الرئيسية / كتب / الجامعة العربية… اشتراطات التغيير في القرن الجادي والعشرين 3

الجامعة العربية… اشتراطات التغيير في القرن الجادي والعشرين 3

الحريات انفلتت إلى الفوضى وغرقت في الكوارث وانطمست في الصراعات! لقد تبلورت النتيجة الرهيبة التي يدق اسافينها في مراكبنا العتيقة وقد صحونا على بدايات قرن جديد‚ لنكتشف اننا لم نحرر فلسطين‚ ولم نتحرر من الاستعمار الذي عاد بكل ثقله‚ وفي الوقت نفسه لم نحقق تنمية حقيقية تقاوم الفقر والبطالة والتخلف‚ ولم نطبق ديمقراطية سليمة تقاوم الفساد والاستبداد‚ فاذا بكل ذلك يستدعي تدخل الاوصياء الأجانب ليفرضوا علينا الوصاية باسم الاصلاح الديمقراطي ! انني واثق بأن اغلب الزعماء العرب لا يمكنهم قبول هذه الوثيقة لأنهم اصلا لا يريدون اي مشروع يهدد بنيوياتهم وهياكلهم السلطوية ، وخصوصا في الانظمة الجمهورية التي غدت نظم وراثية كسيحة لا تتمتع بأي مشروعية وليس لها اي مصداقية ولا شفافية في العلاقة التي تحكمها بشعوبها العربية .. وعلى المجتمعات ايضا ان تخرج من اطواق مواريثها المتعبة التي ابعدتها عن الوعي والتفكير السياسي وعن التفكير بالمستقبل من خلال مقارنة التردي العربي في كل المجالات بما يحصل في مجتمعات اخرى انطلقت نحو الافاق الجديدة .
3/ لقد فات قطار الاصلاحات !
وعليه ، يمكننا القول بأن لم يعد من صالح الحكام والمحكومين العرب معا البقاء في هذه الحالات الكسيحة والاستسلام لهذه الورطة التاريخية من خلال العجز عن الاداء .. وهناك من يؤكد بأن القطار قد فات العرب ، اي قطار الاصلاح ولم تعد تفيد كل هذه الضجة التي يفتعلها العرب بانفسهم كونهم سيلحقون بركب العصر بعد ان يلتقوا في مؤتمر للقمة !! ونقول بأن الصالح لهؤلاء وأولئك يكمن في المبادرة ليس باصلاح البيت من الداخل حسب ، بل الشروع بالتغيير الجذري وبأيدي أبنائه وفكر عقلائه من أبناء المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية وبوسائل سلمية والعمل بمقترحات ومشروعات كالتي قدمتها نخبة عربية عالية المستويات من أمثال الذين جمعهم مؤتمر مكتبة الاسكندرية التاريخية .. وفي الحقيقة ، انها محاولة جادة لوضع إجابات صعبة للاسئلة الأصعب . وبالرغم من أهمية وجدية الوثيقة الصادرة عن هذا المؤتمر، إلا ان ثمرتها لا يمكن التمتع بها من دون ان يفّعلها اصحابها وخصوصا الزعماء العرب كونها تبقى مرتهنة بجدية تنفيذها ومدى استجابة الحكومات العربية لما جاء فيها من مضامين على بداية الطريق . وهذا أمر رأينا كم انقسم الحاضرون من المشاركين حوله بين فريقين : فريق متشائم يرى أن لا بصيص أمل في أن تبادر الحكومات العربية إلى التنفيذ، وهي وأن حتى لو استجابت فستكون استجابة شكلية ومراوغة ولف ودوران من اجل ان تنجو من ضغوطات الخارج والداخل على السواء ! وهناك فريق آخر متفائل يتأمل بالحكومات العربية العمل على تفعيل هذه المبادىء خصوصا وانها قد اصبحت في ظل المناخ الدولي أكثر رشدا ووعيا كما وبدت أكثر استعدادا لتجرع الدواء المر وقبول التحدي الصعب – كما يقول احد المعلقين – ، ولكنني متشائم جدا من اي تطبيقات حقيقية تلتزمها الانظمة السياسية العربية التي تعيش ترهلا وبؤسا وامراضا كسيحة لا تقوى على ان تتنفس هواء جديدا .. فهل ستتحرك مجتمعاتنا سلما من اجل مستقبل اجيالها ؟؟
وأخيرا ، ازجي كل التقدير لتلك النخبة العربية المستنيرة التي تتطلع الى بناء مستقبل من نوع جديد بعيدا عن كل المفبركات والشعارات والاعلاميات البليدة ومجرد البيانات السياسية التي لا نفع منها ابدا .. فهل يمكن لمثل هذا ” المشروع ” ان ينطلق عربيا ام ان الاخفاق سيكون نصيبه او بالاحرى سيغمره النسيان والاهمال كالعادة في غمرة امواج الجهالة والخديعة ؟؟ هذا ما ستكشفه الايام في قابل !

( ايلاف ( حلقتان ) 14-16/ ابريل 2004 )


القمة العربية واشتراطات المستقبل
جدول اعمال وهمية من دون بيروستريكا لبيوتات العرب المخربّة !
د. سيار الجميل

