الرئيسية / مقالات / متى يتغّير زمننا العربي نحو الأفضل ؟

متى يتغّير زمننا العربي نحو الأفضل ؟

ما من واقع تراكمت فيه الترسبات بأسوأ مما يمكن تصّوره عبر مضي السنوات عن احقاب الانحطاط .. وقد اعترف الجميع بحقيقة امراضه وعلله واورامه التي نصحو كل يوم على واحد منها ولا نسمع غير ولولة النساء وقيئ الرجال وصراخ الفضائيات وسذاجة المواعظ وصولا الى القتل والنحر .. انها حقيقة مختزلة تقول : بأن البشر لم يفكروا يوما بأي ازمان اجهضت ؟ انها دوما تخرج من كهوفها الحجرية بأرديتها البالية الممزقة .. لترفض واقعها بكل تقاليدها المهترئة !
لو عاشت بقية الامم والمجتمعات مثل هذا الواقع العربي المضني ، لكانت قد تعلّمت شيئا ذا بال من الدروس والعبر والتجارب ، وانها قد ادركت حقا بأن تجديد الحياة لا يمكنه ان يبدأ من الأوهام ومن العدم .. ، بل يقضي دوره الحقيقي من كيفية التعرف بمواطن الزلل ومكامن الخلل والاستجابة للتحديات المريرة حينما تقدر الأمور حق قدرها وتتم عمليات موسعة للاستجابة والمشاركات .. اذ ليس هناك حلبات للشعارات والهتافات وترديد المقولات والخطابات والتصريحات والاكذوبات التي لا نفع بها ابدا !
من يرحم هذه المجتمعات العربية المليونية المتنوعة التي تتوسط استراتيجية قلب هذا العالم وهو يتحرك بسرعة لا يمكن تخيلها وهي واقفة جامدة كابي الهول .. ؟؟ كيف يمكننا نشر آليات الوعي وأساليب التفكير الحديث ؟ من يقرن القول بالفعل بحيث لا تتربى الأجيال على المخادعة وعلى تقديم الفكر المزّور وعلى تشويه الحقائق وعلى ترديد المفبركات ؟ من يفتتح طريقا في الزمن ؟ من يقرع الأجراس الثقيلة ويطلق الوعي من مكامنه ويجعل الناس لا تفكر الا في حقائق الأشياء وسمو المعاني وقيمة الزمن ؟ من الذي يحمي الدين وجوهره وسماحته ويسمو بتجلياته بعيدا عن نزق الغلاة والمتعصبين والمتطرفين ؟
من يتوازن نفسيا ويغادر خطابات الانفعال والانوية والتمجيد والمفاخرات والسكونيات والاتكاليات والكسل التاريخي والعبث الاجتماعي وضياع الزمن الثقافي ؟؟ من يترك صفات الخمول والهروب الجماعي من العمل والإبداع والمنتجات ؟ من يزرع شعلة الأحياء والتقدم في النفوس ويبهج العقول من اجل بناء أجيال جديدة مختلفة ؟
ان ما عاشه العرب على مدى مائتي سنة من تجارب واختبارات لا خيارات فيها تمثّل نضوجا هرما لدى شعوب ومجتمعات أخرى .. في حين أن نصف قرن مضى بكل فضائحه وهزائمه وانكساراته وخوره في تراجعاته وشراسة بعض حكامه .. شكّل بالأساس ثقافة ( عربية ) مفضوحة بكل معايبها وبروز عوراتها .. بالرغم من فيض بلاغتها وهياج شوارعها وصياح ثوارها وانقلابييها .. انها ثقافة هجينة فيها ترسبات العجز التاريخي ولا تمثّل صميم مكابدات نخبوية وإبداعية رائعة . ثقافة نرجسية خاوية لا تنجح في الاعتراف بالآخر ! ثقافة مجتمعات منهكة لا ترى في الحياة الا الصخب والرقص واللف والدوران واستعراض المفاتن والعضلات .. وفي ركن آخر يمجدّون الماضي التليد ويتعصّبون ويحكمون بقبضتهم على مكامن الحياة والزمن فيقتلونها قتلا !
وليس هناك من يجادل في التي هي أحسن ، لأنه اعجز على فهم ما يدور في هذه الدنيا . والعاجزون عن بلوغ المستوى الإنساني هم أعداء الحرية . ويشكل عدم الاعتراف بالخطأ في أوساطنا السياسية والثقافية والإعلامية على مستوى المجتمع والدولة من كبائر الامور التي اخّلت بموازيننا في هذا الوجود الصعب .. اننا نعالج الأمور بالعواطف الساخنة والتأوهات الدافئة والصياح بحيث تصم آذاننا وتعمي عيوننا عن أعمق تجليات هذا العصر واقصى تحدياته .. ليس لامور تافهة بل لو أدرك العرب ما تحتاجه أجيالهم في المستقبل عندما يختزل التاريخ دوراته ، فسيجدون أنفسهم خارج الزمن ! إنهم يسارعون بتخلفهم على تفكيك تصلباتهم وتدمير حياتهم بدءا بذواتهم وهويتهم وتكويناتهم وانتهاء بموضوعاتهم وحساباتهم ومنتجاتهم الى حيث المصدر المجهول .. وان الحقن والمعالجات والمهدئات والمسكنات سوف لن تنفع البتة ، فالوعي مستلب والاغتراب قائم .. والاوطان مفتقدة ! ولا يظنن أحد بأن الآخرين قد أطلقونا في الصحاري ، فتاهت علينا الطرقات .. بل بقينا نشعل في أنفسنا التناقضات حتى وصلنا الى درجة اختلطت علينا روح المقاومة بين الخير والشر .. وغدا الارهابيون يقتلون الأبرياء وبدأ الواقع المنكود يّفّرخ ارهابا وارهابيين ..
ومن هو المسؤول عن بناء الأجيال اليوم وهي لا ترى في بيئاتها الا ما هو سطحي وبليد ومتخلف دوما ؟ هل صياغة المستقبل تحددها الأناشيد السخيفة والأغاني الهابطة والمواعظ المكررة والمهرجانات العقيمة والمؤتمرات والندوات الفارغة ؟
متى تتم صياغة الانسان من جديد لفهم مرجعياته وتأصيل هويته بعيدا عن التعصب والانغمار في امواج بحر الظلمات ؟ وهل ضمن حياته وأولاده وسكنه ورزقه وعمله وعيشه وكرامته الانسانية ؟؟ كلها أسباب جعلت دنيانا العربية مخترقة من قبل الآخرين .


