الرئيسية / حوارات / الدكتور سّيار الجميل : لم نستفد شيئا من تاريخنا ! ينتقد التعّصب وافتقاد المؤرخين لموهبة النقد

الدكتور سّيار الجميل : لم نستفد شيئا من تاريخنا ! ينتقد التعّصب وافتقاد المؤرخين لموهبة النقد

حوار : عمّار السنجري.. جريدة الاتحاد الاماراتية الخميس 24 يوليو 2003
الدكتور سّيار الجميل مفكر مشغول بقضايا الامة ، يتحدّث معك بحميمية مريحة ، لكنها لا تنسيه موضوعيته كاكاديمي متخصص بالتاريخ ئن وبفلسفة التاريخ ، مشغول بهموم الانتلجينسيا العربية ودورها المفترض ، الغائب او المغيب ، مشغول بهموم جيل يترك مناهجه المدرسية ويتسلل الى شبكة الانترنيت متطفلا ، نتيجة خلل واضح ومسكوت عنه ، في تلك العلاقة بين التنشئة الخاطئة والاجيال الصاعدة ، لعدم تحكم العقل وعدم تحكم التاريخ ، فالعرب لم يستفيدوا من تاريخهم شيئا ، فمؤرخونا العرب كما يرى الدكتور الجميل لا زالوا يفتقدون الدراسات النقدية التاريخية الحقيقية ، فقد غابت من ثقافتنا جملة هائلة من الاشياء ، فنحن لا نعرف سوى المدح والثناء او الازدراء او السرد والانشاء .

· كيف تقرأ واقعنا العربي اليوم ؟
د. الجميل : العرب جنوا على انفسهم في القرن العشرين ، تربية الاجيال كانت خاطئة ، مختلف الاجيال منذ ما سمي بالتأسيسات الوطنية حتى يومنا هذا .. المناهج كانت غير صائبة ، لم يحّكم العقل ، لم يحّكم التاريخ ، لم يستفد العرب من تاريخهم شيئا ، يقفون عادة عند شكليات الامور ويتركون الجوهر . أخذوا ” موديلات ” جديدة من الغرب ، لكنهم لم يستوعبوا مضمون الحداثة ، وأخذوا ايضا ايديولوجيات عديدة ولكن لم يفهموا هذه الايديولوجيات ، تبنوا فلسفات عديدة ولكن لم يفهموا هذه الايديولوجيات ، تبنوا فلسفات عديدة ولكن ايضا لم يفهموا طبيعة هذه الفلسفات ، نحن بحاجة الى اعادة نظر في التفكير ، في الثقافة ، في التراث ، في الفكر وفي مختلف الامور . النتيجة كانت ظهور الخلل وقد ظهر جليا الان في نهاية القرن العشرين خلل في التكوين الكلي بمختلف روافده ، فلم يعرف العرب الى اليوم على سبيل المثال معنى التفكير المدني والمدارس المدنية ، لم يفهم العرب المجتمع الاهلي ، ولم يستفد العرب بالتالي من تاريخهم الزاهر في التعاون .. في المعايشات .. الاستفادة من الوقفيات والاستفادة من روح السماحة والانفتاح على الاخر الموجود في تراثهم . بدأ التعصب يغزو التفكير العربي يوما بعد يوم . التعّصب باتجاه الغرب والتعصّب باتجاه جوانب من تاريخنا .