كنت قد طالبت بعدة مقالات من مؤتمر القمة العربي الذي فشل انعقاده بأن لا يضيّعوا اوقاتهم الثمينة في معالجة سيناريوهات متخلفة ازاء متغيرات تاريخية صعبة جدا وفي مرحلة تعج بالبدائل والتناقضات خصوصا ما يتعلق بالشأن العربي المعاصر والظروف التي خلقتها متغيرات ما بعد سقوط النظام العراقي السابق .. والتداعيات والاثار التي نتجت عن ذلك وخصوصا بطرح مشروعات بديلة لما هو سائد اليوم والتي يقف على رأسها مشروع الشرق الاوسط الكبير الذي تتبناه الولايات المتحدة الامريكية وتروّج له بقوة لا يمكن لغيره مقارعته او الصمود امامه .. وثمّة وثيقة قدمتها جامعة الدول العربية من اجل ما اسمته باصلاحها وهي الوثيقة ( المتخلفّة ) التي لم ينجح المسؤولون العرب من الاتفاق عليها فكان ان اخفقت الدعوة الى عقد القمة في تونس .. مما اثار ضجة سياسية واعلامية لا معنى لها ابدا خصوصا عندما نعلم بأن العرب سواء اجتمعوا في قمتهم ام لم يجتمعوا فان ذلك سوف لن يزيد او ينقص من موازين المرحلة وثقل الاحداث التي غدت دولية صرفة في منطقتنا العربية وخصوصا في العراق . ولكن وبرغم المساعي الحثيثة التي جرت من اجل عقدها وتشبث تونس بها اعتمادا على شرعيتها والحاح بعض الدول العربية عليها ، فان كل ذلك لا نفع فيه كما ازعم مشاركا غيري من المحللين والمراقبين السياسيين العرب !
المعزوفات القديمة .. متى يتركها العرب ؟؟
انكم تجتمعون اليوم في القمة والتحديات هي نفسها قوية جدا في مواجهتكم ، وكالعادة سوف لن يكون باستطاعتكم ايضا الخروج بأي ( مبادرات ) كالتي الفنا سماعها دوما بعيدا عن أي حلول عملية يتطلبها واقعنا اليوم منكم مهما كانت حجوم الانقسامات في ما بينكم . انني ادرك حجوم اختلافاتكم واحدكم عن الاخر ، وان اقصى ما يمكن عمله اليوم يقضي بتفعيل مبادرة حقيقية من اجل تغيير اوضاع الامة ، وعدم الركون لما يقوله لكم المستشارون والتابعون او اولئك الذين يقبعون في جامعة الدول العربية من القدماء المتحجرين كما واتمنى عدم المصادقة على اية شعارات انشائية لا معنى لها كي يتم بها اسكات افواه الناس الذين ينتظرون شيئا حقيقيا منكم اليوم ، واعتقد ان مجرد الحديث عن مقترحات واهنة وتقريرية وانشائية لا نفع فيها ستضر حياتنا العربية الصعبة وتزيد من تعقيداتها من دون تقديم حلول براغماتية حقيقية لتحديث الحياة العربية بديلا لما يشاع من شعارات اصلاحية سواء كانت امريكية الصنع ام عربية الدعاية .. ان السياسة العربية اليوم تمشي على عكاز بين مطرقة القيادة الامريكية وسندان الجماهير العربية ولتكن سياسة متوازنة تراعي مصالح العرب العليا ولتكن جذرية في التغّير مقتلعة لكل الترسبات وعلى ثلاث محاور : سياسية ومعرفية واقتصادية وهذا بحد ذاته هو اضعف الايمان في الرد على اشتراطات مشروع الشرق الاوسط الكبير . واعتقد انه لم يعد باستطاعتنا ان نخدع انفسنا اكثر من خداعها لأكثر من خمسين سنة مضت ، فالعالم كله يتغير بسرعة مذهلة من حولنا .. ومن لم يكن بمقدوره ان يصلح من شؤونه الداخلية ، فلن يكن باستطاعته تحّمل حجم ما سيصيبه من جراء المواجهة .. ولابد من ادراك متبادل لحجم التحديات وطبيعة المتغيّرات ونحن ما زلنا نغني اغنياتنا القديمة ونبيع هذه الامة المشاعر والعواطف ونشحن الزعماء بالعنتريات وترديد الشعارات التي اودت بكل نفائسنا . وعليه اعيد واكرر مسألتين اساسيتين ، هما :
1/ الشأن الداخلي لكل دولة عربية وكيفية ترتيبه بما يتوافق ومتطلبات اساسية ربما لم يقتنع بها او حتى يفهها العرب وليس بالضرورة ان تكون متوازية ومشروع الشرق الاوسط الكبير . ان على العرب معالجة بيوتاتهم المخربة دواخلها قبل ان يبحثوا عن صيغة تراضي لاصلاح ( جامعتهم ) باسم البيت العربي ، اذ لا وجود لمثل هذا البيت على ارض الواقع !
2/ الشأن الخارجي لكل دولة عربية وكيفية ترتيب ذلك الشأن بما يتوافق والمتغيرات في النظام العالمي الجديد .. وليس شرطا بما ينسجم والارادة الامريكية التي تحتكر العالم ، بل يمكن التعامل خارجيا مع الكتل الكبرى السياسية والاقتصادية في العالم .. فليس هناك سياسات احادية عربية في التعامل مع الاطراف المختلفة .. واعتقد ان في ذلك عناصر ايجابية يمكن استثمارها في ان يكون هناك توزيع ذكي للادوار العربية .
الركائز الاساسية للتغييرات الجذرية
ان الحاجة العربية اليوم باتت ماسة للالتفات الى جملة من الركائز الاساسية التي لابد من التفكير بها في ما يمكن فعله داخليا ، بعيدا عن التوهم بأن اصلاح بيت الجامعة العربية سيصلح البيوتات العربية التي اغلبها هي خربة تعشش فيها العناكب وبحاجة ماسة الى هدم موسّع لكل الاطلال العتيقة والبنى المتهدمة .. والبدء بعمليات جراحية من اجل استئصال كل الامراض والاورام .. كي تنفتح حالات جديدة يمكنها ان تتلاقى عربيا على اساليب مشتركة من دون ان تكون متحدة او لا تكون .. وان يعترف العرب جميعا بأن جامعتهم العربية لا يمكن اصلاحها مهما قدموا لها من علاجات اذا لم تحدث تغييرات جذرية في كل بيت عربي ، فان حجوم المشكلات التي تعاني منها هذه البيوتات كبيرة وثقيلة وتتفاقم اخطارها يوما بعد آخر . ويمكنني ان اعيد تحديد بعض الركائز الاساسية للتغييرات الجذرية :
اولا : تغيير الاوضاع السياسية من اجل بيروستريكا عربية
اقول : انه لابد من توفير قدر واضح وفعال من الشرعية والدستورية والشفافية والحريات العامة والسياسية وتوفير القدر الكافي من بيروستريكا عربية تبدأ فعلا من كل بلد عربي يحتاج الى تغييرات حقيقية قبل ان يجرفه التغيير من الخارج كما حدث للعراق .. وهي نصيحة اسديها للاخوة الزعماء العرب ، وان يبدأوا تغييرا جذريا في سياساتهم ويفككوا منظومات سياسية وحزبية وامنية قديمة لم تعد صالحة اليوم للتعامل مع هذا العصر .. عليهم بدساتير جديدة ومنح حريات اوسع وفصل سلطات اكثر ومحاربة كل الفساد السياسي وان لا يكون هناك احتكار للسلطات ولا توريث للرؤساء الجمهوريين ، اذ لا يمكن تأسيس سلالات جمهورية بدائية والكف عن التنطع والتحدث باسم المبادىء والتاريخ والشعارات الرنانة .. لأن التاريخ الزعاماتي العربي المعاصر قد علمنا من خلال مؤتمرات القمة العربية ان ما يقوله الزعماء العرب لا ثبات فيه ابدا .. فهم يقررون ويشجبون ويعارضون ويبادرون وينددون وتتكلم الصحافة العربية عن الانتصارات وتصفق البرلمانات بمنتهى البلادة عن المواقف المبدئية والشجاعة العنترية والقيم القومية ثم يبدأ مسلسل التنازلات . فما علينا الا ان نحترم انفسنا ونعمل بانفسنا على ان نغّير ما بانفسنا بما يضمن تجديد الدماء في السياسة العربية بعيدا عن كل مانشيتات القرن العشرين . ان الامة العربية يا زعمائنا الكرام بحاجة ضمن مشروع بيروسترويكا عربية ، استحداث برامج جديدة في السياسة الداخلية بدل التصلب الذي لن يجدي نفعا .
ثانيا : تغيير التشريعات والقوانين وثورة المعرفة
لا يمكن ابدا ان تبقى مجتمعاتنا اسيرة الدول والسلطات العربية ولابد من جعل دولنا العربية في خدمة مجتمعاتنا .. وتشريع قوانين قوية جدا في تغيير كل ما يتعلق بحياتنا في كل بيوتاتنا التي يأسف عليها العالم المعاصر ان تعيش بمثل هذه الاحوال وهي تمتلك امكانات هائلة من القدرات والثروات . ايها الزعماء العرب : امتكم بحاجة الى تبديل كل قوانينها بما يضمن تسهيل حياتها .. امتكم بحاجة الى تغيير فعلي لكل المناهج التربوية والتعليمية التي اكل الدهر عليها وشرب .. ومنذ سنين ونخب عليا تطالب بذلك ولا حياة لمن تنادي .. اساليبنا العتيقة انتجت او انها اعادت انتاج كل ما نجده من التخلف والركود ، بل وساهمت بعض مناهجنا ولم تزل في صناعة الارهاب والارهابيين ! ان بلدانا عربية عديدة بحاجة الى تغييرات جذرية في نظم الخدمات والبلديات والاسكان والضمان الاجتماعي واخراج المواطنين من ازماتهم التي اثقلت كواهلهم منذ ثلاثين سنة ! عليكم باصدار قوانين تحارب الفساد وتسن قوانين محاسبة المخطئين ! عليكم بالمرأة العربية وتوفير فرص الاخذ بيدها من خلال اصدار قوانين تقف الى جانبها والى جانب الاطفال العرب ورعايتهم وتكوينهم علميا ومعرفيا ومهنيا . عليكم بتحرير الاعلام من قبضة السلطات ! ان مجرد التلكؤ في مثل هكذا تشريعات سوف يجعلكم في واجهة الاخر كي يصدر اوامره ويأخذ زمام المبادرة ويلزمكم بالتغيير .
ثالثا : تغيير انماط الحياة الاقتصادية العربية :
ان مجرد الاختلاف على وثائق هزيلة يعدها اناس متخلفون يضّيع من الزمن الثمين ، وسوف يبعدكم عن الهدف الذي لابد ان تسعوا اليه من اجل بلوغه بمنتهى الذكاء وخصوصا عندما تعتمدوا مشروعا عربيا مشتركا من اجل التغيير الجذري لا من اجل اصلاح الرتوق ! ان عصرنا اليوم يطالبكم ان تنظروا الى المستقبل وتحدياته وثقوا ان اية خطوات عملية وفعالة في اقتصادياتكم وميادينكم الانتاجية سيساعد الى جانب ما توفرونه من قوانين فقهية جديدة تتطلبها المقاصد الجديدة للقرن الواحد والعشرين .. بحل كل المشكلات المتعلقة والموروثة من عهود مضت . ان خلق منظومة اقتصادية عربية ليس امرا سهلا سيتحقق بين ليلة وضحاها ، انه سيستغرق وقتا طويلا ولكن سيكون سريعا في حركته ! وعليه ، فان المطلوب من الزعماء العرب ان لا يضيّعوا وقتهم الثمين في مجرد تمنيات لا تتحقق ابدا ! ان الحاجة الماسة ايها الزعماء العرب ومن اجل خلق نظام اقتصادي عربي جديد العمل على تجديد كل مبادىء وتغيير بنود النظام الداخلي لجامعة الدول العربية كي تخرج للوجود منظومة حيوية تمثّل حلقة وصل حقيقية بين الاعضاء لا منظّمة ميتة لا تعرف الا ترديد الشعارات القومية .. وعليه ، فلابد من معالجات سريعة وقاطعة تعطي أثرها حالا . واعتقد ان هذه المطالب شعبية ونخبوية عربية قبل ان تكون اشتراطات امريكية !
واخيرا : مطلب من اجل المستقبل
انني اذ اختتم هذه الدعوة لكل الزعماء العرب الكرام الذين يلقي الجميع اليوم عليهم تبعات ما يحدث كونهم من المسئولين القائمين على هذه الامة وهم يعلمون علم اليقين حجم المعارضة العربية لسياساتهم الراهنة .. وان يقوم الزعماء العرب بزرع علاقات جديدة في ما بينهم وبين شعوبهم ويوفروا القسط الاكبر من الحياة الكريمة لها ويعملوا على تغيير طواقمهم من الاتباع والمستشارين بالاعتماد على شخصيات عربية براغماتية من الجيل الجديد الذي يتفّهم مجريات ما يحصل اليوم . وان يبدأ الحكام العرب بتنفيذ ما يقولونه ويذيعونه ليكسبوا ثقة العالم ، واطالبهم بادانة الارهاب وقتل الابرياء في كل هذا العالم .. وان لا تأخذهم العزة بالاثم ان اعترفوا باخطاء ارتكبوها وان لا يعترضوا على كل ما يأتيهم علنا ويوافقوا سرا على اي مبادرة او مشروع يأتي من الاخرين او من الخارج فليس كل ما يأتي من الخارج كرها او حراما .. اتمنى لهذه البيوتات العربية التقدم وتحقيق الفرص السانحة وان يكون مؤتمرهم الحالي ، بداية حقيقية جديدة لصنع تاريخ جديد يتعامل مع عصر جديد .. فهل سيحدث ذلك بمنتهى السهولة ؟ انني اشك في ذلك ، فمن الصعب جدا ان يخرج العرب بمثل تفكيرهم السياسي السائد من دوائرهم اللولبية القديمة التي ما زالوا يدورون معها ، ولكن الى الخلف من دون استقامة الطريق ويا للاسف الشديد !
السياسة الكويتية ، 22 مايو 2004 .


