاكس وسيء .. ما الذي سنقول ونحن امام انقلابات كبرى في نظام القيم وانعدام اي ملمح للاخلاق ؟ ما الذي في جعبتنا يستحق الاحترام ( اقصد انا في جعبتي) غير ارث متسخ بالعذاب والخراب والمرارة التي لم تثمر غير هذا المشهد من فصائل الجريمة الجديدة، من ضباع وذئاب واوغاد وهي تغتسل وتتطهر بارث النضال ومحاربة العملاء والخونة والارهاب ، كنت اظن ان العالم يجب ان يؤنسن الشيطان كي يحرم الله من الاسطورة ويكون يسيرا على الاخلاق ان تتمثل فيه ولكن جعله اسطورة هو هروب عن الاستحقاق اليومي والعملي للاخلاق ، كل مؤسطر يعني نفي فعله الواقعي ، وهل الامانة والشرف والصدق يستحق الاسطورة واقل الكلاب السائبة يعرفها اكثر مما يعرفها حيوان سياسي او تلك التي تعرفها اوضع فصائل الحيوان فيما لا يعرفها الذين يطهرون اعمالهم بسفح دماء الشيطان تقربا للرحمان .. الاسطرة والتقديس ملاذا للقمل السياسي والثيران الايديولوجية ، هكذا تثار الضجة الان لا حبا بالرسول ولا ايمانا بافكاره ولا معرفة في مقاصده وغاياته بل لان بيئة العنف تحتاج كل مرة لحطب ووقود واشتعال ، لا اعتقد ان الزرقاوي وابن لادن والظواهري يقرؤون شكسبير ولا ملالي ايران كانوا يقرؤون هيجل او كنوت هاملتون ، والا اي رحمة في تلك الدول المسلمة امام الرحمة التي تقدمها لنا اسكندنافيا ، تصور والدتي كانت مشلولة فباعت كرسيها المتحرك كي تاكل في زمن صدام ، كما عرفت ، فيما هنا في النرويج حين تشتري جرذ الهامستر ، توقع اوراقا تقر بها على انك ستعامل الجرذان التي اشتريتها بحياة كريمة ومحترمة لانك الان مسؤول عن نبض حياة وكرمة الحياة ، فيما نسوة مسنات لا يجد كرامة خبزهن في بلاد تدعي الرحمة والدين والقيم العليا.. اين الازهر والنجف وقم وتورا بورا من هذه القيم والدساتير الرحيمة بالجرذان ، وشوارعهم وخطبهم محشوة بالقتل والدم والظلم والقتل .. لا اعتقد انهم يقرؤون شكسبير بل قرأوا كل النص الاسلامي فكانت النتيجة كل هذا الرعب ، والبشاعات على اشدها في دول تتدين بدين الرحمة وتقطيع الرؤوس والجثث .. انها معضلة لغوية ان يتحدث العرب بلغة وخير لهم ان يصمتوا طويلا كي يجدوا دليلا واستدلالا على صمتهم لان كل ما قالوه ليس له دليل واحد ولا مقابل عملي واحد ، لا اعرف من سيتبرع كي يجد قاموسا عربيا للصمت ! حاولت هنا ان انفض عني سم الاحتقان والسخط الذي انتابني منذ امس وانا استمع لاخبارك ، وهنا لا يسعني الا ان اطلب ترك كلامي يتسيل حنضلا مما الت اليه اوضاعنا . كنت احسب ان معركتنا انتهت ضد جبهة الفكر الديني في بداية الثمانينات يوم جلبت حرب ايران موجة افكار دينية جديدة ، وحينها حرقنا صفحات الجرائد ونحن نرد على دولة الملاك المفترس انذاك ، لا ندري اننا كل مرة لا نملك قياسا منطقيا للتاريخ ، فيعود البدء الهمجي كل مرة ، حتى لتجد مجموعة ازمنة في زمن واحد . كتبت ردودا على كل هذا التزلزل الافكاري الذي حدث / اخوان المسلمين في مصر / انتصار حماس / احداث لبنان فالموج الملائي في العراق ، ناهيك عن الاستثمار التعبوي لحادثة صور الرسول ، والتي افضت نجاح المتطرفين في قيادة الشارع واجبار المجتمع العالمي لصيغهم واسترضائهم .. كل هذا هو طبيعي جدا لان الحداثة كلها كانت كذبة وكان مجموعة من الفاسدين والمارقين وافاقين قد قادوها ، لذا هزم المشروع الاخلاقي وحلم العدالة لدى النخب الجبانة والانانية ولم يتركو للناس اي خيار غير الاحتياطي المؤجل في التاريخ وهو اللجوء الى المعبد والتخييل ، وهذه المرة اختاروا طلقة الرحمة !!! لا اجد الان غير ان ابرق لك ايها السيار الاجمل بان الفرات قد يتمكن الاستقالة عن مجراه ولكن انت ممنوع عليك الاستقالة من الحزن والكلمة ، ممنوع عليك الاعتكاف ، فهذا لمجانين مثلي يعتكفون لاسباب وجودية غاية في العفة اللغوية اما مثلك ليس مسموحا له الاستقالة من وطن احدث الغرباء فيه انقلابات انثروبولوجية واخرى وجدانية حتى صارت الغربة دليلا على الانتماء اليه ، وها نحن ننتمي للغربة وينتمي الغريب الى وطنه بعد ان البس بلادنا قناع حنينه الاول .. كوكب ينتمي للعراق وغرباء يتاففون الانتماء له ! اي مفارقة هذه ايها الحارس الخرافي نحن بحاجة لحراس الرافدين ، فالاوغاد البسوا البلاد قناع السماء كي يسهل تهجيرها عن ضفافها .. اي عجب هذا حين تهجر الانهار ضفافها فهل سنسمي الطوفان نهرا ؟ فاجمع شتيتك وامحو كل صناديق البريد ، لان الرب لم يجد صندوقا لبريده غير اور القديمة ، وفي النوى العتيق استدمعت نينوى مجد اشور واثم بابل وحماقات شهريار في ليل بغداد واسفار السندباد ، هو ذي نحن ثقل الملاحم وماثرة المكارم ولماع النور لا بريق الصوارم .. لك السلام .. لك الفيء من نخلة في الدار وصنوبر على شواهق نينوى ، زهور لعنتها المعابد في الناصرية ، فربهم يكره الزهور وياوي المقبرة .. لك السلام من هور سكنه رهبان وانبياء العهد القديم ، من العزير وقلعة صالح ، من بصرة خطفها المسبحون بالنفط والرب ، وسرقتها دولة الكشوانية وحكومات الادعية ووزارات اللطم ، كل علمي ان دجلة تجري والفرات يهدر .. اذن سيمر العابرون الى المزبلة ويبقى العراق صندوق بريد لاول رسالة حب بين الارض والسماء ، حديقة لتاملات انبياء بؤساء منبوذين صنعوا ذاكرة الدنيا .

شاهد أيضاً

حمّى رفع الشعارات: السياسي والأصولي والمثقف وصاحب المال

أطنب القدامى في الحديث عن علاقة المثقف بالسلطة في مختلف العصور وكشفوا النقاب عن الإكراهات …