· ولكن لا ننسى ان الغرب ايضا له تعصّبه رغم الموضوعية المفترضة ، وهذا التعصّب اعترف به علماؤه ومفكروه امثال مكسيم رودنسون .
د. الجميل : لكن تعصّبنا نحن كان مدّمرا ، واما اذا كنت متعصبّا لشيئ او أمر يتعّلق بتعزيز الهوية والانتماء ف بأس ، وهناك تعريفات ودرجات للتعصّب ، وهذا شيئ صحّي كالتمسك بالعادات والتقاليد والموروث الثقافي والاجتماعي ، امر صحي ، ولا ننسى موضوع محافظتنا على لغتنا العربية ، وهو امر في غاية الاهمية ، فمنطق الحكمة مع الاسف افتقد .. شيغت قراراتنا المصيرية على عجل .. آمنا بشعارات ثبت فيما بعد فشلها ، ولم نحقّق شيئا منها ، فولدت كل تلك التراكمات اجيالا محبطة ، لأنها نشأت وسط احباطات متلاحقة ، لذلك لابد من عودة جدية الى التراث لاستلهام قيمه ، واضاءاته للانسانية وتوظيفه توظيفا صحيحا لتنشئة اجيال جديدة ، واثقة بنفسها وتتطلع الى المستقبل بثقة . نحن بحاجة الى اعادة نظر في تكويناتنا العربية ، من منظمات ومراكز ابحاث وجامعات ومؤسسات اكاديمية وتعليمية . فهل المطلوب ان نأخذ فقط الشكليات .. نأخذ فقط التكنولوجيا لكي نتمتع بها . اين انتاجنا نحن ؟ اين احترام الزمن ؟ اين تقديس العمل ؟ اين المحافظة على روح الاسلام الحقيقية التي زرعت منذ مئات السنين ؟ اين روح التعايش الخلاق ؟ الان نحن نفتقد ذلك يوما بعد يوم . هناك من يعول على ذلك لاسباب خارجية . ولكنني اقول هناك اسباب داخلية يجب ان نفهمها ، وهي اسباب تربوية بالدرجة الاولى .. ولهذا انا اشعر براحة عندما اجد مجتمعا متجانسا ، ولكنني اشعر بالقلق عندما يكون هناك مجتمع منقسم على نفسه ، هويته ضائعة ، لغته ركيكة ! نحن نؤمن بأننا اصحاب امجاد غابرة ولاشك في ذلك بالطبع ، لكننا لا نسألأ انفسنا ” كيف ” تمّ بناء ذلك المجد الغابر ، بمنجزاته التي خدمت الانسانية جمعاء ، وما هي النوعية ، نوعية الاجيال التي ابدعت ونوعية الاجيال التي ننشئها اليوم . ولهذا اعتقد ومع بداية هذا القرن ستكون الصدمات أشد على الاجيال القادمة . ولكن بالوقت نفسه ، فان هذه الاجيال القادمة ينبغي ان تكون أقوى من الاجيال السابقة ، لتتمكن من الاستفادة من مواريث الامة الخصبة ، من لغة ، وثقافة ، وتراث ، وعمران من التقاليد الاصيلة .. ومن كل ما هو ايجابي ، ولا يمكن ان يطغى السلبي على الايجابي . شئنا أم ابينا نحن في دائرة عصر متحرك وصغير جدا ، فقبل عشر سنوات بوسائل التقنية الحديثة في الاتصالات بعضها لم يكن موجودا ، هذا سيساعد على تنشئة جيل ربما حتى لا يعتمد على خططه او مناهجه المدرسية ، فهناك الانترنيت ستقدم له الشيئ الكثير ، قد لا يتعلمّه الطفل مثلا على يد مدرسيه المتعبين الذين لم يعودوا شيئا مع الاسف ، وانا اتكلم على صعيد العالم العربي بشكل عام ، فتعلمينا لا زال هزيلا ، لا يعتمد على الطالب نفسه كأنسان والاشياء الاساسية التي ينبغي ان يتعلمها .. هذا الانسان كون الامر قد اعتمد على هذا الشخص ” الملقن ” كونه قد حصل على شهادة قصاصة ورق ، وهذا حتى على مستوى الجامعات في هذا الخضم يجب ان نبحث ونقول بوضوح : اين النوعية ؟