قمة بيروت : هل من تأسيس عربي للمستقبل؟

سيّار الجميل

ثمة اسئلة خطيرة لابد ان نسألها نحن معشر المثقفين العرب الذين ربما اختلفوا في رؤاهم عن السياسيين حيال ما يخبأه المستقبل لهذه الامة التي لم تؤسس حتى يومنا هذا طريقها نحو المستقبل ! ثمة اسئلة تنتظر اجوبة وافية عليها من دون أي التواءات او ايجاد منافذ للهروب ، خصوصا واننا نعيش في عصر تتسابق فيه المصالح وتختلط فيه الرؤى وتتباين فيه الاتجاهات وتزّيف فيه المعلومات ! كنا نسمع اباؤنا يقولون ويرددون ان الامة تمر في اخطر مراحلها قبل اكثر من نصف قرن .. ولما كبرنا سمعنا من رصفائنا قبل ربع قرن بأن الامة تمر باحلك ظروفها ! وها نحن اجتزنا الزمن وتخضرمنا بين قرنين ، ولما نزل نسمع ونردد بأن الامة تمر بأصعب مراحلها وظروفها ! وسنبقى نردد نحن والاجيال القادمة العبارة نفسها وكأنها غدت مستهلكة لا قيمة لها ابدا ، هي والمصطلحات التي ترافقها : المخاطر والتحديات والازمات والمشكلات والمعضلات .. الخ انها وايم الله صحيحة ما دام العرب لم يستجيبوا الى حد يومنا هذا لتلك التحديات ، ولم يجدوا لهم حتى اليوم علاجات جذرية وحدود دنيا من الحلول العملية التي ربما يعرفها الجميع ويتداولها اولئك الذين يفكرون بالمصير التاريخي الذي ينتظرنا جميعا !
ربما يقول البعض بأن الاسئلة معروفة لا حاجة الى ان نكررها مرات ومرات ! وربما يتنادى الجميع بأن الحلول جاهزة لا حاجة للعرب بأن يطرحوا البدائل ! ولكن دعوني اتوقف عند هامش صغير ومتواضع لابد من التفكير فيه خصوصا وان صفوة من المفكرين العرب يطمحون اليوم ان تتلاقى كل الاتجاهات والتيارات مع بعضها البعض من دون رصد مسبق من اجل انبثاق ارادة عربية كتلك الارادة التي شهدت بتاريخها الحافل جملة من الاحداث التاريخية المريرة طوال النصف الثاني من القرن العشرين ، بل وكانت منطلقا للعديد من الحركات الفكرية والسياسية الساخنة ، وكانت بؤرة قومية راسخة لعدد لا يحصى من التجمعات والنخب الثقافية .. ولم تزل تعيد نفسها الحيوية والقوة للانشطة العربية الذكية . كما وانها بقيت صامدة بوجه التحديات القاسية التي مرت عليها وتجاوزتها بكل جدارة .
هل ستكون هذه الاقوال كسابقاتها من التصريحات العربية ؟ هل انها ستكون مجرد اجتماع رأي للصفوة العليا من المفكرين العرب الذين يعلنون ما يريدون هم قوله ثم يمضي كل شيىء الى سبيله من دون أي تفعيل ولا توظيف او متابعة ؟ هل ستكون وجهات نظر تلك الصفوة معبرة عما تريده الامة ام انها ستزيد من هوة التناقضات بين ما يطمح اليه المفكرون وبين ما يعلنه الشارع السياسي ؟ وهل تطمح الصفوة العربية ان تجد حلولا سريعة واعلانية وشعاراتية وتكتيكية .. ام انها تسعى لأن تؤسس ثوابت استراتيجية من اجل تاريخ جديد لكل

التناقضات العربية
نستمع في مكان آخر لفكرة من نوع آخر كتب صاحبها قائلا وهو يناشد مؤتمر القمة العربي الذي سينعقد قريبا : ” وقد تأتي فقرة ثالثة عن ضرورة الاصلاح من الداخل بارادة شعوب المنطقة وليس مفروضا من الخارج ردا على ( مبادرة الشرق الاوسط الكبير ) التي انقسم العرب حولها ، الجناح الشرقي للوطن العربي لا يرفضها موضوعا ولا شكلا ، والجناح الغربي له يرفضها شكلا ويقبلها موضوعا . ويرد عليها بمبادرة عربية اخرى مشابهة في المضمون وان اختلفت في الشكل بارادة خارجية ام بارادة داخلية مفروضة من الخارج تحت اسنة الرماح وجنازير الدبابات والتهديد ام تلبية لمطالب الشعوب بضرورة التحرك نحو الاصلاح ونظم الحكم الديمقراطية وحريات الافراد ، واستقلال المؤسسات وتداول السلطة ، وتقوية المجتمع المدني ” .
ما هذا التقسيم ؟ وما هذه الرؤية ؟ من جعل بأن هناك شرقي وغربي عربيين ازاء المبادرة امريكية ؟ وهل يفّكر البعض من الكّتاب والمفكرين العرب بأن الارادة الداخلية يمكنها اليوم ان تفعل شيئا ؟ وما القصد بالارادة العربية ؟ هل تلك التي يحتكرها الزعماء العرب ام انها التي تعّبر عنها القوى الجماهيرية نخبا وفئات ؟ هل يعتقد العرب بأن الارادة الخارجية لا يمكن ان تتحقق الا بالجنازير وتحت اسنة الحراب ؟؟ لماذا يعتقد العرب ان وضع بلدانهم العربية كلها متشابه ؟ ولماذا يقاس وضعهم بالعراق سابقا او بسورية لاحقا ؟؟
يقول صاحبي مستطردا : ” والشقيقة الكبرى مستعدة دائما لعقدها ( القمة العربية ) في القلب اذا ما تردد الجناحان الشرقي والغربي حرصا على دورها المركزي في مواجهة محاولات التهميش من احدى الشقيقات الصغرى او من القوى الكبرى حتى تنتهي قصة العرب بتوقف القلب عن النبض بعد شلل الاطراف ” .
كلنا يدرك اهمية مركزية مصر في المنطقة ، ولكنها مع الاسف لم تنجح في عملية التوفيق بين الاجنحة ، ولم تنجح ايضا في القيادة نحو الامام ، ولم تنتصر ابدا في العمل على كبح التحديات وحل المنازعات وايقاف الحروب ومنع الاطراف من الشلل ! والشعوب العربية ليست كما يتصّورها البعض لم تزل متمسّكة باهداف ما يسمّى بجامعة الدول العربية التي لم يزل كتابنا ومفكرينا يتمسحون بها حتى بعد فشلها الذريع في تقويم احوالها ، بل ان مجرد الاعلان عن ضرورة انشاء برلمان عربي هو من قبيل الاحتلامات الليلية ، فأوضاعنا – كما قلنا – ليست كأوضاع الاوربيين وان ظروفهم غير ظروفنا ، فاذا يتحدث العرب اليوم عن مركزية وقلب واجنحة واطراف وقوة عربية كبرى وأشقاء صغار .. فهذا لم نتلمسه في النظام الاوروبي – مثلا – ولا عند الاسيان ولا في النافتا لامريكا الشمالية ولا حتى في الكومنولث البريطاني العتيق !
محاولات في ترويج احتلامات جامعة الدول العربية
هل يعتقد الاخوة من الكتاب والمفكرين العرب انه من السهولة انشاء برلمان عربي من دون موافقة سلطات كل قطر عربي ؟ وهل سيكون ذلك البرلمان صريحا في التعبير عن ارادة نظام عربي ام عدة أنظمة عربية ؟ اذا لم تكن الظروف المؤاتية بعد ، فكيف تجرؤ جامعة الدول العربية على تبنّي هكذا مشروع ؟ او ما طرحته عن مشروع محكمة عدل عربية في ظل تفكير مسيطر حتى اليوم بين العرب الاقوياء والعرب الصغار بين القلب والاطراف ، اي بين المركز والاجنحة ؟؟ انهم يدينون اليوم صورة رئيس عربي سابق اشعث الشعر زائغ النظرات ذليل القسمات .. يلعب في شعره جندي امريكي ، ولم يتكلموا ابدا عن سيرة 35 سنة من حكم طاغية ارعن جائر حكم العراق بالحديد والنار وساهم في انقسام الامة ! وهم يجتمعون في ندوة قومية يتباكون فيها على العراق بعد ان كانوا قد ساهموا في ندوات قومية سابقة لدفع العراق الى الجحيم من خلال تأييدهم للجائرين .
ويتساءلون : لماذا لا توضع بنود شبيهة بـ ” الشنجن ” ليكون هناك ( شنجن ) عربي تلغى من خلاله التأشيرات لدخول العرب اي ارض عربية ؟ لماذا لا يتحّرك العرب في اوطانهم بالتصريح ، ويقارنون لماذا الاجنبي يدخل المطارات العربية من دون تأشيرات في حين ان العرب يطالبون بالتأشيرات ؟ ولابد ان يدرك اولئك الذين يعّبرون فعلا عن امنيات اصبحت اليوم بعيدة المنال واقعهم وكأنهم لا يعيشون ما الذي حدث في السنوات العشر الاخيرة ؟ انهم لا يدركون اذا ما فتحت الحدود العربية على بعضها البعض ما الذي سيحدث من انتقالات وهجرات ومشكلات لا تعد ولا تحصى ! ان الاجنبي يدخل بعض البلدان العربية للعمل او السياحة .. ولكن العربي سيدخل البلدان العربية ليس للتسكع او الهروب واللجوء .. بل سيستغل هذه الوسيلة لاعمال ارهابية تنتشر في كل بلد عربي ! هل وصلت البلاهة اليوم الى الدرجة التي تقارن فيها حرية الانتقال في الدائرة الاوربية مثلا وكأنها شبيهة بالدائرة العربية ؟ لا يفكّر البعض من الذين ما زالوا يتعاطفون مع المبادىء القومية على حساب الواقع السياسي والامني بأن العراق الذي لم تعد تحرسه أية قوات حدود ، ولم يعد يسأل الناس عن تأشيرة معينة للدخول اليه .. قد اصبح مزرعة موبوءة بالارهاب والارهابيين ؟ ايريد البعض من القوميين العرب ان يزايدوا على واقعهم المضني ويسّوقوا المبادىء عنوة من دون اي توقيت ولا اي تفكير ؟؟ ايريدون كسب عواطف الناس من دون اي حدود .. ونحن نراقب ما الذي يفعله الارهاب العالمي اليوم .