من الذي قام بسد أبواب العقل وغلق التفكير وحجّر الذهنية ونفى العقل .. بحيث لم يعد يفّكر إلا في توافه الأمور وسخف الأشياء ؟ وكيف غدا الإنسان مقلّدا لا يفكر ولا يحّكم عقله أبدا ولا يجتهد أبدا ولا يقارن في تناقضاته أبدا ؟
وأخيرا ، هل يمكن التفكير في المستقبل ؟ هل يمكننا تخّيل العالم كيف سيصير بعد مائة سنة من اليوم ؟ أليس من الأجدى بناء وعي جديد واستعادة العقل من جموده وتجديد الذهنية والانطلاق للتعامل مع كل العالم في الإبداع والإنتاج والتخلص من التواكلية والاستهلاك ؟؟ الضرورة تقضي تقليل من التناقضات المريعة التي يعيش عليها واقعنا العربي كله ؟ اليس من المهم ان نقلل من شعاراتنا وخطاباتنا ومواعظنا ونكثر من قراءتنا وانتاجنا وتثمين زمننا واحترام حياتنا ؟

البيان الامارتية ، 29 مارس 2006

شاهد أيضاً

زعامات ورزايا .. ورئاسات بلا مزايا

 الزعامة غير الرئاسة، والرئاسة غير الإدارة، والإدارة غير القضاء. لقد مضى زمن الزعامات الحقيقية، وماتت …