تاريخ جديد
· أذن ، اين المخرج من هذا المأزق ؟
د. الجميل : المخرج ينبغي ان يكون لنا هناك تأسيس لتاريخ جديد ، لتفكير جديد وقد طرحته في كتاب صدر مؤخرا وهو بعنوان ” العولمة والمستقبل : استراتيجية تفكير !!! : العرب والمسلمون في القرن الواحد والعشرين ” فلابد من تأسيس استراتيجية تفكير جديد لمستقبلنا وان نهتم بمستقبلنا ,, وان نعرف مكامن الخطورة على مجتمعاتنا وعلى ثقافتنا ، وعلى مواردنا .. يجب ان نفّكر بكيفية بناء شخصية الطفل والشاب .. تترسخ عنده القيم الحضارية النبيلة بما فيها القيم التراثية العريقة .. وبنفس الوقت يستطيع ان يتعّلم شيئا جديدا من الآخر . لأن عدم ترسيخ طريقة التفكير هذه ، بعد ذلك شئنا ام ابينا سينفتح هو بنفسه على هذا الاخر من خلال التقنيات الحديثة التي جلبتها له الثورة المعلوماتية وثورة الديجاتيل الرقمية .. وان كان انفتاحه سيكون انفتاحا متطفلا ، فنحن ينبغي ان نستبق مرحلة التطفل هذه !
* الحديث عن التاريخ يقودنا للسؤال عن حال مؤرخينا العرب ..
د. الجميل : في الحقيقة نحن كمؤرخين لم نمارس الدراسات النقدية الحقيقية ، واقصد النقدية التاريخية الحقيقية .. غابت عن ثقافتنا العربية جملة هائلة من الاشياء . قد يكون هناك سرد وانشاء ، ولهذا معظم مؤرخينا العرب ومع احترامي للفئة النشيطة والفاعلة منهم ، ولا اقول كلهم ، يفتقدون الى النقد وآلياته ومناهجه واساليبه .. يفتقدون ايضا الثقافة العامة والمعرفة بالعلوم الاخرى التي يمكن ان يمارسون من خلالها ادوات النقد .. يفتقدون للموهبة لأن النقد موهبة .. يفتقدون الجرأة الفكرية ، يفتقدون المنهج والامانة العلمية ، فغابت عن ثقافتنا العربية اشياء كثيرة واغلبها مخفية .. ان تاريخنا مليئ بالقضايا الشائكة والمزورة والملفقة والتي لا يقبلها عقل ولا منطق .. ولكنهم يتحاشون معالجتها لأن ثمة مخاطر او خطوط حمراء لا يتجاوزونها ابدا .. اضافة الى ذلك هناك موضوع تغليب الايديولوجي على المعرفي فعلى امتداد القرن العشرين يغّلب الكتّاب العرب من مؤرخين الى دارسين الى باحثين الى مفكرين .. يغلّبون الايديولوجي على المعرفي والمخيالي على الحقيقي ولا يكونون حياديين في معالجاتهم للقضايا الصعبة والخطيرة وهذا من اسباب اخفاقاتنا الكثيرة ومن اسباب بقاء اعمالهم تلك على الرفوف يعلوها الغبار ! فالرائج اليوم من الكتابات التاريخية يتمثل بالكتابات العامة السهلة والساذجة والتمجيدية على حساب الوثيقة وعلى حساب التاريخ الصحيح والمعرفة العلمية والمنهجية والمنطق .. لذلك نحن نتمنى ان يكون الجيل الجديد من المؤرخين العرب حياديا وموضوعيا وشجاعا ومنهجيا وان يكون اقدر على ممارسة الكتابة بشكل افضل مما كان عليه الحال في القرن العشرين .