قمّة الجزائر واشتراطات المستقبل
د. سّيار الجميل
أخشى على مؤتمر القمة العربي الحالي في الجزائر ان يصيبه الفشل كما اصاب الفشل ما سبقه من مؤتمرات لأسباب مقنعة تماما لا تتفق ابدا وواقعنا السياسي ومتغيراتنا السريعة . وكم طالب العقلاء في هذه الامة بأن لا يضيّع الزعماء العرب اوقاتهم الثمينة في معالجة سيناريوهات متخلفة ازاء متغيرات تاريخية صعبة جدا وفي مرحلة تعّج بمختلف البدائل والتناقضات خصوصا في ما يتعلق بالشأن العربي المعاصر والظروف التي خلقتها متغيرات ما بعد سقوط النظام العراقي السابق . وثمّة ” وثيقة ” قدمتها جامعة الدول العربية من اجل ما اسمته باصلاحها وهي (الوثيقة) التي اثارت جدلا واسع النطاق ولم تلق التأييد الكامل ، وكان ان اخفقت الدعوة الى عقد القمة في تونس في العام الماضي بسببها .. مما اثار ضجة سياسية واعلامية لا معنى لها ابدا خصوصا عندما نعلم بأن العرب سواء اجتمعوا في قمتهم ام لم يجتمعوا فان ذلك سوف لن يزيد او ينقص من موازين المرحلة وثقل الاحداث التي غدت دولية صرفة في منطقتنا العربية. ان حاجتنا العربية للتغيير والاصلاح اصبحت ضرورة تاريخية داخلية قبل ان نستمع لمن يزيد من تهديداته وتحدياته حول الموضوع . ولابد للمسؤولين العرب ان يدركوا بأن مسألة الاصلاحات الداخلية في بلدانهم لا علاقة لها باصلاح مؤسسة جامعة الدول العربية كما يريد البعض ان يقول !
المطلوب عربيا من قمة الجزائر
انكم تجتمعون اليوم في الجزائر والتحديات تزداد قوة وشراسة في مواجهة العرب ، وسوف لن يكون باستطاعتكم الخروج بأي ( مبادرات ) كالتي الفنا سماعها دوما بعيدا عن أي (حلول عملية) يتطلبها واقعنا العربي اليوم مهما كانت حجوم الانقسامات العربية . واعتقد ان اهم ما يمكن عمله : الاتفاق الاستراتيجي العربي للقيام باصلاحات حقيقية في البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية الداخلية بعيدا عن اي مبادرات عامة او اي شعارات لا واقع لها ولا يمكن تحقيقها ابدا ، كما واتمنى عدم المصادقة على اية قرارات قدمّتها جامعة الدول العربية من دون فحص ما يمكن تحقيقه اصلا بعيدا عما سيضيف ذلك على كاهل العرب من اعباء في المستقبل ويلزمهم ببنود وقرارات لا يمكن التوافق معها خصوصا اذا ما علمنا بأن التباينات غدت واسعة بين الاعضاء .. ناهيكم عن الفروقات التي تفصل بيننا كمنظومة عربية متجانسة اجتماعيا وغير متوافقة سياسيا عن الاتحاد الاوروبي كمنظومة اوربية متوافقة سياسيا وغير متجانسة اجتماعيا .. فما يمكن ترسيخه من اجراءات هناك بيسر وسهولة لا يمكن تطبيقه هنا في عالمنا ابدا اليوم ، وليس من العقل ابدا ان نقيس اوضاعنا باوضاع امم اخرى تخلو من المشكلات الداخلية الصعبة . واعتقد ان مجرد الحديث عن انشاء مؤسسات لا نفع فيها ستضّر حياتنا العربية وتزيد من تعقيداتها من دون تقديم حلول براغماتية حقيقية لتحديث الحياة العربية بديلا لما يشاع من شعارات اصلاحية سواء كانت امريكية الصنع ام عربية الدعاية ..
انه لم يعد باستطاعتنا ان نخدع انفسنا اكثر من خداعها لأكثر من خمسين سنة مضت ، فالعالم كله يتغير بسرعة مذهلة من حولنا ، ونحن لم نزل نجتّر مسائل بدائية كان لابد ان تكون تحصيلا حاصل . وهنا يمكن القول بأن من لم يكن بمقدوره ان يصلح من شؤونه الداخلية ، فلن يكن باستطاعته تحّمل حجم ما سيصيبه من جراء المواجهة والتحديات ، ولابد من ادراك متبادل لطبيعة المتغيّرات ونحن ما زلنا نبيع هذه الامة المشاعر الساخنة ونردد الشعارات الطنّانة التي اودت بكل نفائسنا ومصالحنا العليا لعقود من السنين . وعليه اثير الانتباه الى مسألتين اساسيتين ، هما :
1/ الشأن الداخلي لكل دولة عربية تجد نفسها مهددة حصونها وكيفية ترتيبها بما يتوافق ومتطلبات اساسية مع واقع مجتمعها . ان على أكثر العرب معالجة بيوتاتهم المخربة دواخلها قبل ان يبحثوا عن صيغة تراضي لاصلاح جامعة الدول العربية باسم البيت العربي ، اذ لا وجود لمثل هذا البيت على ارض الواقع !
2/ الشأن الخارجي لكل دولة عربية وكيفية ترتيب ذلك الشأن بما يتوافق والمتغيرات في العالم كله .. وليس شرطا ان ينسجم والارادة الامريكية التي تحتكر العالم ، بل يمكن التعامل خارجيا مع الكتل الكبرى السياسية والاقتصادية في العالم ، فليس هناك سياسات احادية عربية في التعامل مع الاطراف المختلفة . واعتقد ان في ذلك عناصر ايجابية يمكن استثمارها في ان يكون هناك توزيع ذكي للادوار العربية ان ولدت الثقة بين الاعضاء .
ما الذي تضمنته وثيقة مؤتمر الاصلاح العربي بالاسكندرية ؟
كم اتمنى ان يستفيد الزعماء العرب من هذه ” الوثيقة ” ومضامينها العربية الرائعة في العام الماضي : ادانة للارهاب بكل اشكاله‏، ومواجهة النواتج الخطيرة لانواع التعصب الديني‏ ومعالجته بتجسيد قيم التسامح والعدالة والتفاعل الخلاق بين الثقافات والحضارات‏ .. ولعتقد المرء بأن الاصلاحات السياسية هي عقدة هذه الامة ، بل انني اعتقد جازما ومن خلال خبرتي التاريخية المتواضعة ان الاصلاحات الاجتماعية وتنمية التفكير الجمعي وتوليد الوعي السياسي بمنظومات القيم المدنية وتأسيس بنية فوقية عقلانية في المجتمع .. كلها عوامل تؤثر تأثيرا حقيقيا على توليد النخب الفاعلة التي يمكنها ان تّغير كل من المجتمع والدولة نحو الافضل .
اولا : الاصلاح السياسي :
ان المجتمعات العربية تملك من النضج والخبرة التاريخية في الاسهام الحضاري الانساني‏ مع ضرورة الانفتاح علي العالم والتفاعل مع تجاربه الحديثة طبقا لاولويات محددة‏ في الإصلاح السياسي‏ وجميع الخطوات المباشرة‏ ، وغير المباشرة التي يقع عبء القيام بها علتق كل من الحكومات والمجتمع المدني ومؤسسات القطاع الخاص ‏.‏ وبالامكان رسم خطوات ملموسة‏، في اطار من الشراكة بين الحكومات والمجتمع المدني وتتمثل بالاصلاح الدستوري والتشريعي‏ الذي ينشده المجتمع‏ وكّل حسب طبيعة بيئته وتقاليده الاجتماعية ‏.‏ ‏ فضلا عن ائل الإعلام من التأثيرات الحكومية باعتبارها دعامة قوية للشفافية‏.‏ والعمل على تطوير أساليب الإعلام والتحرير ، وتحقق قدرة الإعلاميين علي تنظيم مهنتهم وممارستها التي ستزداد اهميتها مستقبلا ‏.‏ ولابد من تشجيع قياسات الرأي العام وتحريرها من العوائق‏‏ والي تأسيس الهيئات والمراكز البحثية لاستطلاع الرأي العام العربي دوريا ‏. ثانيا‏:‏ الإصلاح الاقتصاد يشمل جميع التشريعات والسياسات والإجراءات التي تسهم في تحرير الاقتصاد الوطني‏ ‏ والتسيير الكفء له وفقا لآليات السوق‏ ‏ بما يمكنه من الانتعاش والازدهار‏ وبما يسهّل تكامله مع الاقتصادات الإقليمية‏ واندماجه في الاقتصاد العالمي‏.‏ ‏ويهدف ذلك ا انخفاض معدلات النمو في الدخل القومي وتدهور نصيب الفرد مقارنا بالمؤشرات الدولية‏.‏‏ ومعالجة تراجع نصيب الدول العربية في التجارة الدولية‏ ومعالجة تركز الصادرات في منتجات أولية مع هامشية نصيب المنتجات ذات القيمة المضافة العالية في الصادرات العربية‏.‏ ومعالجة تراجع نصيب المنطقة من تدفقات رءوس الأموال الأجنبية‏. وهناك تشجيع الابتكار والعمل علي جذب الاستثمارات اللازمة للبحث والتطوير وإقامة المشروعات الخدمية والإنتاجية ذات القيمة المضافة العالية‏ وتوفير الحماية الكافية لحقوق الملكية الفكرية‏.‏ فضلا عن مة الحفاظ علي البيئة في جميع الأنشطة الاقتصادية‏.‏ ان من ابرز الموضوعات الاقتصادية التي يمكنها ان تتجذّر بالعمق بما يتناسب وأهميتها ودقتها‏‏1‏ ـ القطاعات المالية العربية والقيود علي الاستثمار‏.2‏ ـ النظام الجمركي الموحد والتجارة البينية‏.3‏ ـ القدرة التنافسية العربية والمعايير القياسية‏،‏ وإنشاء مجالس قومية للقدرة التنافسية العربية وتوحيد المعايير القياسية‏.4‏ ـ الحضانات التكنولوجرة الموارد العامة في الوطن العربي‏.6‏ ـ الحكم الجيد للنشاط الاقتصادي‏.7‏ ـ الإعلام الاقتصادي والارتقاء ثالثا‏:‏ الإصلاح الاجتماعي العرب‏ لابد من تطوير نمط العلاقات الأسرية باعادة النظر في بعض القيم التي لا تزال تؤثر بالسلب في الحياة العربية كقيم الخضوع والطاعة وإحلال قيم الاستقلالية والحوار والتفاعل الإيجابي محلها‏ . واعادة بناء القيم المساندة للتطوير والتحديث‏، كقيم المساواة والتساوالقبول بالآخر وحتي الاختلاف‏،‏ جنبا إلي جنب مع قيم الدقة والإتقان والالتزام وغيرها من القيم الإيجابية التي تساعد في التحول إلي مجتمع جديد فعال‏.‏ فضلا عن اكتساب ونشر وإنتاج المعرفة والمعلوماتية‏ . وهنا لابد من التركيز علي خمسة توجهات لتحقيق مجتمع الموهي‏:‏ ‏ تأكيد التنمية الإنسانية وأولوية تطوير التعليم‏ ، وتحقيق التطوير التكنولوجي وتوفير بنيته الأساسية‏.‏ ‏وتطوير استراتيجيات البحث العلمي‏.‏ ودعم العمل الحر،‏ والمبادرة الخلاقة في مجالات الابتكار والإبداع‏.‏ توفير المناخ المساند لمجتمع الما وثقافيا واقتصاديا‏.رابعا‏:‏ الإصلاح التربوي والثقافي حاجتنا العربية كبيرة الى عقليات جديدة لجيل يفّكر بطريقة سليمة وان يكون تكوينه التربوي والجامعي والمهني على افضل ما يكون .. ثم يأتي دور ترسيخ أسس التفكير العقلاني والعلمي بتشجيع مؤسسات البحث العلمي وتوفير التمويل اللازم لها،‏ وإطلاق حريات المجتمع المدن ضد كل التعصّبات وآليات التطّرف. وفي الوقت نفسه‏،‏ القضاء علي منابع التطرف الديني التي لا تزال رواسبها موجودة في اكثر من مكان ‏.‏ وتشجيع الاستمرار في تجديد الخطاب الديني سعيا الي تجسيد الطابع الحضاري التنويري المعاصر للدين بما يقتضيه ذلك من إطلاق الحريلفكرية‏، وفتح أبواب الاجتهاد علي مصراعيها في قضايا يبّت في شأنها علماء وباحثون متنوّرون متخصصّون‏.‏ خامسا‏:‏ آليات المتابعة مع المجتمع المدني‏ لابد من اختيار مؤسسات المجتمع المدني في كل قطر عربي عددا من نماذج الجمعيات غير الحكومية الناجحة في مجال التنمية وحقوق الإنسان‏ من اجل مراقبة الفساد ومحاسبة المقصّرين وعرض نشاطاتها وبيان مردودها الاجتماعي وخدمة الدولة ومساعدتها في تقييم الاداء وتنمة عمل المؤسسات ‏.واخيرا : ماذا اقول ؟
لابد ان نفصل بين اصلاحات جامعة الدول العربية واصلاحات الدول العربية نفسها .. فالجامعة التي اخفقت في معالجة مشكلات خطيرة لابد لها ان تعالج ما فيها من خلل بعيدا عن اصلاحات ومتغيرات تحتاجها اغلب الدول العربية وليس شرط ان تكون تلك الاصلاحات سياسية ، بل هي اقتصادية واجتماعية بالدرجة الاساس .. اتمنى ادراك هذه المعادلة التي ليست صعبة كما يتصوها البعض من المسؤولين العرب .
البيان الاماراتية
البرلمان العربي : اضحوكة جديدة !
خطاب مفتوح امام العرب

د. سيّار الجميل


” قرار الاصلاح انطلق ولن يتوقف ”
عمرو موسى

وزراء الخارجية اقروا تأسيس البرلمان العربي الموحد
وصلتنا الاخبار قبل اسبوع والعرب في زحمة مشكلاتهم ومعضلاتهم الداخلية المعقدة ، بأن وزراء الخارجية العرب قد أقروا في اجتماعهم الاستثنائي في القاهرة قبل ايام انشاء برلمان عربي موحد، واحالوا المشروع الى القمة العربية التي ستعقد في الجزائر في 22 اذار المقبل . وجاء اقرار مشروع البرلمان العربي الموحد ومقره دمشق ليجنب فشل الاجتماع بعد الاجواء التي سادت الاجتماع قبل التوّصل الى اي نتيجة ! وكانت الجزائر قد طرحت مشروعها الاصلاحي الذي يقضي بالتناوب على منصب امين عام الجامعة من قبل الدول الاعضاء ، مما أثار استياء السيد عمرو موسى الامين العام للجامعة الذي قال في مؤتمر صحافي في ختام اعمال الدورة الاستثنائية لمجلس الجامعة المخصصة لاصلاح الجامعة، بأن ” قطار الاصلاح انطلق ولن يتوقف ” ! مؤكدا ان الوزراء اقروا مشروع انشاء برلمان عربي وسيحال الى القمة. وقال دبلوماسيون شاركوا في الاجتماع ان مشروع البرلمان العربي ومقره دمشق، يتكون من 12 مادة ، وسيكون جهازا من اجهزة الجامعة العربية الرئيسية على ان يقوم بوضع نظامه الاساسي برلمان انتقالي تبلغ مدة انعقاده خمس سنوات. وسيضم البرلمان العربي الانتقالي، وفقا لهذا المشروع، اربعة من كل دولة عضو تقوم بانتخابهم البرلمانات المحلية وستكون له موازنة مستقلة تتوزع مساهمات الدول الاعضاء فيها طبقا لنسب مساهماتها في موازنة الجامعة. وسيكون للبرلمان امين عام ويعقد دورتين كل سنة ويختص بمناقشة المسائل المنصوص عليها في ميثاق الجامعة والاوضاع والتطورات السياسية في المنطقة العربية والمخاطر الناجمة عنها وتأثيراتها على الامن القومي العربي . وقال موسى هناك مشروعان يتعلقان بتنفيذ القرارات وقواعد التصويت حالت صعوبات دون اقرارها وان لجنة ستشكل وستعمل على وجه السرعة لتعديل هذين المشروعين لعرضهما على اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي يسبق القمة مباشرة حتى يتسنى التوافق حولهما واحالتهما الى القادة العرب. واوضح موسى ، قائلا : ” ان المشروعين يتضمنان انشاء محكمة عدل عربية ومجلس امن عربي بحاجة الى مزيد من العمل لأن هناك اقتراحات طرأت بشأنهما في وقت متأخر ” . وهنا نسأل : كيف انطلق قرار الاصلاح ولن يتوقف يا اخ عمرو موسى ؟؟ هل نحن من السذاجة بمكان تصديق هذه الشعارات العربية الجديدة ؟ هل سمع احد من العرب بمثل هذه الانطلاقة ام انهم مشغولون بامور أخرى هي التي تستدعي حلولا اجدى ؟
لماذا نضحك على انفسنا ايها العرب ؟
نعم ، لماذا نضحك على انفسنا ايها العرب ؟ ولماذا نصّر على جعل انفسنا في مصاف الاوربيين الذين اسسّوا لهم برلمانهم الاوربي ام حتى في مصاف الاسيويين في جنوب شرق آسيا الذين اوجدوا لهم كتلتهم الاقتصادية القوية ؟ لقد أعاد علينا الاخ السيد عمرو موسى اسطوانة تأسيس البرلمان العربي كجزء من نظريته في الاصلاح العربي ولا ادري هل كان وزراء الخارجية العرب مؤمنين حقا بما وقعّوا عليه ، ام انهم ارادوا الخروج من مشكلة ومسألة الاصلاح بهذه الفكرة الجديدة التي لا ادري كيف يمكن تنفيذها في هذه الظروف التي تتطلب من كل حكومة عربية ان تعالج اوضاعها ، فالمشكلة الاساسية ليست في العرب مجتمعين بمؤسسة واحدة تتطلب الملايين من اجل الانفاق عليها من دون اي معالجات حقيقية لما يعانية العرب في بلدانهم ، ففي كل بلد عربي جملة هائلة من المشكلات الداخلية الصعبة التي لا يمكن لأي برلمان عربي ان يحلها ابدا .. وكم ناشدنا وكتبنا نحن ثلة من الكتاب والمراقبين بأن جامعة الدول العربية هي نفسها مترهلة وميئوس تماما من علاجها ، فهي تعاني صعوبات كبيرة ، وانها بحاجة الى تغييرات جذرية تتزامن حقا مع تغييرات كبرى في حياة الدول العربية قاطبة .
ويبدو ان الرجل قد احرق كل ما لديه من اوراق ، ولم يعد يفّكر وليست لديه القدرة على استيعاب التحولات السريعة .. فضلا عن كونه لم يعد يستمع لمن ينصحه خصوصا وان مؤسسته التي لم تزل مترهلة وتعاني من معضلات لا اول لها ولا آخر .. فكيف بنا نحمّلها بناء مؤسسات كبرى أخرى مثل تأسيس برلمان عربي او محكمة عدل عربية او مجلس امن عربي .. ام اجهزة اخرى ، واجهزتها الحالية تعاني من الشلل والتردّي ؟ بل وكيف نتحدث عن اصلاحات في جامعة الدول العربية ، وكأن مشاكل العرب ستحلّ جميعا من خلالها ؟ ان الجامعة هي انعكاس للاوضاع التي يعيشها العرب دولا ومجتمعات ، وليس العكس . هل وصلت بنا السذاجة الى ان نوهم الاجيال الجديدة بشعارات واوهام تتبناها مؤسسات يصرف عليها الملايين بحجة اصلاحات داخلية ! هل هذه هي الاصلاحات الداخلية ايتها الحكومات العربية التي تطالب بها النخب العربية المفكرة والحرة والتي تتطلع الى احداث التغييرات في كل البنيويات الاساسية الداخلية السياسية والاجتماعية والتربوية والثقافية والاعلامية قبل ان نتبنى بضعة افكار مستهلكة ومشروعات عفا عليها الزمن يقدمها الاخ عمرو موسى او غيره من بقايا ومخلفات القرن العشرين !
هل اصبحنا كالاوربيين حتى نجاريهم في برلمانهم ؟
نعم ، متى اصبح العرب في بلدانهم كالاوربيين الذين لهم دولهم ومؤسساتهم واجهزتهم وتحكمهم علاقات تعبوا عليها في مراحل طوال من الزمن حتى ينتجوا مؤسساتهم في ظروف دولية وتاريخية معروفة لكل الاذكياء ؟؟ متى اصبحنا ايها العرب شعوبا وحكومات كالاوربيين في بناء مؤسساتهم التي تكّونت على الشفافية والشراكة والتوافقية والمصالح التاريخية والقارية والاقتصادية حتى يمكننا ان ننجح في بناء ما نحلم به من مؤسسات قوية ونافذة ولها توافقيتها على المصالح المشتركة ؟ ان التكتلات الكبرى في العالم سواء الاتحاد الاوربي او كتلة الاسيان في جنوب شرق آسيا او كتلة النافتا للامريكتين قد انبثقت جميعا من خلال العمل على بناء المصالح الاقتصادية وتطويرها الى الحالة التوافقية في اجتماعاتهم او برلماناتهم او منتدياتهم .. لا من خلال اصلاحات اوضاعهم ورتق تمزقاتهم كما هي عند العرب .. فهل يمكننا ان نستفيد من تجارب غيرنا ولو قليلا ؟ الا يكفينا من (مؤسسات ) عربية هشة وضعيفة ومحتضرة ، لن تستطيع ابدا اتخاذ مواقف جماعية ولا قرارات موحدة ؟ الا يكفينا ( مؤسسات شكلية ) يصرف عليها الملايين ، وهي لن تقوى على مجابهة متغيرات الحياة المعاصرة ، كما وانها لا تقوى أيضا على مجابهة التحولات العربية الجديدة التي ستمس مصالح الاجيال الثلاثة الجديدة في القرن الواحد والعشرين ؟