الافغاني :
· ماهي آخر مشاريعك الكتابية ؟
د. الجميل : اشتغل هذه الايام على كتاب يعالج تاريخ السيد جمال الدين الافغاني ، وهذا الكتاب توثيقي وقد بذلت جهدا كبيرا في جمع هذه الوثائق هناك وثائق من ايران والهند وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة ومصر وتركيا وروسيا وايضا من العراق . هذا الرجل الذي توفي عام 1897م . لقد مضت مائة سنة والثقافة العربية كاملة وهي لا تعرف حقيقة الرجل انها تعرف نتفا عنه ولا تدرك خفاياه ، فالافغاني ساهم في تأسيس تاريخ جديد ، او لنقل انه رسم خطوطا جديدة . لقد اتخذت في تاريخنا اساليب خاطئة مع الاسف ، فهو على سبيل المثال صاحب فكرة الجامعة الاسلامية ، ولكن لننتظر ما سيقوله المستقبل في هذا الرجل الغامض ! لقد نشرت عدة بحوث عن الافغاني واعتبرته المؤسس الحقيقي للاسلام السياسي في العصر الحديث ليس في العالم العربي ، بل في كل العالم الاسلامي ، وان الخطوط والمنطلقات التي رسمها كانت ركائز حقيقية استند عليها كل الذين اثروا الاسلام السياسي بالرغم من كونه يتناقض فكره وازدواجيته بين الماسونية ودعوته للعلمنة وبين ما دعا اليه من الاسلام السياسي .
* الى اليوم هناك بلاشك انقسام حول هذا الرجل ، فمن هو ياترى ؟ ولماذا هذه المساحات التي يمكن وصفها بـ ” المشبوهة ” ان صح القول في سيرته ، او الغامضة الى حد ما ؟
د. الجميل : بالفعل ، هناك انقسام كبير حول تقييم هذا الرجل في سلوكياته وفي تكوينه وفي مذهبه وفي اهدافه وفي مسؤوليته وفي كل ما يتّصل بتاريخه ، بل حتى في افغانيته ، فهو ليس بافغاني ابدا .. انه من ايران ، اي ايراني المولد اذ ولد قرب همدان وعاش طفولته في العراق وتكّون في النجف الاشرف ، فهو شيعي المذهب وقد كتم ذلك على مدى سنوات حياته ، فكان يعلن عكس ما يبطن ! وسافر الى الهند وهناك احتضن من قبل الانكليز وعاش طويلا هناك ، ثم جاء الى استانبول ثم طرد منها ووصل بعد ذلك الى مصر وبقي فيها ثماني سنوات ثم ساهم بالسياسة المصرية المناهضة للخديوي .. ثم تنقّل في اماكن عدة بعد طرده من مصر .. وسنجد جملة من الاسرار التي سنكشفها في دراستنا له وربما يطول البحث للقضايا الشائكة التي تتضمنها حياته وما يكمن من غموض وراءها !
* هناك غموض يشوب علاقته بأسرته . هذا الجانب ايضا غير معروف
د. الجميل : المعلومات عن اسرته في الحقيقة موجودة ، لكنه كان شخصية متمردة . لقد كانت هناك ثمة رسائل خطّية بينه وبين افراد اسرته ، ولكنها بقيت خفية اذ يتعمد اخفاءها . وكان هناك ابن اخته في ايران قد كتب كتابا عنه !
* واخيرا هل كانت له علاقة بالماسونية ؟
د. الجميل : لا ننسى دوره في هذا الانتماء مع الفرنسيين وتأسيسه هو نفسه المحفل الماسوني في مصر ، وكان أحد اعضاء هذا المحفل ابن الخديوي نفسه ، ومن اعضائه اغلب اصدقائه . وقد عاصر الخديوي اسماعيل ثم الخديوي توفيق الذي طرد في عهده من مصر شر طرده !
* شكرا لك د. سيّار الجميل .

شاهد أيضاً

ملف: إمكانية حكم دكتاتور عادل للعراق.. حوار عراقي مصري بين الدكتور سيّار الجميل والأستاذ عبد الله كمال على روز اليوسف المصرية

مقدمة كتب الصديق الأستاذ عبد الله كمال عضو مجلس الشورى المصري ورئيس تحرير كل من …