الا تعتقدون بأن مؤسسات عربية جديدة بحاجة الى ظروف ملائمة وتوافقيات حضارية وشراكات اقتصادية والاهم من كل هذا وذاك انها بأمس الحاجة الى عقليات جديدة بمقدورها استيعابها والتعامل معها من اجل ان يكسب العرب ولو جولة واحدة لصالحهم ؟ ان المؤسسات الاتحادية او الكتلوية او البرلمانية في عالم اليوم قد انطلقت من قناعات تامة بما وصل اليه العالم المعاصر اليوم والتوافق مع حركته وتحولات عناصره وآليات تفكيره واستمراريته .. فهل يؤمن العرب كلهم بما هو عليه عالم اليوم وبما وصل اليه عالم اليوم وبما يمكن ان يلزم به العرب انفسهم في التعامل مع الاخر من اجل بناء مصالحهم العليا ومستقبل اجيالهم ؟ انني اعتقد ان العرب ما زالوا يختلفون في ما بينهم على مثل هذه ( الاسس والاعتبارات الاساسية والركائز الكبرى ) ، فكيف بهم يتقبلون حالات التعايش والاندماج والشراكة والانفتاح والتوافقية ؟؟ انهم ما زالوا يعتبرونها ( تبعية ) وخصوصا في الحالات الاقتصادية ؟
نحن والاخر
ان الاخ عمرو موسى وطاقمه لابد وان يسمع نداء العقل من الذين ينظرون الى الامور بواقعية وتجرد وموضوعية ومعرفة قبل ان يقرأ او يستمع لاولئك الشعاراتيين الذين يخدعونه كما خدعوا غيره من رؤساء وزعماء وقادة ومسؤولين واعلاميين منذ عشرات السنين . ان ضرورة الاصلاح من الداخل .. لا يمكن ان تنتج ولادة مؤسسة كسيحة اخرى تضاف الى مؤسسات العرب الهزيلة الاخرى التي ستزيد من اعباء العرب في القرن الواحد والعشرين ولا تساعد على اصلاح اوضاعهم ابدا . هل يتصور الاخ عمرو موسى ومن صفق له ولافكاره بأن حال العرب اليوم قد وصل الى مرحلة من النضوج كما هو الحال في القارة الاوربية كي يدعون الى برلمان عربي على غرار البرلمان الاوربي ؟ لا يمكن البتة مقارنة العرب بالاوربيين ابدا ولا حتى بالاسيويين او حتى بالمكسيكيين الذين يتعاملون بمنطق العصر ، لا ابدا ، لا يمكن مقارنة العرب بأية كتل كانت محسوبة على العالم الثالث في القرن العشرين وهي تنطلق اليوم من اجل ان تجد لها مكانا في عالم القرن الواحد والعشرين .. ان العرب ، ويا للاسف الشديد ، يختلفون عن غيرهم من ناحية الاوضاع السياسية والدستورية وايضا من جانب القدرات الحضارية والانسانية وايضا من صوب الامكانات الاقتصادية والانتاجية .. هل قارن العرب ( وخصوصا في دولهم الكبيرة التي مرت بالتجارب الاشتراكية والتقدمية والانقلابية والعسكرية الفاشلة والتي اسهمت في دمار العرب ) بينهم وبين اوضاع دول كتلة اوروبا الشرقية اليوم ؟ هل استفادوا اليوم من تجارب دول الكتلة الاشتراكية سابقا ؟ ان مشروعات كبرى تقوم اليوم من اجل ضم تلك الدول الى الاتحاد الاوروبي وتوسيع حزام اوروبا الكبرى وجعله قاريا .. ونحن العرب ما زلنا نبحث لنا عن اصلاحات بائسة تموت في مهدها .. لأن اوضاع الدواخل العربية مهترئة وبحاجة الى تحولات جذرية .. حتى يمكنها ان تجد جامعتهم العربية نفسها في حالة انطلاق .
متى تتحررون من رؤاكم القاصرة ؟
الا يدري الاخ عمرو موسى ومن يشاركه رؤيته القاصرة وافكاره غير السليمة بأن العرب اليوم ليسوا بحاجة الى برلمان عربي ما داموا لم يعرفوا بعد طبيعة الحياة البرلمانية الحقيقية في بلدانهم ؟! ايدرك المتخلفون بأن هناك نوابا عربا في برلمانات عربية معاصرة لا يجيدوا القراءة والكتابة حتى يومنا هذا ؟ بل ولم نجد اي تجربة سياسية ودستورية عربية حديثة وناجحة استطاعت ان تنطلق بالحياة المعاصرة الى اعلى درجات التقييم ؟ كيف يمكن تأسيس هكذا مؤسسات عربية جمعية وتقرر ان تكون دمشق ( مع اعتزازي بها وعشقي لها ) مركزا للبرلمان العربي من دون ادراك للحساسيات التي سيثيرها اختيار اي عاصمة عربية لهذا الغرض ؟ علما بأن الاوربيين لم يتخذوا بروكسل عاصمة بلجيكا مقرا لكل من البرلمان والاتحاد الاوربيين الا لأسباب تاريخية ومركزية وتوافقية لم يشّكل وضعها المسالم في القرن العشرين ، اي احراج لكل الاطراف في اوروبا ، فاوروبا قد تجاوزت مراحلها الصعبة وتجاوزت حالات غيرها في العالم المتخلف بمئات السنين ! وان الدول الاوربية المشتركة في برلمان اوربي مّوحد كان ثمرة حضارية لتقدم سياسي لا رتقا لأي تمزق ، ولا جبرا لأي كسر او تنفيذا لأي مطالب مستعجلة ، ولا حاجة لأي اصلاحات قاصرة .. ولابد ان يدرك الجميع بأن الدول الاوربية اليوم لا تعاني من ضراوة العداوات ولا من شراسة المناورات ولا من حرب قنوات فضائية داعرة ولا من محاور وتكتلات ولا من حساسيات لمجرد تصريحات .. ولم يفكر الاوربيون اليوم بأن دولة منهم تدّعي الابوية عليهم واخرى تدّعى اختهم الكبرى واخرى امهم القديمة واخرى رائدة عروبتهم ، ولم نسمع بدولة اوربية ارسلت بسيارات مفخخة لجيرانها .. وهلم جرا
كيف يتم انجاز هكذا ( مشروع ) للاصلاح باسم الداخل لا الخارج ، ولم تزل الحريات معطلة عند العرب ، ولم تزل الشعوب لم تستطع نيل حقوقها ، ولا تقديم واجباتها بالشكل السليم ؟ هل يريد الطوباويون العرب ان يعالجوا وضع الامة ومشكلاتها بتأسيس مؤسسة جوفاء لا نعرف من يمثلّها اصلا ؟ هل الحكومات ام الشعوب ؟ فاذا كانت الحكومات فما نفعها اذ ستكون مجمعا لنفاياتهم واختلافاتهم على لسان من يمثل هذا او ذاك ! واذا كانت الشعوب ، فكيف يتم اختيار ممثّلي الشعوب في برلمانكم العربي ايها الشعارتيون ونحن ندرك ما قيمة نوابنا وبرلمانيينا ؟ هل المسألة تنحصر باطلاق المبادرات التي نفع فيها ابدا ، وهي كمن يضحك على كل هذه النخب العربية ويستهزئ بها سواء كانت تلك النخب مع مشروع الاصلاحات من الداخل ام كانت مع مشروعات الاصلاحات من الخارج !
الا يكفي العرب مخادعة انفسهم والعالم ؟
ان مجرد موافقة الدول العربية على افكار لا يمكن تحقيقها كما اشرت مرارا وتكرارا في مقالاتي النقدية السابقة ومنذ سنوات ، فهي محاولات بائسة لارضاء تطلعات الشعوب ، فالقائمون عليهم لا يريدون ان يخرجوا عن الشرانق التي حبسوا انفسهم فيها ، وهيهات لهم ان يتمردوا على اساليبهم العتيقة التي ورثوها عن بقايا القرن العشرين والتي اضرت بهم وبمصالحهم كثيرا ازاء انفسهم ، وازاء العالم كله . ان اي ارادة داخلية مفروضة من الخارج من دون قناعة جماهيرية عربية لا يمكن لها ان تنجح ، ولكن نقول بنفس الوقت : ان اي محاولة من هذا النوع سيصيبها الفشل ، ليس لكونها من الداخل ، بل لانها جاءت كي ترضي عواطف الناس وامزجتهم والوانهم ، او تسكت من يطالب بالتغيير ، ولكنها تنسى الواقع المزري الذي يعيشه العرب في كل بلدانهم . وان اي حصيلة من المبادرات والاصلاحات لا يمكنها ان تبدأ عملها ان لم يكن هناك جملة هائلة من التحولات السياسية والدستورية بعيدا عن اية اجندة قديمة وشعارات قميئة اساءت للعرب جميعا على امتداد اكثر من خمسين سنة .. ان تلبية مطالب الشعوب بضرورة التحرك نحو الاصلاح وتطوير الدساتير ونظم الحكم الديمقراطية وحريات الافراد وحقوق الانسان ، واستقلال المؤسسات وتداول السلطة ، وتقوية المجتمع المدني سوف لن تأتي من خلال تأسيس برلمان عربي بدمشق او بغير دمشق ، تهدر الاموال فيه ، ويكون ارضا خصبة لكل الموبقات باسم المبادىء القومية التي تتحدث باسم ( الامة العربية) ومستقبلها .

وأخيرا : ما الذي اقول؟
انني ادعو القمة العربية التي ستجتمع عاجلا في شهر مارس القادم ام آجلا ان تأجلّت كما هو متوقع ، ان لا توّقع على اي قرارات خادعة للجماهير العربية .. اتمنى على الزعماء العرب القدماء والجدد ان يفكّروا قليلا بمصالح ( الامة العربية ) ومستقبل اجيالها ليس من خلال تأسيس اجهزة هزيلة لا نفع فيها ، بل ومشلولة منذ ولادتها .. وستغدو عبئا ثقيلا على مستقبلنا .. وعلى الزعماء العرب ان يفكروا بأن اي مشروعات للاصلاح لا تتم من خلال منظومة عليلة ومحتضرة لا نفع لها اسمها جامعة الدول العربية ، بل بحاجة الى ان تنبثق من دواخل البلدان العربية نفسها .. انني اناشدكم صادقا واكتب هذا ان لم يكن للحاضر ، فساكتب للتاريخ والمستقبل ، وستكشف قابل الايام صحة كلامي متمنيا ان يبحث العرب عن اساليب عملية وجديدة لهم من اجل الحفاظ على مصالحهم العليا وان يفتتحوا عصرا جديدا لهم .. فهل ستصيبهم فرص النجاح ؟ هذا ما ساترك جوابه للمستقبل .
ايلاف 1 فبراير 2005


جريدة السفير العربي العدد السابع فبراير 2005


مستشار الأمين العام للجامعة يرد على الدكتور سّيار الجميل
نشرت جريدة إيلاف الالكترونية بتاريخ 28/1/2005 مقالاً للدكتور سيار الجميل تحت عنوان “البرلمان العربي أضحوكة جديدة !: خطاب مفتوح أمام العرب”.
وقد جاء رد المستشار طلعت حامد ؛ مستشار الأمين العام لجامعة الدول العربية كالآتي :

السيد رئيس تحرير الجريدة الاليكترونية “إيلاف”

تحية طيبة وبعـد،
قرأت باهتمام المقال المنشور في جريدتكم الاليكترونية بتاريخ 28/1/2005 بقلم الدكتور سيار الجميل تحت عنوان “البرلمان العربي اضحوكة جديدة!”: خطاب مفتوح أمام العرب. والذي تناول فيه ما توصل إليه الاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب يومي 13 و14/1/2005 من إنشاء برلمان عربي انتقالي لمدة خمس سنوات تكون الجمهورية العربية السورية مقراً له، على أن يرفع هذا القرار إلى أصحاب الجلالة والفخامة والسمو ملوك رؤساء الدول العربية في اجتماعهم القادم بالجزائر للموافقة عليه.
وخلص المقال إلى أن إقرار مشروع إنشاء البرلمان العربي قد تمت الموافقة عليه لتجنب فشل الاجتماع، بعد الأجواء التي سادت قبل التوصل إلى أي نتيجة، وفي أن الجزائر كانت قد طرحت مشروعها الإصلاحي المتعلق بالتناوب على منصب أمين عام الجامعة، وأن ذلك أثار استياء السيد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية الذي قال أن قطار الإصلاح قد انطلق ولن يتوقف، وتساءل كاتب المقال عن جدوى إنشاء البرلمان وكيفية تنفيذ هذا المشروع الذي يتطلب الملايين من أجل الإنفاق عليه، وفي أنه في البلاد العربية مشاكل داخلية صعبة لا يمكن لأي برلمان عربي من حلها أبداً، وأن الجامعة العربية تعاني من صعوبات كثيرة وأنها بحاجة إلى تغييرات جذرية، وكال بالكثير من الاتهامات على الجامعة، وعلى أجهزتها، بل وعلى أمينها العام.

وما أود إيضاحه بموضوعية – دون الدخول في موضوع التناوب على منصب الأمين العام وهذا اقتراح مطروح ومن حق أي دولة عضو أن تقترح ما ترى ? هو الآتي:


ـ أولاً: أنه من السهل أن تكال الاتهامات جزافاً أو دون البحث والتمحيص اللازمين.

ـ ثانياً: وفي هذا السياق ومن القراءة الموضوعية لمقال الدكتور سيار الجميل عن مشروع إنشاء البرلمان العربي المؤقت، أتساءل عن كم الاتهامات التي توجه إلى جامعة الدول العربية ونعتها بالتقصير في عدم إجراء إصلاحات جذرية في هياكلها التي مضى عليه أكثر من خمسين عاما،ً وعن عدم مواكبتها لمتطلبات العصر، وعندما تستجيب الجامعة بل وتنشط لتحقيق الرغبة المشروعة في الإصلاح والتطوير، يخرج من ينادي بعدم جدوى الإصلاح والتطوير الأمر الذي يثير الاستغراب والتساؤل، ألم تكن هناك رغبة قوية في ضرورة إقامة برلمان عربي يكون ممثلاً لشعوب الأمة العربية، وأن يكون هذا البرلمان بمثابة الجهاز التشريعي للجامعة العربية؟ وألم تكن هناك رغبة قوية في ضرورة أن يجتمع القادة العرب مرة كل عام مثل الاتحاد الأوروبي وسائر المنظمات الدولية الإقليمية الأخرى؟ وألم تكن هناك رغبة في تطوير المجلس الاقتصادي والاجتماعي وأن يكون لمؤسسات المجتمع المدني دور فيه؟ وألم تكن هناك رغبة في تعديل وتحديث ميثاق الجامعة ليواكب متطلبات العصر؟ وعندما يصدر القادة العرب في مؤتمرهم بالمملكة الأردنية الهاشمية (عمان) عام 2001 قرارهم بالطلب من الأمين العام إجراء الإصلاحات وتطوير وتحديث هياكل الجامعة العربية، وعندما يقوم الأمين العام بإجراء الإصلاحات والتي عبر عنها بصدق في أن قطار الإصلاح قد انطلق ولن يتوقف، تدور عجلة التشكيك، وتعلو الطروحات والاتهامات والتي عبر عنها الدكتور سيار الجميل في مقاله بأنه لا داعي لإنشاء البرلمان، وأن الأمة العربية لديها من المهام أكثر بكثير من هذا الموضوع، تماماً مثلما حدث عندما تعالت الصيحات والكتابات بضرورة إقامة سوق عربية مشتركة على غرار الاتحاد الأوروبي، وعندما تقرر قمة القاهرة غير العادية في عام 1996 تكليف المجلس الاقتصادي والاجتماعي باتخاذ الخطوات والإجراءات اللازمة لإنشاء منطقة تجارة حرة عربية كبرى، وعندما يتم تنفيذ هذا القرار المهم وتقام منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى في 1/1/2005، لتكون الخطوة والمقدمة لإنشاء السوق العربية المشتركة، لم نسمع من الدكتور سيار الجميل موقفه أو رأيه في هذه الخطوة الكبيرة والمهمة على صعيد العمل العربي الاقتصادي المشترك، كما لم نسمع رأيه في مشروع الربط الكهربائي بين الدول العربية والذي يعد من أهم إنجازات العمل الاقتصادي العربي المشترك.
ـ ثالثاً: وعلى نفس المنوال تعالت الانتقادات والصرخات عندما تصدى السيد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية لموضوع المشاركة الثقافية العربية الجماعية في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب للعام 2004، وتعالت الانتقادات محذرة من أن العالم العربي سيخسر نفسه في هذه المشاركة، وأن المشاركة العربية ستكون فضيحة للعرب جميعا،ً وعندما تمت المشاركة ونجح العمل الثقافي العربي الجماعي في فعاليات المعرض الذي حضره لأول مرة في تاريخ المعرض المستشار الألماني جيرهارد شرودر ومعه لفيف من كبار المسئولين الألمان والمسئولين عن الشئون الثقافية في العالم العربي، وأشاد الألمان أنفسهم بحجم وفاعلية المشاركة الثقافية العربية الجماعية التي أزالت الكثير من التشويه والاتهامات التي ألصقت بالحضارة والثقافة العربية والإسلامية حتى أن رئيس المعرض السيد فولكر نويمان قال أن المشاركة الثقافية العربية في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب للعام 2004، تعد هي الأفضل منذ ثلاثين عاماً، وأنها تركت تأثيراً كبيراً ليس فقط لدى الجمهور الألماني، وإنما أرست الدعائم لإقامة حوار عربي أوروبي جاد وبناء، وأن الإبداع الثقافي العربي قد اثبت أن ثقافة العالم العربي هي ثقافة تواصل وسلام لا ثقافة عنف وإرهاب كما يروج لها بعض المعادين للأمة العربية.
ـ رابعاً: وعلى نفس المنوال تعالت الانتقادات والصرخات عندما تصدى السيد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية لموضوع المشاركة الثقافية العربية الجماعية في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب للعام 2004، وتعالت الانتقادات محذرة من أن العالم العربي سيخسر نفسه في هذه المشاركة، وأن المشاركة العربية ستكون فضيحة للعرب جميعا،ً وعندما تمت المشاركة ونجح العمل الثقافي العربي الجماعي في فعاليات المعرض الذي حضره لأول مرة في تاريخ المعرض المستشار الألماني جيرهارد شرودر ومعه لفيف من كبار المسئولين الألمان والمسئولين عن الشئون الثقافية في العالم العربي، وأشاد الألمان أنفسهم بحجم وفاعلية المشاركة الثقافية العربية الجماعية التي أزالت الكثير من التشويه والاتهامات التي ألصقت بالحضارة والثقافة العربية والإسلامية حتى أن رئيس المعرض السيد فولكر نويمان قال أن المشاركة الثقافية العربية في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب للعام 2004، تعد هي الأفضل منذ ثلاثين عاماً، وأنها تركت تأثيراً كبيراً ليس فقط لدى الجمهور الألماني، وإنما أرست الدعائم لإقامة حوار عربي أوروبي جاد وبناء، وأن الإبداع الثقافي العربي قد اثبت أن ثقافة العالم العربي هي ثقافة تواصل وسلام لا ثقافة عنف وإرهاب كما يروج لها بعض المعادين للأمة العربية.


ـ خامسا: إننا إذ نؤكد على أننا مع النقد الموضوعي والبناء والذي يصب في مصلحة الأمة العربية العليا، فإننا لسنا مع دعوات الإحباط ورؤية السالب على الدوام وتجاهل الإيجابي.
وفي هذا السياق أتوجه إلى الدكتور سيار الجميل وهو المؤرخ والاكاديمى العربي المقيم في كندا والإمارات لأقول له أن العمل في اجتماعات جامعة الدول العربية يسير وفق خطوات منتظمة ومدروسة، وأن القائمين على أمانة العمل العربي المشترك لا ينجرفون وراء مقالات نظرية واطروحات نقدية لا تعيش ولا تتعايش مع الواقع العربي، وهو واقع ضعيف نريد دعم جهودنا في تقويته وتطوره وحمايته، وتشجيعه.
وأخيراً أرجو نشر هذا الرد في نفس المكان إعمالاً للمبدأ الديمقراطي في حق الرد.

وتفضلوا بقبول وافر الاحترام،


طلعت حامد
مستشار الأمين العام لجامعة الدول العربية


*****

كانت جريدة إيلاف الإلكترونية قد نشرت بتاريخ28/1/2005 مقالاً محبطاً للدكتور سيار الجميل تحت عنوان “البرلمان العربي أضحوكة جديدة !: خطاب مفتوح أمام العرب”. يحمل هجوماً غير مبرر على الجامعة العربية وأمينها عمرو موسى بسبب إقرار الجامعة لإنشاء برلمان عربي موحد وإجراء العديد من الإصلاحات داخل أمانة الجامعة ، وهو ما لم يعجب الدكتور الجميل فجاء مقاله تهكمياً ؛ متهماً الجامعة وأمانتها بالضحك على أنفسهم وعدم جدوى مثل هذا المشروع ! .


الرد على ردّ جامعة الدول العربية: خطاب آخر أفتحه أمام العرب

د. سيّار الجميل


بين اللاميّة والسينية
ترتاح من النوم نهارا
والسهرة ليلا
جامعة الدول العربية
وبرامج محو الأمية
الشاعر سميح القاسم في (مقاطع من كولاج)

ملاحظة مهمة:

كان لابد لي ان أكتب ردّي هذا في ادناه على رد جامعة الدول العربية على خطابي الأول المفتوح امام العرب، والذي جاء بتوقيع السيد طلعت حامد مستشار الامين العام السيد عمرو موسى، ونشر أيضاً في موقع جامعة الدول العربية الالكتروني يوم الخميس 24 شباط 2005، وكان ردّا على مقالي الموسوم: (البرلمان العربي: اضحوكة جديدة! خطاب مفتوح امام العرب) الذي كان قد نشر في عدة صحف بتاريخ 28 كانون الثاني 2005. وعليه، فإنني أنشر ردّي هذا، وأطالب الأمانة العامة لجامعة الدول العربية أن تقوم بنشر رّدي عليها الآن في موقعها نفسه وبنفس المكان الذي نشرت ردها ضدي من دون نشر مقالي على موقعها، أطالب بذلك أمام الرأي العام العربي عملا بقوانين النشر في العالم.. وساتابع ذلك للتثّبت منه شعبيا ورسمياً.

مقدمة:

أشكر الأخ طلعت حامد مستشار الأمين العام لجامعة الدول العربية والسيد الأمين العام عمرو موسى على اهتماميهما بمقالي المذكور، ونشر الرّد الكريم للأمانة العامة علّي والذي أطلعني فيه على رأي جامعة الدول العربية في بعض الذي قلته. وقد بدا لي أن ثمّة ملاحظات مهّمة لابد أن أوضحها في رّدي هذا عليه، متمنيا ان يكون صدر الجامعة العربية الكريمة مفتوحا لتقّبل الآراء والأفكار والنقدات والاطروحات.. وان الرأي الذي اقوله هو رأي عربي حقيقي صادر عن مثقف وسياسي عربي له خبرته العلمية الاكاديمية المتواضعة في الشؤون العربية المعاصرة والتاريخ الحديث والمعاصر منذ 25 سنة.. كما وأنه يحّس بمأساة هذه (الأمة)، وأقسم بأن ليس لي اي اغراض مبيتة لا ضد مؤسسة الجامعة ولا ضد امانتها العامة ولا ضد طاقمها.. وطالما كتبت ونشرت جملة كبيرة من الاراء وحزمة هائلة من الافكار عنها وعن غيرها في الشأن العربي مراعيا المصالح العليا التي ينبغي ان ترعاها مؤسسة جامعة الدول العربية.

تساؤلات كانت تبحث لها عن اجابات

عندما تساءلت في مقالي عن جدوى انشاء البرلمان العربي وكيفية تنفيذ هذا (المشروع) الذي يتطلب الملايين من اجل الانفاق عليه.. وعندما قلت: ان في البلاد العربية مشاكل داخلية صعبة لا يمكن لأي برلمان عربي مثل هذا الذي يراد تأسيسه، حلّها أبدا. وعندما قلت: ان الجامعة العربية تعاني من صعوبات كثيرة، وانها بحاجة الى تغييرات جذرية، فلقد كنت واضحا تمام الوضوح في تساؤلاتي وأفكاري، ولا اعتقد ابدا بأنني اتهمت الجامعة أو أجهزتها أو أمينها العام، ولكنها طريقتي في التشخيص اذ لا استطيع ان اوّزع المجاملات المزيفة ابدا.. وكان على الاخ المستشار ان يوّضح لي ما هي اتهاماتي ان كان يعتبر نقداتي هي اتهامات، علما بأن ليس هناك قديسين طاهرين في جامعة الدول العربية او اي مؤسسة اخرى، فكل الناس معرّضون للخطأ بما فيهم المتكلم، ولابد لأي مسؤول عربي ان يعترف بأخطائه وأخطاء مؤسسته او حكومته او بلده فالاعتراف بالخطأ فضيلة! وليس هناك من يقول: هاكم بضاعتي افرضها عليكم فرضا من دون ان تتكلموا لتعارضوها ابدا؟
وأود ان اسجّل في ردّي هنا للاخ طلعت ولكل الذين يتابعون شأن جامعة الدول العربية بأن مقالتي التي نشرتها ضد مشروع البرلمان العربي لم تكن الاولى ازاء قيادة جامعة الدول العربية وسياساتها، اذ ازعم انني اول من نادى باحتضار الجامعة منذ اكثر من سنتين (انظر مقالي: احتضار جامعة الدول العربية!! البديل: مشروع بناء منظومة حيوية جديدة متكافئة، جريدة النهار البيروتية، في 14 كانون الثاني 2003)، أي قبل سقوط نظام صدام حسين في 9 نيسان 2003. وكنت أتأمّل ان تكون (الجامعة) على اطلاع لما كنت قد نشرته عنها من ملاحظات، وهي (ملاحظات) لا تأتي من مراقب عادي، بل من مؤرخ متخصص اشرف على العديد من اطروحات الماجستير والدكتوراه، ومنها في موضوع جامعة الدول العربية، وكان آخرها اطروحة دكتوراه الاخ خالد ابو ربيع في الجامعة الاردنية في العام 1999، فبدلاً من ان تثّمن الامانة العامة آراء الاساتذة الجامعيين العرب الذين يعرفون ماذا يقولون لها وماذا يريدون منها، يأتي رد الاخ المستشار طلعت بقوله: (وأن القائمين على أمانة العمل العربي المشترك لا ينجرفون وراء مقالات نظرية واطروحات نقدية)! انني اذ اشكره على هذا (التقييم)، فإن هذا ينقلنا الى عمق مأساة هذه (الأمة) التي لا يريد البعض من مسؤوليها ان يستمعوا ويتدبروا ويكونوا كبقية خلق الله من الامم المتمدنة يستمعون القول ويفكروّن فيه ويشكرون اصحابه لا ان يكلفّوا مستشاريهم بكتابة ردود تهين من شأن المهتمين والمصلحين والمتخصصين.. وأسأل: هل ان المسؤولين القائمين على امانة العمل العربي المشترك بمثل هذه الدرجة من العصمة والقداسة حتى لا ينجرفون وراء (مقالات نظرية واطروحات نقدية)؟ ولم لا يفكرون بما تتضمنه تلك المقالات والاطروحات التي هي خلاصة تجارب من القراءات والمقارنات في تاريخ المؤسسة نفسها؟

تشنجات لا توصلنا الى المستقبل

وارجع ثانية لأقول: ليس من السهل ان اكيل الاتهامات جزافا دون سبب، ودون بحث وتمحيص لازمين، فهناك جملة هائلة من شواهد وامثلة نعرفها نحن ثلة من المؤرخين العرب الذين تعاملنا مع تاريخ هذه الأمة منذ اكثر من ربع قرن بحثا ودراسة وتدريسا واشرافا.. وكم كنت أود ان يأتي رد الجامعة علي منصفا ولا يطلق الأحكام جزافا! لأنه بهذه الحالة قد فتح بابا على نفسه ما كان له ان يفتحه ليسمع ويعرف العالم كله ما الذي عليه هذه (المؤسسة) التي كّنا نأمل ان تكون واسطة حيوية وأداة فعالة في قلب هذه الأمة، فاذا هي قد اصبحت عقبة كأداء في سبيل رقي الأمة وتطورها! وتصف قراءتك يا سعادة المستشار لمقالي بالموضوعية، وانا لا اتفق معك ابدا، فقراءتك غير موضوعية ابداً، وخصوصاً حول انشاء البرلمان العربي.. وعليك ان تبحث عن نتائج تساؤلاتك عن كم الاتهامات التي توّجه الى جامعة الدول العربية ونعتها بالتقصير في عدم اجراء اصلاحات جذرية في هياكلها وليس للأمة العربية، فمن السخف ان نحاكم هذه (المؤسسة) كونها مسؤولة عن أخطاء الأمة العربية قاطبة، او نتهمها بأنها عقبة في سبيل اصلاحات داخلية، فهي غير مسؤولة أبداً عن ذلك. نحن نحاسبكم عن التقصير في اداء مهامكم والفشل الذريع الذي منيت به الجامعة في عدم ايجادها أي حلول لمشكلات عربية صعبة، وفي عدم القيام بدورها الحقيقي من جميع الأوجه، وايضا ما جرى لهياكلها المتعبة التي مضى عليها اكثر من خمسين سنة من دون أي استراتيجية للتحديث.. ناهيكم عن عجزها المزمن في حل المشكلات العربية الصعبة وان قراراتها تبقى من دون أي فاعلية، ولا يمكن ان نقرنها بمنظمات دولية أخرى في العالم، وخصوصا في اخفاقاتها المريرة في عدم مواكبتها متطلبات العصر.

من الذي يصنع الاحباطات العربية؟

يتبع الجزء الرابع

شاهد أيضاً

الجامعة العربية